بوتين يدين الضربات ويحذر من تداعياتها على العلاقات الدولية

موسكو تحدثت عن استهداف مطارات... ولمحت إلى تسليم دمشق «إس 300»

رئيس الاركان الروسي سيرغي روسكوي في مؤتمر صحافي امس ( إ ب أ)
رئيس الاركان الروسي سيرغي روسكوي في مؤتمر صحافي امس ( إ ب أ)
TT

بوتين يدين الضربات ويحذر من تداعياتها على العلاقات الدولية

رئيس الاركان الروسي سيرغي روسكوي في مؤتمر صحافي امس ( إ ب أ)
رئيس الاركان الروسي سيرغي روسكوي في مؤتمر صحافي امس ( إ ب أ)

لم تخرج الضربات الثلاثية على منشآت عسكرية وعلمية في سوريا عن حدود التوقعات التي برزت في موسكو، خلال اليومين الماضيين، لجهة انتظار «ضربة محدودة تهدف إلى حفظ ماء الوجه»، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الدفاعات السورية نجحت في اعتراض 71 صاروخاً من أصل 103 أطلقت على 7 أهداف أساسية، وقالت إن الصواريخ التي أصابت أهدافها «لم تحدث أضراراً». ودان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «العدوان على بلد مستقل»، وحذر من تداعياته على النظام الدولي، وأعلن عن دعوة بلاده مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة لبحث التطور الذي قامت به واشنطن وحلفاؤها، موضحاً أن القصف الذي نفذته واشنطن وحلفاؤها يشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ووصفه بأنه «عمل عدواني ضد دولة ذات سيادة، تقف في طليعة الدول التي تكافح الإرهاب»، وزاد أن الولايات المتحدة «تعمق من خلال تصرفاتها الأزمة الإنسانية في سوريا وتقدم خدمة للإرهابيين، كما أنها تنذر بموجة جديدة من الهجرة من سوريا والمنطقة ككل». وحذر بوتين من أن التصعيد «يؤثر بشكل مدمر على منظومة العلاقات الدولية بأسرها»، مشيراً إلى أن «التاريخ سيضع النقاط على الحروف، كما سبق له وسجل لواشنطن حملها الثقيل إثر ارتكابها مجازر بحق يوغوسلافيا والعراق وليبيا». وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت أنها أطلعت بوتين على تطورات الموقف «لحظة بلحظة».
وفي إيجاز صحافي، عرض رئيس غرفة العمليات في رئاسة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي خرائط تظهر المواقع التي استهدفتها الضربة الثلاثية، وتحدث عن إفشال الهجوم. وقال إن الأطراف الثلاثة أطلقت 103 صواريخ، بينها صواريخ مجنحة من طراز «توما هوك» التي أطلقت من سفن حربية، وقنابل موجهة أطلقت من الجو، بالإضافة إلى صواريخ جو - أرض، وزاد أنه شاركت في الهجوم طائرات أميركية من طرازات «B - 1B»، و«F - 15»، و«F - 16»، معززة بطائرات «تورنادو» البريطانية فوق البحر المتوسط، وسفينتا «لابون» و«مونتيري» الأميركيتان من البحر الأحمر. وقال المسؤول العسكري إن الدفاعات الجوية السورية أسقطت 71 صاروخاً منها.
وكان لافتاً تأكيد المتحدث العسكري على أن غالبية المطارات التي استهدفتها الضربة لم تصب بأي أضرار، لأن كل الصواريخ الموجهة إليها أسقطت قبل بلوغها أهدافها. ووفقاً لبيان رودسكوي، فإن المطار الدولي في دمشق استهدف بـ4 صواريخ، ومطار ضمير العسكري بـ12 صاروخاً، ومطار بلي العسكري جنوب شرقي دمشق بـ18 صاروخاً، ومطار شعيرات العسكري بـ12 صاروخاً. وقال إن كل هذه الصواريخ أسقطت ولم تصب أهدافها.
بينما أشار إلى استهداف مطار المزة بـ9 صواريخ تم إسقاط 5 منها، ومطار حمص بـ16 صاروخاً تم تدمير 13 منها من دون أن تقع أضرار جدية في الموقع. ولفت إلى تعرض مركزين للبحث العلمي في منطقتي برزة وجمرايا للقصف بـ30 صاروخاً، قال إنه تم إسقاط 7 منها.
وأشاد المسؤول العسكري بقدرات الدفاع الجوي السوري، التي قال إن موسكو عملت خلال العامين الماضيين على إعادة تأهيلها، ولفت إلى أن دمشق استخدمت لصد الهجوم أنظمة صاروخية من طرازات «إس - 125» و«إس - 200» و«بوك» و«كفادرات» و«أوسا» وكلها روسية المنشأ. وفي تطور سيكون له أهمية خاصة، أعلن رودسكوي أن موسكو امتنعت في السابق عن تزويد دمشق بأنظمة صاروخية متطورة من طراز «إس 300» استجابة لطلب غربي، وزاد: «بعد هذا الحدث قد نعمل على تسليمها ليس فقط لسوريا بل وإلى بلدان أخرى أيضاً». وتعهد بالعمل على «تعزيز الدفاعات السورية أكثر».
كما لفتت عبارته إلى أن المواقع التي أصيبت «لم تكن تعمل وكانت مدمرة أصلاً». وذكر رودسكوي أن «منظومات الدفاع الجوي الروسية في سوريا كانت مشغلة وفي حالة تأهب، إلا أنها لم تستخدم»، موضحاً أن أياً من الصواريخ لم يخترق نطاق مسؤولية الدفاعات الجوية الروسية، التي تحمي القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس. وفي وقت لاحق قالت وزارة الدفاع الروسية إن «الطيران الفرنسي لم يشارك في العدوان على سوريا»، خلافاً لتأكيد باريس ولندن وواشنطن.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن القصف «لم يكن رداً على الهجمة الكيماوية المزعومة، بل رد فعل على نجاحات الجيش السوري في تحرير أراضي بلاده من الإرهاب الدولي».
في غضون ذلك، اعتبرت الخارجية الروسية أن الضربة الثلاثية «محاولة جديدة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد»، وزادت في بيان أن الضربة الغربية جاءت في وقت تواصل دمشق تحقيق انتصارات على الإرهاب، وهدفت إلى عرقلة تقدم القوات الحكومية ضد مواقع سيطرة «داعش» و«جبهة النصرة». وزادت أن «العدوان جرى برغم كل الجهود المبذولة في مجلس الأمن، وهذا انتهاك واضح للقانون الدولي ومحاولة لتهميش دور المجلس»، محذرةً من تداعيات محتملة على استقرار منظومة العلاقات الدولية.
وفي وقت لاحق قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن بوتين طلب من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تقديم أدلة على الهجوم الكيماوي في الغوطة، موضحاً أن موسكو لم تحصل على أدلة، في إشارة إلى نشر باريس تقريراً يؤكد مسؤولية دمشق عن هجوم الغوطة. وزاد لافروف أن الضربة تزامنت مع بدء المحققين من منظمة حظر السلاح الكيماوي نشاطهم في دوما ما يلقي بظلال على جدية الغرب في مساعي معرفة الحقيقة.
وزاد أن اتفاقاً تم التوصل إليه مع باريس لإرسال خبراء إلى دوما في غوطة دمشق، معرباً عن أسفٍ لأن وزارة الدفاع الفرنسية لم تتواصل مع نظيرتها الروسية في هذا الشأن.
وكانت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، رأت أن «صمت باريس تجاه الأسلحة الكيماوية المزعومة في سوريا أمر لا يمكن تفسيره». وزادت أنها اطلعت على «التقرير السري الفرنسي الذي جاء فيه أن دمشق تقوم منذ 2013 بتطوير برامج سرية لإنتاج الأسلحة الكيماوية». وتساءلت زاخاروفا: «من غير الواضح، أين كان الممثلون الرسميون لوزارتي الخارجية والدفاع الفرنسيتين وممثلة الرئيس الفرنسي؟».
لكن اللافت أنه رغم اللهجة القوية لموسكو، برزت تصريحات لمسؤولين روس تؤكد على الاستعداد لمواصلة التعاون مع واشنطن، وقال نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف إن «موسكو وواشنطن في حال نزاع حول سوريا، لكن هذا لا ينفي استعدادنا للتعاون مع واشنطن، وضرورة فتح قنوات اتصال لاستئناف التنسيق في عدد من الملفات الحيوية».
كما لفتت تعليقات دبلوماسيين وبرلمانيين روس إلى أن موسكو ترى في «محدودية الضربة» إشارة إلى أن الغرب لا يريد تصعيد المواجهة مع موسكو، وقال نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية لدى مجلس «الدوما» الروسي إليكسي تشابا إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا «كانت مرغمة على ضرب سوريا، حفاظاً على ماء وجهها».
وقال إن البلدان الثلاثة «حشرت نفسها في طريق مسدودة بعد إطلاقها تصريحات مدوية مشبعة بالتهديد والاتهامات ضد الحكومة السورية. وكانوا مضطرين ليقوموا بعمل محدد كي لا يضيعوا نهائياً ماء وجوههم» وليس لأنهم يرغبون في توسيع المواجهة مع موسكو.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.