طهران تعد بـ«زيادة الدعم» للنظام

قاسم سليماني قائد قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
قاسم سليماني قائد قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
TT

طهران تعد بـ«زيادة الدعم» للنظام

قاسم سليماني قائد قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
قاسم سليماني قائد قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا.

عادت الحياة في شكل حذر إلى شوارع دمشق أمس، بعد ساعات من تعرض مواقع عسكرية سورية لقصف جوي أميركي - بريطاني - فرنسي. وتجمع مئات في ساحة الأمويين وسط العاصمة وهم يحملون أعلاماً سورية وصوراً لرئيس النظام بشار الأسد، مرددين شعارات تأييد للجيش السوري، بحسب وكالة الأنباء الألمانية. كما لوحظ أن مؤيدين للنظام قاموا بجولات بالسيارات في العاصمة وهم يحملون أعلام سوريا وروسيا وإيران، فيما أفادت وسائل إعلام بأن تجمعات منددة بالضربة الغربية جرت في حلب وحمص وحماة واللاذقية.
وبعد ساعات من وقوع الضربة، نشرت الرئاسة السورية لقطات فيديو ظهر فيها الأسد لدى وصوله إلى مكتبه في دمشق، كما وزعت تصريحات أدلى بها خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني حسن روحاني وقال فيها إن «هذا العدوان لن يزيد سوريا والشعب السوري إلا تصميماً على الاستمرار في محاربة الإرهاب وسحقه»، بحسب تعبيره. وتابع الأسد، كما أورد موقع الرئاسة السورية، أن «العدوان جاء نتيجة لمعرفة القوى الغربية الاستعمارية الداعمة للإرهاب أنها فقدت السيطرة، وفي الوقت نفسه شعورها بأنها فقدت صدقيتها أمام شعوبها وأمام العالم». من جهتها، قالت وزارة الخارجية السورية في بيان إن الهجوم «لن يؤدي إلا إلى تأجيج التوترات في العالم» ويهدد الأمن الدولي.
وفي طهران، قال المرشد الإيراني علي خامنئي، بحسب ما نقلت «رويترز» عن حسابه في «تويتر»، إن الهجوم الثلاثي «جريمة». وقال: «أعلن بوضوح أن الرئيس الأميركي ورئيس فرنسا ورئيسة الوزراء البريطانية مجرمون». وأضاف: «لن يجنوا من (الهجوم) أي فائدة مثلما ذهبوا إلى العراق وسوريا وأفغانستان على مدى السنوات الماضية وارتكبوا مثل هذه الجرائم دون تحقيق أي مكاسب».
وذكرت وكالة تسنيم للأنباء أن الرئيس روحاني حذّر من أن الهجوم سيؤدي إلى مزيد من الدمار في منطقة الشرق الأوسط. ونقلت الوكالة عنه أن إيران «ستزيد دعمها» لنظام الأسد وأن «الشعب السوري صمد على مدى أعوام في مواجهة اعتداءات الأجانب وسيستمر هذا الشعب بالمقاومة»، بحسب ما جاء في تقرير لـ«رويترز».
ونقلت وكالة فارس للأنباء عن وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان قوله إن «الشعب السوري سيرد بالتأكيد على تلك الهجمات»، فيما قال مسؤول بالحرس الثوري الإيراني إن الولايات المتحدة ستتحمل تكلفة تداعيات الضربات. وقال يد الله جواني مساعد قائد الحرس الثوري للشؤون السياسية لوكالة فارس للأنباء: «بعد هذا الهجوم... سيصبح الموقف أكثر تعقيداً وستتحمل الولايات المتحدة بالتأكيد تكلفة هذا وستكون مسؤولة عن تداعيات الأحداث المقبلة في المنطقة والتي لن تكون قطعاً في مصلحتها». وأضاف: «سيجري تعزيز جبهة المقاومة لتكون أكثر قدرة على الرد على التدخلات (الأميركية). على الأميركيين أن يترقبوا تبعات إجراءاتهم وعدوانهم»، بحسب «رويترز».
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان: «الولایات المتحدة وحلفاؤها الذین شنوا هجوماً ضد سوریا دون أي حجة دامغة... هم المسؤولون وحدهم عن التداعیات والنتائج الإقلیمیة والدولیة لهذه المغامرة». وأضافت: «إیران، بناء علی المعاییر الدینیة والقانونیة والأخلاقیة الملتزمة بها، تعارض استخدام السلاح الكیماوي في الوقت الذي ترفض فیه بشدة توظیف هذه الذریعة للاعتداء علی بلد مستقل ذي سیادة».
وقال «حزب الله» اللبناني في بيان أمس إن «الحزب يدين بشدة العدوان الثلاثي الأميركي البريطاني الفرنسي الغادر على سوريا الشقيقة، ويعتبره انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية وكرامة الشعب السوري وسائر شعوب المنطقة». وأشار الحزب، بحسب ما أورد موقع «روسيا اليوم» إلى أن «الذرائع والمبررات التي استند إليها العدوان الثلاثي الجديد، هي ذرائع واهية لا تستقيم أمام العقل والمنطق، وتستند إلى مسرحيات هزلية فاشلة». كما صدرت مواقف مماثلة عن تنظيمات عراقية مؤيدة لإيران.



سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
TT

سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)

بعد 12 عاماً على صورته بطريقة «السيلفي» مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، يبدو اللاجئ السوري الأكثر شهرة في ألمانيا، أنس معضماني، مُرتاحاً في وطنه بالتبني.

ورغم أنه لم يكن يعرف من هي ميركل حينما التقط معها الصورة وهي تزور مركز اللجوء الذي كان فيه؛ فإنه بات اليوم معلقاً بألمانيا قدر ارتباطه بوطنه الأم سوريا.

مثل باقي السوريين الذين وصلوا لاجئين إلى ألمانيا بعد شرارة الثورة في بلادهم عام 2011، يواجه أنس وغيره من أبناء جيل اللجوء، قراراً صعباً: هل نعود إلى سوريا أم نبقى في ألمانيا؟

وخلال فترة ما بعد سقوط الأسد، يبدو أن خطط أنس بدأت تتضح معالمها: يريد الشاب المتحدر من داريا في ريف دمشق، العودة إلى سوريا لزيارة أهله، ومساعدتهم على إعادة بناء منزلهم كخطوة أولى.

بعدها، يقول أنس لـ«الشرق الأوسط»، إنه يريد أن يُقسّم وقته بين ألمانيا وسوريا، ويفتح مشاريع في البلدين. وكما لو أنه يبرر ذنباً ارتكبه يستدرك: «دمشق أجمل مدينة على الأرض، ولكني أحب ألمانيا وبرلين أصبحت مدينتي الثانية».

في ألمانيا، بات أنس مثالاً للاجئ السوري المندمج؛ فهو تعلم اللغة، وحصل على الجنسية ودخل سوق العمل، حتى إنه تعرف على فتاة أوكرانية تُدعى آنا، ويخططان لمستقبلهما معاً.

ولعل مسألة حصول أنس على جواز سفر ألماني هي ما يسهل قراره بالعودة وإن كانت جزئية إلى سوريا؛ فهو يعلم أنه يمكنه التحرك بحرّية بين الجانبين من دون أن يخشى خسارة أوراقه أو إقامته.

أنس معضماني (الشرق الأوسط)

وأنس واحد من قرابة 260 ألف لاجئ سوري حصلوا على الجنسية الألمانية، فيما يتبقى أكثر من 700 ألف من مواطنيه يعيشون بإقامات لجوء، أو إقامات حماية مؤقتة يمكن أن تُسحب منهم عندما يستقر الوضع في سوريا.

الارتباك للجميع

غير أن الارتباك لم يكن من نصيب اللاجئين السوريين فقط؛ فالتغيير السريع للوضع في دمشق أربك أيضاً سلطات الهجرة في ألمانيا، ودفعها إلى تعليق البت في 47 ألف طلب لسوريين راغبين في الهجرة... الجميع ينتظر أن تتضح الصورة.

ولقد كان الأساس الذي تعتمد عليه سلطات اللجوء لمنح السوريين الحماية، الخوف من الحرب أو الملاحقة في بلادهم. وبعد انتفاء هذه المخاوف بسبب سقوط النظام، ربما سقط السند القانوني.

وامتد هذا الإرباك بشأن وضع اللاجئين السوريين إلى السياسيين الذين سارعوا بالحديث عن «ترحيل السوريين» إلى بلادهم بعد ساعات قليلة على سقوط الأسد.

ولم تصدر تلك الدعوات من الأحزاب اليمينية فقط، بل أيضاً من الحزب الاشتراكي الذي يقود الحكومة، ووزيرة الداخلية نانسي فيزر المنتمية للحزب، والتي تحدثت عن المساعي لتغيير قواعد اللجوء للسوريين، والعمل على إبقاء «المندمج ومن يعمل» وترحيل المتبقين.

سورية ترتدي علم المعارضة السورية ضمن مظاهرات في شوارع برلين 10 ديسمبر احتفالاً بسقوط نظام الأسد (أ.ب)

ولكن الترحيل ليس بهذه البساطة. والكثير مما يتردد عن ترحيل السوريين قد تكون أسبابه انتخابية قبل أسابيع قليلة عن الانتخابات العامة المبكرة التي ستجري في 23 فبراير (شباط) المقبل.

وصحيح أنه من حيث المبدأ، يمكن سحب الإقامات المؤقتة من حامليها؛ لكن ذلك يتطلب أن تصنف وزارة الخارجية سوريا «دولة آمنة ومستقرة»، وهو ما قد يستغرق سنوات.

نيات البقاء والمغادرة

وحتى مع تأخر التصنيف الألماني لسوريا آمنة ومستقرة، لا يبدو أن الكثير من اللاجئين متشجعون للعودة. وبحسب «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» الذي يجمع معلومات دورية حول نيات اللاجئين بالبقاء أو المغادرة، فإن 94 في المائة من السوريين قالوا قبل سقوط الأسد إنهم يريدون البقاء في ألمانيا.

ورغم أنه ليست هناك إحصاءات جديدة منذ سقوط الأسد بعد، فإن المكتب يشير إلى أنه في العادة تزداد نيات البقاء مع زيادة فترة وجود اللاجئ في البلاد. وكلما طالت فترة وجوده، ازدادت إرادة البقاء.

وصل معظم السوريين إلى ألمانيا قبل أكثر من 5 سنوات، جزء كبير منهم قبل عقد من الزمن، وهذا يعني، حسب المركز، أن تعلقهم بألمانيا بات قوياً.

وتنعكس هذه الدراسة فعلاً على وضع اللاجئين السوريين في ألمانيا.

سيامند عثمان مثلاً، لاجئ سوري كردي، وصل إلى ألمانيا قبل 11 عاماً، يتحدر من القامشلي، وهو مثل مواطنه أنس، تعلم اللغة، وحصل على جواز ألماني، وما زالت معظم عائلته في القامشلي. ومع ذلك، لا يفكر بالعودة حالياً.

سيامند عثمان سوري كردي يعيش بألمانيا لا يفكر في العودة حالياً (الشرق الأوسط)

يقول عثمان لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع في مناطق الأكراد «صعب في الوقت الحالي، وما زال غير مستقر»، ولكنه يضيف: «أنا أحب العودة وهذه أمنيتي، فأهلي هناك، ولكن أتمنى أولاً أن تتفق كل الأطراف في سوريا، ويصبح هناك أمان في منطقتنا».

أكثر ما يخيف سيامند هو عودة الحرب في سوريا، يقول: «تخيلي أن أترك بيتي هنا وأسلم كل شيء وأبيع ممتلكاتي وأعود إلى سوريا لتعود معي الحرب بعد أشهر وأضطر للنزوح مرة جديدة». ومع ذلك فهو مصرّ على أنه سيعود عندما تستقر الأمور.

ماذا عن الاقتصاد؟

المخاوف من عدم الاستقرار ليست وحدها التي تجعل السوريين مترددين في العودة. فالوضع الاقتصادي يلعب دوراً أساسياً، وفق ما تُقدر آلاء محرز التي وصلت عام 2015 إلى ألمانيا.

تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها «بنت نفسها من الصفر»؛ تعلمت اللغة، وعادت وتدربت على مهنتها (المحاسبة)، وهي الآن تعمل في هذا المجال، وحصلت على الجنسية الألمانية.

آلاء محرز لاجئة سورية تعمل في ألمانيا (الشرق الأوسط)

ورغم تفاؤلها الكبير بمستقبل سوريا، فإن آلاء المتحدرة من حمص ما زالت تحمل تحفظات حول الوضع هناك، والمسار الذي قد تسلكه سوريا في السنوات المقبلة، وتخشى أن تترك وظيفتها ومنزلها في برلين وتعود من دون أن تجد عملاً مناسباً.

مصاعب العائلات

وإذا كان قرار فرد المغادرة أو البقاء صعباً، فإنه قد يكون أكثر صعوبة للعائلات السورية التي وصلت مع أبنائها الذين نسوا اللغة العربية وأضاعوا سنوات لتعلم الألمانية.

يقول أنس فهد، المتحدر من السويداء، الذي وصل إلى ألمانيا قبل 3 أعوام تقريباً مع عائلته وابنه المراهق، إنه «ما زال يحمل إقامة حماية مؤقتة، ويعمل مهندساً كهربائياً».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الوقت مبكر الآن لاتخاذ قرار بالعودة»، شارحاً أن ابنه أمضى عاماً من الدراسة يتعلم اللغة الألمانية، وهو يحقق نتائج جيدة جداً في المدرسة ببرلين، ومن الصعب إعادته إلى مدارس سوريا حيث سيضطر لإضاعة عام آخر لدراسة اللغة العربية.

«وصلت يوم سقط الأسد»

وحتى الواصلون الجدد لا يخططون للعودة. لعل أحدثهم باسل حسين الذي وصل إلى برلين يوم سقوط الأسد، بعد أن دفع أكثر من 13 ألف يورو ليدخل عن طريق التهريب، والذي يقول إنه لن يعود الآن وقد وصل للتوّ.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع ما زال غير واضح، وهناك قرارات جديدة كل يوم». يفضل باسل أن يستكشف مستقبله في ألمانيا حتى ولو كان ذلك يعني أن عليه البدء من الصفر، على أن يعود إلى مستقبل غير معروف.

باسل حسين لاجئ سوري وصل إلى ألمانيا يوم سقوط الأسد (الشرق الأوسط)

وليس فقط السوريون هم المترددين حيال العودة، بل إن الألمان يخشون خسارة كثير منهم دفعة واحدة، خصوصاً أولئك الذين دخلوا سوق العمل ويملأون فراغاً في مجالات كثيرة.

ويعمل أكثر من 5 آلاف طبيب سوري في مستشفيات ألمانيا، ويشكلون بذلك الشريحة الأكبر من بين الأطباء الأجانب في ألمانيا. ويعمل المتبقون في مهن تعاني من نقص كبير في العمال؛ كالتمريض والبناء وقطاع المطاعم والخدمات.

وبحسب معهد أبحاث التوظيف، فإن معدل دخول السوريين سوق العمل هو 7 سنوات لتعلم اللغة وتعديل الشهادات. ويشير المعهد إلى أن السوريين يملأون شغوراً في وظائف أساسية في ألمانيا، ومع ذلك فإن معدل البطالة مرتفع بينهم، خصوصاً بين النساء اللواتي تعمل نسبة قليلة منهن فقط.

وقد حذرت نقابات الأطباء والعمل من الدعوات لتسريع ترحيل السوريين، لما قد يحمله ذلك من تأثيرات على سوق العمل في ألمانيا.

وحذر كذلك مانفريد لوشا، وزير الصحة في ولاية بادن فورتمبيرغ في غرب ألمانيا التي يعمل بها عدد كبير من الأطباء السوريين، من النقاشات حول تسريع الترحيل، وقال: إذا غادر العاملون السوريون في قطاع الصحة «فستكون هناك ثغرة هائلة».

وقالت نقابة المستشفيات في الولاية نفسها، إن «مغادرة كل طبيب أو عامل صحة سوري ستشكل خسارة لنا».