قرية يخزن بها «فيسبوك» بيانات المستخدمين تتساءل عن أمن الشبكة

كانت الأمور هادئة في متجر البضائع المستعملة ذلك اليوم، وكانت مديرة المتجر، ستيفاني هندرسون (38 عاما) تتابع شاشة حاسوبها الخاص في محاولة لاكتشاف كل ما جمّعه «فيسبوك» من معلومات عنها وعن حياتها: المشاركات، و«الإموجيز»، والصور، وحتى الرسائل التي تبادلتها مع أفراد أسرتها.
وكانت ستيفاني قد قررت القيام بذلك منذ أسابيع، ومنذ اندلاع الغضب العام بشأن تعامل شركة «فيسبوك» مع خصوصية المستخدمين تحديدا. نقرت الزر، وأرسلت طلب الحصول على البيانات الخاصة بها إلى شركة «فيسبوك». وخلال فترة الانتظار، حاولت ستيفاني تخيّل نوع وكمية البيانات الشخصية التي جمعها «فيسبوك» عنها على مدى عشر سنوات كاملة من الاستخدام. وقالت: «أخشى معرفة ما تملكه شركة فيسبوك من معلومات عني. إن الأمر محرج للغاية».
واتّخذت شركة «فيسبوك» موقف الدفاع بشأن خصوصية المستخدمين منذ الإعلان الشهر الماضي عن أن شركة «كامبريدج أناليتيكا» التي استغلت البيانات السياسية بصورة غير قانونية لحوالي 87 مليون مستخدم لفيسبوك. وتعهدت شركة «فيسبوك» بإجراء إصلاحات، في الوقت الذي كشفت فيه أيضا عن أن بعض «الجهات الخبيثة» يمكن أن تجمع البيانات الشخصية لمعظم المستخدمين لديها، والبالغ عددهم ملياري مستخدم حول العالم. وفي مواجهة الانتقادات القاسية، قدّم الرئيس التنفيذي للشركة، مارك زوكربيرغ، اعتذارات متكررة أمام الكونغرس الأميركي، وحاول تفسير نموذج الأعمال للشبكة الاجتماعية العملاقة.
وانتشر الجدل المتعلق بالخصوصية في الدوائر السياسية والتجارية، لكنه أبعد ما يكون عن نطاق التأثير في المناطق الريفية في غرب ولاية نورث كارولينا، غير أن بلدة فورست سيتي تلعب في هذا السياق دورا غير عادي. فهي موطن مركز البيانات الضخم التابع لشركة «فيسبوك»، وهو أحد أربعة مراكز في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، وهي عبارة عن مخازن رقمية تستخدمها الشركة في تخزين البيانات. ويقول بعض الخبراء إن بيانات مستخدمي «فيسبوك» التي حصلت عليها شركة «كامبريدج أناليتيكا» وغيرها قد انتشرت بعيدا عن متناول الجميع إلى قواعد بيانات أخرى و«الجانب المظلم من الإنترنت». ولكن في «فورست سيتي»، حيث عشرات الآلاف من الخوادم الحاسوبية المكدسة داخل ثلاثة مبانٍ دائمة التوسع والخاضعة للحراسة المشددة، تحولت المناقشات حول فضيحة البيانات إلى حقائق ملموسة.
وبدأ بعض السكان المحليين، مثل ستيفاني، في البحث الحثيث وأصابهم الهلع مما عثروا عليه إثر استنادهم إلى عالم الإنترنت الذي اعتبر انتهاك خصوصياتهم من الأمور المسلم بها. وقالت ستيفاني، وهي تتصفح أرشيف «فيسبوك» الخاص بها: «لقد فوجئت بوجود كل هذه الأشياء عن حياتي مخزنة لديهم».
ومن المحتمل أن بيانات ستيفاني مخزنة في الجانب الآخر من البلدة التي تعيش فيها، حيث يسعى «فيسبوك» إلى التوسع في إطار خطة توسع وطنية تشمل بناء خمسة مراكز جديدة في مختلف أنحاء البلاد. وتنتشر كاميرات المراقبة في مختلف أنحاء المستودعات رمادية اللون ذات الأسوار الفولاذية السميكة. ولكل مركز من مراكز البيانات محطة التغذية الكهربائية الخاصة به في الجوار. وفيما وراء ذلك هناك عدد قليل من المنازل والمراعي وبعض الماشية والخيول.
واختارت شركة «فيسبوك» «فورست سيتي» في عام 2010، نظرا لموقع البلدة القريب من منحدرات جبال «بلو ريدج» الواقعة ضمن الحزام الحراري الذي يوفر مناخا معتدلا وثابتا بشكل استثنائي. وتبلغ قيمة منشآت شركة «فيسبوك» في هذه البلدة حوالي 650 مليون دولار اليوم، وفقا إلى السجلات البلدية، وهو ما يساوي تقريبا نصف قيمة البلدة بأكملها. ولكن لا يعمل في هذه البلدة التي يبلغ عدد سكانها نحو 7400 مواطن، سوى 250 شخصا. كما يفوق عدد الخوادم الحاسوبية في فورست سيتي عدد سكان البلدة أنفسهم.
من جانبه، وجد كينيث أودوم نفسه فضوليا للغاية بشأن مركز «فيسبوك» للبيانات الذي يمر به يوميا في طريقه من وإلى عمله. ويقول أودوم، المتخصص في تكنولوجيا المعلومات في إحدى المكتبات: «الكثير من الأعمال التي أقوم بها موجودة في ذلك المبنى». ويتعامل أودوم مع الإنترنت بحذر كبير، فهو متابع لفيسبوك أكثر من كونه مدونا نشيطا. ولكنه، برفقة زملائه من موظفي المكتبة، طالما أرادوا تثقيف الناس كيفية حماية أنفسهم على الإنترنت. ولذلك، وقبل شهرين ماضيين، عقدوا سويا دورة حول الخصوصية على «فيسبوك». وكانوا يأملون أن تجتذب الدورة عددا كبيرا من الحضور. ويقول أودوم: «اهتم شخص واحد فقط بالأمر».
غير أن الموضوع، ولا سيما في أعقاب اندلاع فضيحة كامبريدج أناليتيكا، قد أثار المزيد من الجدل، على الأقل بين موظفي المكتبة. وقالت تامارا إدواردز، مسؤولة خدمات الشباب في المكتبة: «لا أشعر وأن الثقة قد انهارت في ذلك الموقع». وسألت أبريل يونغ، مديرة مكتبات المقاطعة: «ولكن ألا تعتقدون أن ذلك بسبب أنكم تعلمون بكيفية عمل هذه البرامج؟» فأجابت إدواردز: «لا يبدو أن هناك اختلافا عن المعلومات التي يجمعونها عندما تمرر البطاقة الائتمانية في متجر البقالة».
ومع ذلك، أقرت إدواردز بأنها شعرت بالهلع من شعورها بأنها قيد المراقبة طيلة الوقت على الإنترنت. ذات مرة، كان موظفو المكتبة يناقشون أمرا ما في المكتب، ثم لاحظت ظهور إعلانات عن نفس الأمر على صفحات «فيسبوك»، كما لو كان الحاسوب يتنصت عليهم وقتها. وفي حين أنه من النادر حذف حسابات «فيسبوك»، تحدث العديد من السكان عن التوقف عن مشاركة التفاصيل الخاصة عبر صفحات وسائل الإعلام الاجتماعية بسبب مشاكل الخصوصية الأخيرة. وهذا جزء من القلق الكبير الذي يساور شركة «فيسبوك»، والتي لاحظت في الآونة الأخيرة في نهاية عام 2017 أن الشركة عانت من انخفاض طفيف في عدد المستخدمين النشطين يوميا في الولايات المتحدة وكندا، بعد أعوام من النمو.
وفي متجر «سكند تشانسيس»، الذي يخدم جمعية «براذر وولف أنيمال ريسكيو» الخيرية، كانت ستيفاني تواصل النقر على ملف تلو الملف في أرشيف «فيسبوك» الخاص بها، وتستخرج أجزاء من المعلومات التي ظنت أنها ضاعت طي النسيان. وكانت هناك صورة ذاتية قديمة، وقالت عنها «إنني أبدو أصغر بكثير في هذه الصورة»، ومقالة إخبارية محلية عن سارقي أجهزة الصراف الآلي التي لا تذكر أنها قد نشرتها على صفحتها في حينها. وذلك إلى جانب الصور المتحركة («إيموجيز») التي أرسلتها إلى الأصدقاء، والتطبيقات التي قامت بتحميلها على هاتفها الخاص، وقائمة بكل من حاول لفت انتباهها على «فيسبوك»، وعدد مرات ذلك.
وتقول ستيفاني: «لا يضايقني الأمر إن بقيت هذه البيانات على صفحتي في فيسبوك. ولكن إن قامت الشركة بنقل هذه المعلومات إلى أناس آخرين، فهذا الأمر يثير فزعي بالتأكيد». ثم عثرت على قوائم بالكتب التي قرأتها. ويبدو أنها نابعة من تطبيق (Goodreads) الذي حملته ذات مرة. وبدأت تشعر بالضيق الشديد، مع الملف تلو الملف بعد الملف. ولم يكن هناك إلا شيء واحد فقط لتفعله. وكان بمثابة إجراء مؤقت للإصلاح. أغلقت حسابها على «فيسبوك»... حتى صباح اليوم التالي!
- خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»