خيارات فرنسا للضربة العسكرية: مع من... كيف... وما الأهداف؟

TT

خيارات فرنسا للضربة العسكرية: مع من... كيف... وما الأهداف؟

انتقد رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب حلفاء النظام السوري بقيادة بشار الأسد على خلفية الهجوم الكيماوي المشتبه به في مدينة دوما السورية.
ورأى فيليب أن «القانون الدولي تعرض للدوس بالأقدام مجددا من جانب نظام بشار الأسد»، مضيفا في كلمته في الجمعية الوطنية الثلاثاء في باريس: «أود القول إن حلفاء النظام يتحملون مسؤولية خاصة في هذه المذبحة».
ووفقا لمنظمات إغاثية فإن عشرات السوريين قتلوا وأصيب مئات آخرون جراء هذا الهجوم الذي يشتبه في أنه قد وقع ليلة السبت-الأحد الماضية. وتحمل الولايات المتحدة حكومة الرئيس السوري المسؤولية عن الهجوم، وأعلنت عدم استبعاد اتخاذ خطوات عسكرية ضد النظام، في حين أن روسيا، حليفة النظام السوري، رأت أن الهجوم مفتعل من قبل المعارضة المسلحة.
واتهم فيليب الحكومة السورية بـ«انتهاج استراتيجية للإرهاب» إزاء السكان المدنيين، وقال إن «استخدام هذه الأسلحة ليس محتيدا، إنه يوشي بشيء عن النظام، ورد فعلنا على استخدام هذه الأسلحة سيوشي بشيء عن حقيقتنا».
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد اعتبر أن استخدام الأسلحة الكيماوية «خطا أحمر» وهدد بتوجيه «ضربات محددة» في حالة توفر أدلة على هذا الاستخدام.
وتملك فرنسا خيارات عسكرية عدة لضرب سوريا. وتلتقي مواقف واشنطن وباريس تماما منذ الهجمات الكيماوية المفترضة التي وقعت السبت في مدينة دوما. ويرغب الرئيسان دونالد ترمب وإيمانويل ماكرون بتنفيذ «رد حازمة» ضد دمشق، الأمر الذي قد يعني القيام بعمل مشترك.
وسبق أن صرح قائد أركان الجيش الفرنسي الجنرال فرنسوا لوكوانتر مؤخرا، بأن باريس بالتأكيد قادرة على الضرب بمفردها، إلا أنه وفي حال توجب القيام برد في سوريا «فمما لا شك فيه أنه سيتم بالتنسيق مع الأميركيين».
وقال الخبير برونو ترتري من مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية: «من المحتمل أيضا أن ينضم البريطانيون إلى الأميركيين والفرنسيين بشكل أو بآخر». كما أن باريس وواشنطن قد ترغبان بمشاركة دول عربية أيضا في الضربة ضد النظام السوري. وقال وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس إنه يريد «معالجة المشكلة بالتعاون مع حلفائنا وشركائنا من الحلف الأطلسي إلى قطر».
ومن السيناريوهات المحتملة لدى الجانب الفرنسي استخدام طائرات «رافال» محملة صواريخ عابرة من نوع «سكالب». وبإمكان هذه الصواريخ التي يصل مداها إلى أكثر من 250 كلم ضرب أهداف في سوريا من دون أن تحلق الطائرات في الأجواء السورية التي تحميها شبكة صواريخ روسية مضادة للطائرات. وبإمكان الطائرات الفرنسية أن تقلع من الأردن أو من الإمارات العربية المتحدة، وفي كل منهما قاعدة عسكرية فرنسية.
إلا أن بإمكان باريس أيضا أن تقرر إقلاع طائراتها من الأراضي الفرنسية نفسها، على أن يتم تزويدها بالوقود في الجو مرتين أو ثلاث مرات حتى الوصول إلى شرق المتوسط. وهو خيار يتيح الإعداد للعملية بعيدا عن الأضواء، حسب ما قال مصدر عسكري موضحا «في فرنسا لا أحد يلاحظ ما نعد له».
وهو الخيار الذي اعتمده الرئيس فرنسوا هولاند في أغسطس (آب) 2013 ردا على هجمات كيميائية في الغوطة الشرقية أوقعت أكثر من 1400 قتيل. إلا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما عدل في اللحظة الأخيرة عن توجيه ضربات في سوريا، ما دفع فرنسا إلى التراجع بعد أن كانت ست طائرات من نوع رافال مسلحة مستعدة للإقلاع من قاعدة سان ديزييه في شرق البلاد. وهناك إمكانية أخرى: توجيه ضربات من فرقاطة مجهزة بصواريخ عابرة يصل مداها إلى مئات الكيلومترات، ما يتيح ضرب أهداف استراتيجية في العمق السوري مع البقاء في المياه الدولية.
وأوضحت قيادة الأركان الفرنسية أن «فرنسا تحتفظ بشكل دائم بفرقاطة في شرق المتوسط في إطار عملية شامال» في الشرق الأوسط، من دون أن تحدد نوع القطعة البحرية الموجودة حاليا قبالة الشواطئ السورية في شرق المتوسط.
وقال عسكري فرنسي رفيع الرتبة طالبا عدم الكشف عن اسمه، إنه مهما كان الخيار فإن «المجازفة الأساسية تبقى في حصول رد بصواريخ أرض جو»، في إشارة إلى أنظمة الدفاع المضادة للطيران والمضادة للصواريخ المنتشرة في سوريا. وتنشر موسكو في الأراضي السورية أنظمة دفاع جوي من نوع إس - 300 واس - 400 وعشرات الطائرات الحربية التي تشارك في الأعمال العسكرية دعما لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي فبراير (شباط) الماضي أسقطت طائرة عسكرية إسرائيلية من نوع إف - 16 بعد أن قصفت قاعدة عسكرية سورية. واتهم الروس والسوريون الاثنين إسرائيل بضرب القاعدة نفسها مرة أخرى، وأكدت موسكو من جهتها أن خمسة من الصواريخ الموجهة الثمانية التي استخدمت، دمرت قبل أن تصيب أهدافها.
يضيف الخبير برونو ترتري: «من الصعب تصور الاكتفاء بضربة محدودة تقضي بتدمير قاعدة جوية على سبيل المثال، كما أن أحدا لا يتصور أن فرنسا والولايات المتحدة ترغبان الدخول في عملية تذهب إلى حد إسقاط النظام. الضربة ستكون شيئا ما بين هذين الاحتمالين». واعتبر أن الضربات قد تستهدف «قواعد ومراكز قيادة، مع تجنب الوجودين الروسي والإيراني».
وكان قائد أركان الجيش الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف حذر في مارس (آذار) الماضي قائلا حسب ما نقل عنه موقع سبوتنيك الإخباري «في حال تعرضت أرواح جنودنا للخطر، فان القوات العسكرية الروسية ستتخذ إجراءات مضادة، أكان ضد الصواريخ نفسها أو ضد قواعد إطلاقها».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.