متزعم احتجاجات الحسيمة يستشهد بخطابات العاهل المغربي لتأكيد براءته

الزفزافي يفاجئ المحكمة بطلب السماح له بعرض شريط فيديو يظهر اقتحام قوات الأمن لمنزله

TT

متزعم احتجاجات الحسيمة يستشهد بخطابات العاهل المغربي لتأكيد براءته

طلب ناصر الزفزافي، متزعم احتجاجات الحسيمة (شمال المغرب)، من القاضي علي الطرشي، السماح له بعرض فيديوهات تصوّر تصرفات قوات الأمن مع المحتجين، خلال الأحداث التي عرفتها مدينة الحسيمة العام الماضي، والتي يحاكم بسببها مع 53 معتقلاً آخر من رفاقه بمحكمة الاستئناف في الدار البيضاء. وجادل بأن خطابات العاهل المغربي الملك محمد السادس تشكل «صك براءة» بالنسبة لمعتقلي الاحتجاجات.
وفاجأ الزفزافي، المحكمة، أول من أمس، بإعلان حيازته شريط فيديو حول طريقة اقتحام قوات الأمن لمنزله، وطلب من القاضي السماح له بعرض الشريط، ومقارنته مع ما جاء في محضر التفتيش. وأضاف أن الشريط يصوّر رجال الأمن، وهم يكسرون باب بيته، ويقتحمونه بوحشية، على حد قوله، مضيفاً أن الشريط يظهر أحدهم، وهو يركل والدته المصابة بالسرطان، ويسقطها أرضاً. وقال الزفزافي للقاضي إن هذا الشريط يكذّب ما جاء في المحضر من أن رجال الأمن طرقوا الباب، ففتح لهم شقيقه الأصغر، وأخبروه عن صفتهم وتعليمات الوكيل العام، وسألوا أخاه عنه فأجابهم بأنه فرّ عبر السطوح.
وقال الزفزافي للقاضي: «كما سمحتم لسلطة الاتهام بعرض ما تشاء من الفيديوهات، فنحن أيضاً نطالب المحكمة، في إطار المساواة بين الأطراف، أن تسمحوا لنا بدورنا أن نعرض ما لدينا من حجج».
واعترضت النيابة العامة على عرض الشريط، معتبرة أن الهدف منه هو تكذيب محضر التفتيش الذي يعتبر وثيقة رسمية أنجزها ضابط في الشرطة القضائية. والتمس ممثل النيابة العامة من القاضي استبعاد الشريط، مشيراً إلى أن عرضه غير مفيد بالنسبة للمحكمة، لأنها لا تنظر في قضية تتعلق بتزوير المحاضر. ونصح الوكيل العام، الزفزافي، أن يرفع بهذا الشأن شكاية بالتزوير لدى محكمة مختصة وأن يقدم لها دليله. كما رفضت النيابة العامة السماح للمتهمين ودفاعهم بعرض أي شريط أو دليل، مشيرة إلى أن الأشرطة التي تعرض خلال المحاكمة هي تلك الموجودة في ملف التحقيق في القضية المعد من طرف الشرطة القضائية وقاضي التحقيق، وأن النيابة العامة نفسها لم تقدم أي شريط فيديو.
واعتذر الزفزافي، الذي أعد مرافعة مكتوبة استغرق في قراءتها أمام المحكمة زهاء 4 ساعات، من القاضي، بسبب الإطالة. وقال: «لو أن النيابة العامة اختصرت التهم الموجهة إليَّ لاختصرت الرد عليها»، مشيراً إلى أنه يواجه ثماني جنح وجنايتين تصل عقوبتهما إلى الإعدام. وقال الزفزافي: «سمعنا بأننا نتابع من أجل أفعال جرمية، فإذا بنا نفاجأ بالقاضي يسألنا عن مواقفنا وآرائنا وتدويناتنا». وأضاف أن العاهل المغربي الملك محمد السادس عبّر في خطاب عيد الجلوس عن تفهمه للاحتجاجات، غير أن النيابة العامة لا تريد أن تتفهمها. وأكد أن المحتجين خرجوا في احتجاجات سلمية استمرت لمدة سبعة أشهر رفعوا خلالها مطالب اجتماعية واقتصادية. غير أن الحكومة اختارت المقاربة الأمنية بدل لغة الحوار، واختارت وضع المواطنين وجهاً لوجه مع قوات الأمن، ومن خلال الاعتقالات تسببت الحكومة في وضع القضاء في الموقف نفسه.
وقال الزفزافي إن الخطابات الثلاثة الأخيرة للعاهل المغربي، التي ألقاها بمناسبة عيد الجلوس وذكرى «المسيرة الخضراء» وافتتاح البرلمان، تشكل «صك براءة» بالنسبة لمعتقلي الاحتجاجات، وتعتبر جواباً على التهم الموجهة إليهم، مشيراً على الخصوص إلى انتقاد العاهل المغربي لقصور النموذج التنموي المتبع، إضافة إلى إقدام الملك محمد السادس على إقالة وزراء ومسؤولين كبار بسبب تعثر المشروع التنموي «منارة الحسيمة».
وقال إن خطاب الملك تفاعل مع الاحتجاجات عندما أشار إلى أن من حق المواطن أن يتساءل عن جدوى وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومات والمسؤولين، إذا كانوا هم في وادٍ والشعب وهمومه في وادٍ آخر. وأضاف الزفزافي أن خطاب الملك انتقد غياب دور المؤسسات وانشغال الأحزاب السياسية بتصفية حساباتها الضيقة عن خدمة الصالح العام. وقال: «إذا كان الملك نفسه غير راضٍ عن هذا الوضع الكارثي فلماذا نحاكم نحن اليوم؟»، مشيراً إلى أن ما فعله المحتجون هو تقديم الجواب لسؤال الملك «أين الثروة؟»، مضيفاً: «قلنا إنها في بطون الفاسدين وحساباتهم في سويسرا».
وقال الزفزافي: «خرجنا في مسيرات سلمية أبهرت العالم، وافتخر بها ممثل المغرب الدائم في الأمم المتحدة والناطق الرسمي باسم الحكومة. شارك فيها أطفال وكهول رجال ونساء ومرت بسلام دون تكسير كأس واحدة»، موضحاً أن المطالب التي حملها المحتجون تتعلق بالحق في الصحة والشغل والتعليم. غير أن أحزاب الغالبية الحكومية، يضيف الزفزافي، وصفت المحتجين بالانفصاليين في البيان الذي أصدرته بداية مايو (أيار) الماضي، قبل أن يدلي رئيس الحكومة فيما بعد بتصريحات تكذّب البيان. وأشار الزفزافي إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها من وصفهم بأنهم «يرتدون عباءة الدولة» إلى اتهام سكان منطقة الريف بالانفصال، مشيراً إلى ما فعله مسؤولو حزب الاستقلال في السنوات الأولى من استقلال المغرب عندما قمعوا احتجاجات الريفيين التي كانت تحمل 18 مطلباً اقتصادياً واجتماعياً، ووصفوهم بالانفصاليين. كما تحدث عن قمع الريفيين من طرف الجنرال محمد أوفقير في الستينات من القرن الماضي بتهمة الانفصال، قبل أن يتآمر ضد الملك الحسن الثاني بداية عقد السبعينات.
ودافع الزفزافي عن وطنية عبد الكريم الخطابي، مستشهداً بخطاب للملك الراحل محمد الخامس الذي أثنى فيه على الخطابي، ووصفه فيه بـ«القائد الوطني» الذي خدم وطنه وملكه.
وبخصوص علم الريف الذي رفعه المحتجون خلال المظاهرات، قال الزفزافي إنه رمز للمقاومة الريفية ضد المستعمر، وإنه ليس بديلاً للعلم الوطني المغربي. وأضاف: «كانت القبائل الريفية منقسمة ومتصارعة، وأراد عبد الكريم الخطابي أن يوحدها تحت راية واحدة في مواجهة الاستعمار الإسباني والفرنسي، فوضع ذلك العلم الذي يضم ست نجوم بعدد قبائل الريف». وقال الزفزافي: «من بين المشاريع التي وعدنا بها بعد زلزال 2004 إقامة متحف لحفظ الذاكرة التاريخية لمنطقة الريف. ولو أن هذا المشروع أنجز لما كنا اليوم نحاكم بسبب الافتخار بملاحم الريف ورموزه». واعتبر أنه من العار تقديم علم المقاومة الريفية وصور عبد الكريم الخطابي كمحجوزات في هذه المحاكمة.
وتواصل الاستماع إلى الزفزافي من طرف المحكمة زهاء ست ساعات خلال جلسة أول من أمس، واستمر الاستماع إليه أيضاً خلال جلسة أمس من طرف المحكمة التي يرتقب أن توجه إليه أسئلة حرجة منها على الخصوص تلك المتعلقة بتنسيقه وعلاقاته بمنتمين لحركة موجودة في هولندا تدعو إلى انفصال الريف عن المغرب، ويقودها البرلماني السابق سعيد شعو الذي يطالب القضاء المغربي باعتقاله وترحيله من هولندا بتهم بينها تكوين عصابة إجرامية. ويواجه الزفزافي، من جهته، تهماً عدة منها التآمر على أمن الدولة والوحدة الترابية للمغرب.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.