الفيصل: تثاءب العرب... واستيقظ الشغب وتداعت الأغراب

ملتقى {فكر} ينطلق بحضور محمد بن راشد وخالد الفيصل وأبو الغيط في دبي

أبو الغيط خلال إلقاء كلمته أمام {مؤتمر الفكر العربي} أمس (وام)
أبو الغيط خلال إلقاء كلمته أمام {مؤتمر الفكر العربي} أمس (وام)
TT

الفيصل: تثاءب العرب... واستيقظ الشغب وتداعت الأغراب

أبو الغيط خلال إلقاء كلمته أمام {مؤتمر الفكر العربي} أمس (وام)
أبو الغيط خلال إلقاء كلمته أمام {مؤتمر الفكر العربي} أمس (وام)

قال الأمير خالد الفيصل معلنا انطلاق أعمال مؤتمر «فكر» السنوي الذي تنظمه مؤسسة الفكر العربي بدورته السادسة عشرة في دبي تحت عنوان تداعيات الفوضى وتحديات صناعة الاستقرار: «تثاءب العرب، واستيقظ الشغب وتداعت الأغراب، واستفحل الإرهاب وتوارت الأمانة، واستعرت الخيانة وتوحش الزمان، واستسلم الإنسان، والعالم لامتلاك الدنيا يسابق الزمان، وعرب تحاول الاحتفاظ بوطن، هناك إبهار وهنا غبار، ليل هنا وهناك نهار، تشتت الفكر وتاهت الأبصار، وقتل العرب وهدمت الديار، وهجر الرجال والنساء والصغار، ولأجل ماذا كل هذا؟ لتحل فرس وروم وعار، وتعم فوضى ودمار، وتكون القدس (خيار)، ثم قيل... إنه الواقع العربي أيها الواقع العربي... أفق كفاك سبات وكفانا انتظار، ولن نقبل بعد اليوم (اعتذار)، فما زال لنا عقل وفكر وكفاح ومسار».
من جهته، قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «سعدت اليوم برفقة الأخ والصديق الأمير خالد الفيصل بحضور جانب من مؤتمر الفكر العربي في دورته الـ16 بدبي»، مضيفا أن «المؤتمر يناقش صناعة الاستقرار، والاستقرار صناعة وجهد وعمل مستمر وتنمية دائمة وتطور لا يتوقف، الاستقرار هو حركة دائمة لصنع الحياة، وهو بحث مستمر عن مستقبل أفضل لمجتمعاتنا». وتابع: «سعداء بهذا الجمع الكبير من المفكرين والقادة، ورسالتنا لهم توظيف علمهم ومعارفهم وجهودهم في تنمية مجتمعاتنا واستئناف حضارتنا العربية».
وأكد نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أن «التغيير يحتاج منا إلى توحيد جميع الجهود - كل في مجاله - بما يخدم مستقبل أمتنا ويعمل على تحقيق استقرار وازدهار مستدامين».
إلى ذلك، أشار أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى أن النظام العالمي يمر بحالة غير مسبوقة من السيولة والتنافس الذي يقترب من الصراع بين اللاعبين الرئيسيين، مشيراً إلى أنه تطور يؤدي إلى انعدام اليقين من التفاعلات والعلاقات الدولية كافة.
وقال أبو الغيط: «نحن نقترب من وضع تتآكل فيه قواعد قديمة من دون أن تظهر أخرى جديدة تحل محله وتهب فيه رياح الفوضى والاضطراب على الدول والمؤسسات الراسخة فتزعزع أركانها وتزلزل قواعدها وتصيب بنيانها بخلل شديد وبلادنا العربية ليست بعيدة عن هذه الرياح الخطرة، بل هي لأسباب كثيرة في عين العاصفة».
وحدد أبو الغيط خمس نقاط تمثل تحديات تفرض على العرب التفكير فيها والتعامل معها، وتتمثل النقطة الأولى في ردة فعل عنيفة إزاء ظاهرة العولمة من جانب قطاعات واسعة من مواطني الغرب، الذين يشعرون بأن حرية التجارة وتعزيز الترابط العالمي لم يصب في مصلحتهم، ومحصلة ذلك هي صعود لتيارات الانكفاء على الداخل، وبناء الجدران العالية أمام التجارة والمهاجرين وكل ما هو قادم من الخارج.
وتتمثل النقطة الثانية، وفقاً لأبو الغيط، في الوقوف على أعتاب ثورة تكنولوجية رابعة ضخمة سيكون من شأنها أن تغير كثيرا من القواعد الراسخة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، في حين تتجسد النقطة الثالثة، كما طرحها أبو الغيط في تقويض الثقة في المؤسسات القائمة السياسية منها والدينية والاجتماعية والثقافية، وركز في النقطة الرابعة على أهمية الانفتاح من قبل المؤسسات العربية، سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية، على تجارب الآخرين، والتعلم منها والتفاعل معها.
وشدد في النقطة الخامسة على «ضرورة إصلاح نظمنا التعليمية، وتجديد المفاهيم الدينية، وتطوير الرؤية الثقافية، وهي عناصر أساسية للعلاج الناجع لجرثومة الفوضى التي تتغذى على الركود والتكلس، فالإصلاح والتغيير مطلوبان من أجل صيانة الاستقرار».
من جهته، أشار البروفسور هنري العويط المدير العام لمؤسسة الفكر العربي إلى الظروف التي ينعقد فيها المؤتمر، حيث يقام في لحظة تاريخية عصيبة ومصيرية، التي لم تعرف مثيلا لها في الحدة والخطورة، منذ أمد بعيد.
وأكد اهتمام مؤسسة الفكر العربي في إطار رسالتها التنويرية والتنموية، بشؤون العالم العربي وشجونه، وبحاضر دوله ومواطنيه ومستقبلهم، لذلك رأت من واجبها التحذير من مغبة استفحال هذه الفوضى، وتفاقم هذه الأزمات، فقررت إخضاعها للدراسة والتحليل، بمنهجية علمية، ومقاربات موضوعية، وبمنتهى الصراحة والشفافية. وليس الغرض من عملية التشخيص هذه توجيه أصابع الاتهام والإدانة، بل هي منطلق للدعوة إلى وعي خطورة الأوضاع ومخاطرها، بهدف تحديد أفضل السبل لمواجهتها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».