«الأجندة الدوارة»... طوق نجاة إلكتروني لإنقاذ «الصحافي الكسول»

صفحة «قهوة الصحافيين» على «فيسبوك» وصل عدد مشتركيها إلى 33 ألفاً
صفحة «قهوة الصحافيين» على «فيسبوك» وصل عدد مشتركيها إلى 33 ألفاً
TT

«الأجندة الدوارة»... طوق نجاة إلكتروني لإنقاذ «الصحافي الكسول»

صفحة «قهوة الصحافيين» على «فيسبوك» وصل عدد مشتركيها إلى 33 ألفاً
صفحة «قهوة الصحافيين» على «فيسبوك» وصل عدد مشتركيها إلى 33 ألفاً

«الأجندة الدوارة» مصطلح ظهر أخيراً، يشير إلى مجموعات تبادل أرقام هواتف المصادر المعلوماتية بين الصحافيين. المجموعات منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«واتساب». أثارت «الأجندة الدوارة» الجدل بين الصحافيين والإعلاميين، بعضهم اعتبرها وسيلة لمساعدتهم في البحث عن المصادر، بينما قلل آخرون من قيمتها، وقالوا إنها تساعد الصحافي على «الكسل» وتقتل روح الإبداع والابتكار لديه.
أتاحت صفحة «قهوة الصحافيين» إمكانية الحصول على أرقام المصادر في مختلف المجالات، وذلك من خلال طلب رقم المصدر الذي يبحث عنه في تدوينة قصيرة على المجموعة، ليحصل على الرقم الذي يريده على الفور.
عن ذلك، يقول الصحافي جيلاني كساب، مسؤول العضوية والنشر بـ«قهوة الصحافيين»، إن «القهوة» إحدى أبرز المجموعات على «فيسبوك»، وتم إنشاؤها منذ ست سنوات، ووصل عدد أعضائها إلى 33 ألف صحافي، يتعاونون بشكل يومي لتبادل أرقام المصادر، ويمكن لأي صحافي يعمل في صحيفة أو موقع إلكتروني، أو طالب يدرس بإحدى كليات الإعلام، الانضمام للمجموعة، وطلب رقم المصدر الذي يريده، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن القهوة تقدم خدماتها مجاناً للأعضاء، إلى جانب تزويدهم بأخبار الفعاليات والمؤتمرات في جميع المجالات، كما تضم المجموعة في عضويتها صحافيين من «السعودية والإمارات وأذربيجان والبحرين والكويت وجنوب أفريقيا».
وقال إسماعيل الأشول، أحد الصحافيين المستفيدين من «قهوة الصحافيين» لـ«الشرق الأوسط»، إن الصفحة تساعد في أرشفة وتحديث أرقام المصادر الصحافية باستمرار، وتعميم المعرفة في أوساط الصحافيين دون احتكار، وذلك على عكس ما كان يجري في السابق؛ حيث أصبح بإمكان الصحافي الآن مهما قلت سنوات خبرته تكوين مصادر والوصول إليها بسهولة.
في المقابل، رصد محمد عبد الرحمن، رئيس تحرير موقع «إعلام دوت أورغ» أبرز الأخطاء التي ارتكبها المحررون على «قهوة الصحافيين»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «يقوم بعض المحررين بالكشف عن تفاصيل العمل الصحافي من دون داع، وذلك من خلال قيام بعض المحررين بشرح سبب حاجتهم لرقم المصدر، وذكر تفاصيل الموضوع الذي يقومون بإعداده، مما يؤثر على طبيعة مهنة الصحافة التي تقوم على التنافس والتعاون بين الزملاء، فضلاً عن وجود كثير من الأرقام دون ذكر اسم المصدر، والعشوائية في كتابة المسميات الوظيفية».
وأبدى طلعت إسماعيل، مدير تحرير صحيفة «الشروق» انزعاجه من ظاهرة «أجندة المصادر الدوارة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يقتصر دور الصحافيين على تبادل أرقام المصادر فقط، لكن يقوم بعضهم بدور (المستشار الخفي) لعدد من المصادر، لتعميم بياناتهم الصحافية على نطاق واسع، الأمر الذي يؤدي إلى تشابه المحتوى في غالبية وسائل الإعلام».
في السياق ذاته، يعلق الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، على هذه الظاهرة قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «أدت أجندة المصادر الدوارة إلى المساواة بين الصحافي المتميز والكسول الذي لا يعلم جدوى موضوعه أو مصادر موضوعه، فيحصل على المعلومات بطريقة سهلة بمعاونة زملائه، مما انعكس بدوره على نمطية وتشابه المطبوعات الصحافية، التي تتناول نفس المعالجات الصحافية بالمصادر نفسها، وهو ما أدى إلى قتل روح الإبداع والابتكار لدى الصحافيين، كما أن المصدر لن يبدع في مضمون المادة التي يقدمها حتى إذا كان متخصصاً فيها، وبالتالي يجب على الإعلاميين التفكير جيداً في نوعية المصادر المعلوماتية، التي تصلح للتغطية الإخبارية والاستقصائية والتحليلية».
أما الدكتور شريف درويش اللبان، أستاذ الصحافة ووكيل كلية الإعلام بجامعة القاهرة، فيقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك كثيرًا من المظاهر السلبية التي سببتها مجموعات تبادل المصادر، وهي أن بعض المصادر التي يتكرر ظهورها في الوسائل الإعلامية تقوم بتبديل مواقفها وفقاً للظروف السياسية في البلاد، كما أنه يجب على الصحافيين حماية خصوصية أرقام المصادر التي يتعاملون معها، من خلال عدم طرحها على المشاع بين أبناء المهنة في مجموعات تبادل أرقام المصادر».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.