«الإخوان»... عباءة الحركات المتطرفة

الجماعة شكلت مصدراً للقوى الأصولية طوال 9 عقود

انخرط «الإخوان» ومن لفَّ لفهم في أعمال عنف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي («الشرق الأوسط»)
انخرط «الإخوان» ومن لفَّ لفهم في أعمال عنف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي («الشرق الأوسط»)
TT

«الإخوان»... عباءة الحركات المتطرفة

انخرط «الإخوان» ومن لفَّ لفهم في أعمال عنف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي («الشرق الأوسط»)
انخرط «الإخوان» ومن لفَّ لفهم في أعمال عنف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي («الشرق الأوسط»)

«يمضى الزمن، تتغير الوجوه، أو تتغير ملامحها التي تواجهنا بها، تتغير اللهجة، وقد تتغير الآنية، لكن الشراب المرير يبقى كما هو، ذات الشراب المرير»... بهذه الكلمات المعبرة يستهل الراحل الكبير الدكتور رفعت السعيد الفصل الأخير من كتابه العمدة «تاريخ جماعة الإخوان... المسيرة والمصير»، ويتساءل في نهاية المشهد: «هل تلد الثعابين إلا مثلها؟ كلمات المفكر المصري الذي خصص جزءاً غالباً من وقته ودراساته الأكاديمية والبحثية لحالة الإخوان المسلمين في مصر تقطع بأن تلك الجماعة كانت ولا تزال الحاضنة التي فرَّخَت المزيد من الثعابين الأصولية والإرهابية حول العالم، وأن بواعث الفتنة آتية دوماً من تحت العباءة الإخوانية؛ فمهما تعددت الأسماء والمسميات، ومهما تنوعت التوجهات؛ فهي تأتي من تحت العباءة التي ألقتها جماعة الإخوان.
الشاهد أنه لكي نفهم الجذور التاريخية والمرجعيات الفكرية لكل الجماعات الأصولية، ناهيك بالمجموعات الإرهابية في العالمين العربي والإسلامي، فإنه لا بد من عودة إلى الخلفية التاريخية العامة التي انبعثت منها حركة الإحياء الإسلامي في السبعينات، وهي حركة ذات امتداد لأفكار وممارسات تنظيمية سابقة.
يقودنا الباحث في شؤون الحركات المتطرفة الدكتور رفعت سيد أحمد إلى فهم أصول الظاهرة، التي تبدأ من التنظير والتأطير الذي وضع لبناته حسن البنا، غير أن سيد قطب وعبر كتابه الشهير «معالم في الطريق» تمكن من وضع الوثيقة الأساسية لآيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، بل آيديولوجية مجمل الحركات المتطرفة خلال فترة السبعينات وعنده كذلك أن أفكار «الإخوان» كانت المنبع الأساسي للخوارج المحدثين، إذ يقول: «سيد قطب في (معالم على الطريق) يرى أن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة، وجيل قرآني، هو الحال لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت».
وهنا فإننا نلاحظ أن هذه العبارة ذاتها هي التي كان يصف بها خالد الإسلامبولي وزملاؤه أنور السادات، مستخدمين الألفاظ ذاتها تقريباً التي قالها سيد قطب، بما يعني أن تأثير ما قبل عام 1964 قد ترك صداه عام 1981 مروراً بحقبة السبعينات، وهو تأثير يفسِّر إلى حد بعيد بعضاً من أسباب حركة الإحياء في أكثر من دولة داخل العالم الإسلامي.
ولا يمكننا بحال من الأحوال القول إن ما أنتجته جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وفي العالم العربي، بل وفي دول آسيوية مسلمة، كان إحياء لصحيح الدين الإسلامي أو لروحه السمحة، بل إن ذلك الإحياء المزعوم كان يحمل معنيين بالغي الأهمية والخطورة:
الأول أن كل الحركات التي نادت بذلك التجديد هي في الأصل امتداد وتفرعات لأفكار جماعة الإخوان المصرية.
الثاني أن الذين نزعوا إلى العنف والإرهاب متمسحين في أهداب الثوب الإسلامي، كانوا يصرون على أنهم يسعون في طريق الإحياء الذي أسَّسَه البنا وجذّره سيد قطب.
ولعل الشبه بين ماضي البنا وحاضر جميع الجماعات الإرهابية المعاصرة مثير للتأمل، فمن جماعة التنظيمين السر الخاص لـ«الإخوان»، أي جهاز الاغتيالات الذي كان يقوم عليه عبد الرحمن السندي، مروراً بالتكفير والهجرة لشكري مصطفي، في سبعينات القرن الماضي، وصولاً إلى «قاعدة» أسامة بن لادن في التسعينات، و«داعش» أبو بكر البغدادي تجد بذور الإخوان الإرهابية في تكفير المسلم المخالف لرأيهم، أو حتى غير المنضم إلى جماعتهم، وغالبيتهم يكفِّرون الحاكم والمحكوم، وحتى لو كان المحكوم مكرهاً يُقتل، ثم يُبعث يوم القيامة على نيته.
استباح «الإخوان» ومن لفَّ لفَّهم دماء المسلمين، ولاحقاً أهل الذمة والمستأمنين، وفي الجزائر قتلوا نساء وأطفال مخالفيهم، وحتى بقروا بطون الحوامل لقتل الأجنة تماماً، كما فعل أسلافهم مع الصحابي الجليل عبد الله بن خباب وزوجته وجنينها. ومن تردي إخوان مصر عرف العالم وهدة سحيقة لجماعات إرهابية متطرفة تجاوزت كل حدود العقل.

عن {كتيبة الإمام البخاري» و{الإخوان}
أكثر من مبرَّر جعلنا نقلب في أوراق «الإخوان» الأيام الحالية، ليتبين لنا وبحق أنهم المعين والحاضنة الأكبر والأخطر لجميع صفوف الإرهابيين حول العالم، ولعل آخر تلك المناخس التي دفعتنا لكتابة هذه السطور ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأميركية من وضع ما يُعرف باسم «كتيبة الإمام البخاري» الأوزبكية على لوائح الإرهاب، وقد نشرت لها بعض المواقع العنكبوتية مقاطع فيديو لمعسكرات لتدريب الأطفال وتعليمهم كيفية التعامل مع الأسلحة وإطلاقها، خلال وجودهم على الأراضي السورية.
مؤسس الجماعة هو صلاح الدين الأوزبكي الذي اغتيل العام الماضي، ويبدو أنه قد شرب من كأس الإخوان حتى الثمالة؛ إذ بدأ مسيرته ضمن صفوف «القاعدة» في أفغانستان، وتم إرساله إلى سوريا من قبل طالبان وسراج الدين حقاني (أحد كبار حركة «طالبان» المرتبط بتنظيم القاعدة)، ولاحقاً انتهى به المطاف داعشياً في سوريا.
لم تتوقف الأعمال الإرهابية للكتيبة بوفاة مؤسسها صلاح الدين، إذ خلفه مباشرة المدعو أبو يوسف المهاجر الأوزبكي، الذي يقود الآن «كتيبة الإمام البخاري» في سوريا، والذي بات يمثل تجسيداً لفكر الإخوان المسلمين على الأرض في تلك الجمهورية السوفياتية سابقاً.
في الأيام الأخيرة من شهر فبراير (شباط) الماضي كان أبو يوسف يُصدر بياناً تعريفياً بجماعته عنوانه «مَن نحن»؟ وقارئ البيان له أن يجزم بالمطلق أن الجماعة تقوم على مرتكزات الإخوان المسلمين أنفسهم، وفي المقدمة من أهداف «الكتيبة» إسقاط نظام الأسد وإقامة حكم إسلامي في سوريا.
أما الهدف الثاني أكثر شمولاً على الصعيد الإقليمي، فهو سعي «الكتيبة» إلى تحرير المسلمين في آسيا الوسطي برمَّتها، ما يعني تصدير المشروع الجهادي إليها مستقبلاً.

«الإخوان» وإرهاب الداخل
«الإرهاب يبدأ فكراً»، هذه حقيقة تؤكدها مجريات أحداث الماضي في الداخل المصري بنوع خاص، ولاحقاً يكون الاستدلال على التوجه نحو الإرهاب المتأسلم مجرد نتيجة حتمية لفكر متأسلم، ولمعرفة جذور عمليات الإرهاب الحديثة وتفكير الحكم والمحكوم، يمكننا أن نعاود قراءة ما كتبه محمد عبد السلام أحد الذين خططوا ونَظَّروا لقتل الرئيس المصري السادات عام 1981، عبر الكتيب الذي سماه «الفريضة الغائبة»، والذي لم يكن إلا خداعاً متواصلاً للذات وللآخرين، وقد سبقه من انخدعوا ولاحقاً انساق إليه آخرون كثر. على سبيل المثال لا الحصر يمكننا الإشارة إلى عبد الله عزام الفلسطيني من مواليد قرية سيلة الحارثية في جنين، الذي يُعدّ المؤسس الرئيسي لـ«القاعدة» في أفغانستان.
لم يكن عبد الله عزام إلا أحد القيادات التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين، وقد بدأ انخراطه في صفوف الإخوان عام 1970، ثم عضواً متقدماً فقائداً في «كتائب المجاهدين»، وجاء غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان ليمثل بالنسبة إليه فرصة ذهبية لتأسيس مكتب مهمته استجلاب الشباب العربي لقتال السوفيات، ومن هنا وُلِد ما عُرِف لاحقاً بتنظيم القاعدة، مع ما جرَّته على العالم من وبال وإرهاب، تبدى في أسوأ وأبشع صورة نهار الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001 في نيويورك وواشنطن.
وبالعودة إلى ما قبل محمد عبد السلام نجد أنفسنا أمام ظاهرة أخرى بطلها شكري مصطفى صاحب رؤية التكفير والهجرة، وقاتِل الشيخ الذهبي وزير الأوقاف المصري السابق، ورؤيته تدور حول «المجتمع (الكافر) الذي لا بد من هجره، وأما من لا يستطيع الهجرة بعيداً عن أرض (الكفر)، وجب عليه أن يهاجر بنفسه عن المجتمع (الكافر)، فيترك مدرسته وعمله وأسرته ويهاجر إلى الجماعة ليقيم مع مجموعة من أعضائها، ولينشئوا مجتمعاً خاصاً بهم»، وقد عرفت جماعته بأياديها الملوثة بالدماء في سبعينات القرن الماضي، ولم يكن شكري مصطفى سوى نتاج لفكر سيد قطب فقد نهج نهجه ما جعل سلطات الأمن تلقى القبض عليه عام 1965 في محافظة أسيوط جنوب مصر، وهناك تشرب منابع التطرف من أفكار وكتابات سيد قطب.
ومن عبد الله عزام وقبله شكري مصطفى، لا يمكن لمن يرصد جذور الإرهاب الأعمى أن يغفل «الجماعة الإسلامية»... تلك التي روَّعت مصر والمصريين وقت اغتيال الرئيس السادات، وقد أذاق أعضاؤها أهالي محافظات جنوب مصر، لا سيما المنيا وأسيوط وسوهاج المرّ الكثير، ومؤسسها ورجلها المركزي هو عمر عبد الرحمن، الذي كان مقرباً من جماعة الإخوان المسلمين وعضواً فاعلاً في صفوفها إلى أن تم إلقاء القبض عليه عام 1970، وأدواره في مصر وفي الولايات المتحدة الأميركية معروفة للقاصي والداني.
وينتهي بنا المطاف مؤقتاً مع جماعة تطلق على نفسها «أنصار بيت المقدس»، وتدعي أنها تتخذ من سيناء موقعاً وموضعاً لها، وفي واقع الحال ومن خلال تفكيك آلياتها وتوجهاتها ضد قوات الجيش والشرطة، فإنها تسعى إلى إشاعة الفوضى والفساد والإرهاب، وهدفها إرجاع حكم الإخوان المسلمين في مصر، ومن يقوم بتحليل خطابهم الدعائي، يجد أنه نسخة مكرورة من خطابات «الإخوان» المليئة بالسمِّ الناقع.

«الإخوان» وإيران... الخطر الداهم
يعتبر الغرب الأوروبي والأميركي اليوم إيران الداعم الأكبر للإرهاب حول العالم، ما يستدعي التساؤل: هل من خطوط وخيوط متداخلة بين أعمال «الإخوان» وفكرهم، وبين الإيرانيين ورؤاهم العقائدية وعدائهم التاريخي للمسلمين العرب السنة تحديداً؟
في بحثه عن «التيارات العابرة للوطنية... الإخوان المسلمين وإيران»، يقدم لنا الكاتب والمؤلف والباحث الأستاذ عباس المرشد خلاصةً قيِّمة جداً تفيد بأن هناك «أواصر خفيه لا تنقطع» بين الطرفين.
ويرجع الأستاذ عباس علاقة الإخوان المسلمين بإيران إلى خمسينات القرن الماضي، وتحديداً من خلال زيارة مؤسس «فدائيان إسلام» نواب صفوي لمصر في 1954، ولقائه بزعماء الإخوان المسلمين، ومن ثم دعوته للإيرانيين للانخراط في تنظيم الإخوان، إذ يُنسب لصفوي نفسه أنه قال في حفل خطابي بدمشق (1954) «من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين».
وكانت فكرة «فدائيان» تتفق مع فكرة التنظيم السري للإخوان المسلمين، حيث وجود تنظيم سري شبيه بالتنظيمات العسكرية، توكَل إليه مهمات الاغتيال وبعض المهمات الخطيرة.
وأثمرت العلاقة بين «الإخوان» و«فدائيان إسلام» نمطاً خفيّاً من الارتباط، تمثل في إقدام رموز الحركة الإسلامية الشيعية في إيران على ترجمة ونشر أدبيات الإخوان المسلمين باللغة الفارسية، حيث تُرجِم «الإسلام ومشكلات الحضارة» وكتاب «المستقبل لهذا الدين».
لم تنقطع الصلات الإخوانية الإيرانية وإن مضت بها المقادير والعلاقة الخفية بين الجانبين سرّاً، ولعل هذا ما دعا مرشد «الإخوان» مهدي عاكف عام 2008، لأن يدافع عن مشروع إيران النووي، رافضاً الحديث عن مد شيعي، ومؤيد نفوذها في المنطقة، وقد قال عاكف وقتها ما نصه: «البرنامج النووي من حق إيران، حتى لو كان الهدف منه إنتاج قنبلة نووية، فهذا حقهم، فأميركا عندها قنبلة نووية، وكذلك إسرائيل وباكستان والهند، فلماذا إيران؟! أليس من حقها؟! فهي دولة ذات سيادة، ومن حقها أن تفعل أي شيء».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».