دعوات إلى تمحور الخدمات الصحية حول الناس بدلاً من الأمراض

تزامناً مع الاحتفالات بيوم الصحة العالمي

دعوات إلى تمحور الخدمات الصحية حول الناس بدلاً من الأمراض
TT

دعوات إلى تمحور الخدمات الصحية حول الناس بدلاً من الأمراض

دعوات إلى تمحور الخدمات الصحية حول الناس بدلاً من الأمراض

احتفل العالم أمس بيوم الصحة العالمي الذي يوافق السابع من شهر أبريل (نيسان) من كل عام تحت شعار «التغطية الصحية الشاملة»الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية.
ودعت المنظمة في بيانها الصادر بهذه المناسبة، زعماء العالم، إلى الوفاء بالتعهدات التي قطعوها عندما اتفقوا على أهداف التنمية المستدامة في عام 2015، والالتزام باتخاذ خطوات فعلية في سبيل تحسين صحة جميع الناس. ويعني ذلك ضمان قدرة كل الناس في كل مكان على الحصول على الخدمات الصحية الأساسية الجيدة دون مواجهة صعوبات مالية. وقد أثبتت التجربة مراراً وتكراراً أن التغطية الصحية الشاملة تتحقق عندما تكون الإرادة السياسية قوية.
وأضاف البيان أن «الصحة للجميع كانت الرؤية التي استرشدنا بها على مدى عقود. وهي أيضاً الزخم الدافع للتوجه الحالي للمنظمة بأكملها إلى دعم البلدان في التقدم صوب تحقيق التغطية الصحية الشاملة».
وأشار البيان إلى أن التغطية الشاملة تشمل 7 نقاط هي:
• ضمان أن جميع الناس يمكنهم الحصول على الخدمات الصحية الجيدة، حيثما يحتاجون إليها وكلما يحتاجون إليها، دون مواجهة صعوبات مالية.
• ينبغي ألا يضطر أحد إلى الاختيار بين التمتع بالصحة وضروريات الحياة الأخرى.
• تكتسي التغطية الصحية الشاملة أهمية بالغة لصحة الناس والشعوب وعافيتهما.
• التغطية الصحية الشاملة ممكنة التنفيذ. وقد أحرزت بعض البلدان تقدماً كبيراً في هذا الصدد. والتحدي الذي تواجهه هو الحفاظ على التغطية لترقى إلى مستوى توقعات الناس.
• ستسعى البلدان إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة بطرق مختلفة، فليس هناك نهج واحد يناسب الجميع. ومع ذلك فكل بلد يمكنه أن يسهم في التقدم صوب تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
• يتطلب جعل الخدمات الصحية شاملة للجميع بالفعل التحول من تصميم النظم الصحية التي تتمحور حول الأمراض والمؤسسات، إلى الخدمات الصحية المصممة لتتمحور حول الناس.
• يمكن لكل شخص أن يؤدي دوراً في السعي إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة بالمشاركة في إحدى المحادثات حولها.
وتجدر الإشارة إلى أن نصف سكان العالم على الأقل يفترقون إلى إمكانية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. كما أن ما يقرب من 100 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، ويضطرون إلى العيش على 1.90 دولار أميركي أو أقل في اليوم، لأنهم مضطرون إلى سداد تكلفة الخدمات الصحية من جيوبهم الخاصة.
كما كشفت الإحصائيات أن ما يقرب من 800 مليون شخص (12 في المائة تقريباً من سكان العالم) ينفقون 10 في المائة على الأقل من ميزانيات أسرهم على المصروفات الصحية الخاصة بهم أو بطفلهم المريض أو بأحد أفراد الأسرة الآخرين. ويتكبدون ما يسمى بـ«النفقات الكارثية».
وتبين طبقاً لبيان منظمة الصحة العالمية أن تكبد النفقات الكارثية للحصول على الرعاية الصحية يشكل مشكلة عالمية. وفي البلدان الغنية الواقعة في أوروبا وأميركا اللاتينية وأجزاء من آسيا، التي حققت مستويات مرتفعة من إتاحة الخدمات الصحية، يتزايد عدد الأشخاص الذين ينفقون 10 في المائة على الأقل من ميزانيات أسرهم على المصروفات الصحية المباشرة.
ويعود الاحتفال بيوم الصحة العالمي إلى عام 1948 عندما دعت جمعية الصحة العالمية الأولى إلى تكريس «يوم عالمي للصحة» لإحياء ذكرى تأسيس منظمة الصحة العالمية. ومنذ عام 1950، جرى الاحتفال سنوياً بيوم الصحة العالمي في السابع من أبريل.
ويتم، كل عام، اختيار موضوع ليوم الصحة العالمي لتركيز على مجال من المجالات التي تثير القلق وتحظى بالأولية في سلّم منظمة الصحة العالمية. وذلك اليوم هو أيضاً مناسبة لاستهلال برنامج دعوي طويل الأجل يتم في إطاره الاضطلاع بشتى الأنشطة وتخصيص موارد لفترة لا تقتصر على يوم 7 أبريل، بل تتجاوزه. أما دستور المنظمة فقد صدر في مايو (أيار) عام 1984 عندما صادقت 26 دولة من الدول الأعضاء الإحدى والستين بالموافقة عليه فيما بعد عقدت الجمعية العمومية الأولى للصحة العالمية في جنيف بحضور مندوبين من 53 دولة أصبحوا أعضاء في المنظمة.

يوم الصحة العالمي يصل خجولاً إلى لبنان

وصل يوم الصحة العالمي، الذي يحتفل به العالم في السابع من شهر أبريل (نيسان) من كل عام، لبنان هذه السنة خجولاً، في غياب أي نشاطات تذكر عنه. فلا وزارة الصحة من ناحية، ولا مكتب المنظمة الموجود فيها، نظما أي حدث، فقد اكتفت الجهتان عندما اتصلنا بهما بالتمسك بالبيان الرسمي الصادر عن منظمة الصحة العالمية، وشعاره: «الصحة للجميع».
وقد تردد أن موسم الانتخابات النيابية في بلاد الأرز، التي هي على موعد معه في 6 مايو (أيار) المقبل، ساهم في عدم احتفال وزارة الصحة بهذه المناسبة، فيما أشار مكتب المنظمة إلى أنه سيمر كغيره من الأيام مع فارق صغير، ألا وهو نشر بيان رسمي صادر عن المنظمة، يشرح الوضع الصحي إقليمياً، وفي منطقة الشرق الأوسط بالتحديد، ويحمل عنوان: «التغطية الصحية الشاملة للجميع وفي كل مكان». وبحسب هذا البيان، فإن تحقيق هذا العنوان يحول دون وقوع الناس في براثن الفقر، في ظل تسديدهم تكاليف الرعاية الصحية. كما أشار إلى أن غياب التغطية الصحية الشاملة يؤثر سلباً على ملايين الأشخاص والمجتمعات، وعلى رفاهيتهم في جميع أنحاء العالم.
وفي منطقة الشرق الأوسط، يمثل الإنفاق الشخصي المباشر 40 في المائة من الإنفاق الصحي العام. كما أن أكثر الناس تضرراً هم أصحاب الدخل المحدود والمنخفض والمحرومين من الرعاية الاجتماعية. كما يواجه 55.5 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم ضائقة مالية نتيجة لما يدفعونه من مالهم الخاص على صحتهم. وتبلغ المدفوعات الشخصية على الخدمات الصحية أكثر من 70 في المائة من إجمالي الإنفاق الوطني على الصحة في بعض بلدان الإقليم.
ويذكّر البيان الخاص بيوم الصحة العالمي البلدان بالالتزامات التي قطعتها على نفسها عندما اعتمدت أهداف التنمية المستدامة، واتخاذ خطوات ملموسة للنهوض بجدول أعمال صحة للجميع. وكان مكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي في مصر قد أقام في 4 أبريل الحالي، وفي إطار احتفالات إقليم الشرق الأوسط، حلقة نقاش حول التغطية الصحية الشاملة، مركزة على الفئات السكانية الضعيفة واللاجئين، وتم التأكيد خلالها على أهمية الشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
أما بالنسبة للبنان، فقد بينت الحسابات الوطنية للصحة لعام 1998 أن نسبة الإنفاق الصحي العام كانت نحو 12.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وأن 60 في المائة من هذا الإنفاق كان يدفع مباشرة من المواطنين. ومما لا شك فيه أن تركيز التمويل على العلاج وضعف الوقاية والرعاية الصحية الأولية آنذاك ساهما في زيادة استهلاك العلاجات المكلفة. ولكن مع نجاح الوزارة في خفض الإنفاق ليصبح 8.5 في المائة من الناتج المحلي، وخفض نسبة المساهمة المباشرة للأسر إلى 44 في المائة من إجمالي الإنفاق، فإن ذلك يؤكد على صوابية استراتيجيتها المرتكزة على الرعاية الصحية الأولية، خصوصاً أن ترشيد الإنفاق قد ترافق مع زيادة في حجم وجودة الخدمات، ومع تحسن ملحوظ للمؤشرات الصحية.
غير أن مساهمة الأسر ما زالت مرتفعة، وتستوجب المثابرة في الاستراتيجية المتبعة، وتحقيق تغطية صحية شاملة. وبما أن الوزارة تغطي الاستشفاء والعلاجات المكلفة دون الخدمات الخارجية، فلا بد من تطوير خدمات الرعاية الصحية الأولية وضمان جودتها، لتشكل بديلاً مقبولاً للخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، من معاينات وأدوية وفحوصات.
هذا الأمر يستوجب توسيع وتعزيز شبكة المراكز، واعتماد نظام تأمين يسهل إيصال الخدمات إلى جميع المواطنين، خصوصاً الفئات المستضعفة. ولا بد من الإشارة إلى أن تعزيز شبكة مراكز الرعاية الصحية الأولية، وربطها بالمستشفيات الحكومية وفق نظام إحالة، يعتبر ركيزة أساسية للاستراتيجية الوطنية. وتشمل هذه الشبكة تدريجياً كامل المناطق اللبنانية، مستعينة من أجل ذلك بنظام المعلومات الجغرافي (GIS) الذي يبين مجموعات القرى التي ما زالت بحاجة للتغطية.
وتستوجب التغطية الشاملة بدايةً اعتماد نظام تأمين يكون بمتناول جميع المواطنين، ويعزز ارتباطهم بنظام الرعاية الصحية الأولية، ويؤمن لهم الخدمات الوقائية والكشف المبكر للأمراض للبدء بعلاجها قبل تفاقمها، مما ينعكس إيجاباً صحياً ومالياً على الأسر والصحة العامة وإنفاق الدولة.
وكان وزير الصحة في لبنان، غسان حاصباني، قد لفت أخيراً إلى أن الموازنة العامة لم تعط وزارته إضافة مالية لزيادة مخصصات المستشفيات والسقوف المالية، وأشار إلى آلية جديدة ستتبعها وزارته للاعتماد على تحديد هذه السقوف، فيما كانت تخضع سابقاً لبازارات معيّنة وضغوطات سياسية، موضحاً أنه تم الأخذ في الاعتبار عدد الأسرة في كل مستشفى والتوزيع السكاني في المنطقة.
وقد وضعت كل هذه الدراسات في معادلة، وتبيّن أن المطلوب مائة مليار ليرة إضافية لتغطية حاجات المستشفيات، وأكد أنه تم عرض الآلية على مجلس الوزراء لكنها لم تُطرح على طاولة المجلس بعد. وقال حاصباني إن وزارة الصحة تطرح حلاً يقوم على التغطية الصحية الشاملة، من خلال مساهمة بسيطة من اللبنانيين لا تتعدى الـ40 دولاراً سنوياً، موضحاً أن الاقتراح مرّ في لجنة الإدارة والعدل، والآن يدرس في لجنة المال والموازنة.

إشادة دولية بـ«التأمين»… ومبادرات حكومية لرصد الأمراض

مع الاحتفال بيوم الصحة العالمي، الذي يوافق 7 أبريل (نيسان) سنوياً، تعمل مصر على إقرار قانون «التأمين الصحي الشامل» الذي تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب (البرلمان)، وبدأت الاستعدادات رسمية لتطبيقه التجريبي.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 50 مليون مواطن مصري تقريباً هم فقط المستفيدون بالاشتراك في منظومة التأمين الصحي القائمة بشقيها الحكومي والخاص، بينما تظل بقية السكان البالغ إجمالي تعدادهم 104 ملايين شخص خارج تلك المظلة الصحية المهمة.
وبينما يأتي موضوع يوم الصحة العالمي لهذا العام حول «التغطية الصحية الشاملة: للجميع وفي كل مكان» تحت شعار «الصحة للجميع»، نظم المكتب الإقليمي لشرق المتوسط للمنظمة في القاهرة احتفالية «يوم الصحة العالمي 2018»، وحلقة نقاشية إعلامية حول التغطية الصحية الشاملة، بمشاركة قيادات من وزارتي الصحة والسكان والمالية المصريتين، وعدد من سفراء الدول الأجنبية لدى مصر، إضافة إلى عدد من الأكاديميين وأساتذة الجامعات.
وخلال الاحتفالية، أشادت منظمة الصحة العالمية بقانون التأمين الصحي الشامل في مصر، مؤكدة أن معظم الدول اتجهت إلى تحقيق التأمين الصحي الشامل لكل الأشخاص، لأنه حق أساسي من حقوقهم الأساسية.
من جانبه، قال الدكتور جواد المحجور، مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط بالإنابة، في كلمته، إن «مصر تقدم نظاماً جديداً للرعاية الصحية، ونحن في هذا المجال نحيي مصر»، موضحاً أن «التغطية الصحية الشاملة تعني أنه ينبغي أن يحصل كل فرد على الخدمات الصحية الجيدة التي يحتاج إليها متى وأينما يحتاج إليها دون أن يعاني من ضائقة مالية».
فيما أكد الدكتور محمد معيط، نائب وزير المالية، خلال الحلقة النقاشية، أن الحكومة المصرية لديها إصرار لتخصيص «كل الموارد المالية اللازمة لدعم الصحة للجميع».
وأوضح نائب وزير المالية أن مصر بدأت التأمين الصحي عام 1964، قائلاً: «لكن للأسف الشديد لم يستطع التأمين الصحي أن يحقق كل أهدافه، ولم يستطع إرضاء المواطن المصري، لأن لدينا نسبة مواليد مرتفعة، ولتحقيق النظام الصحي الشامل يجب إصلاح شامل للقطاع الصحي في مصر».
ومع التوجه نحو القانون الجديد يتم تأهيل المحافظات تباعاً لاستقبال المنظومة الجديدة، «من خلال تطوير ورفع كفاءة المستشفيات الموجودة، وإنشاء مستشفيات ووحدات صحية جديدة وتجهيزها بأحدث التجهيزات الصحية ودعمها بأطباء في جميع التخصصات، لتقديم خدمة طبية على أعلى مستوى تليق بالمرضى»، وفقاً للجنة القومية لإعداد قانون التأمين الصحي الشامل.
وقال نائب وزير المالية إنه سيتم تخصيص جميع الموارد المالية لتنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل، مؤكداً أن القانون استطاع المزج بين أكثر من مصدر تمويل ما بين اشتراكات مواطنين وتمويل من الخزانة العامة للدولة، إلى جانب حزمة من الضرائب المخصصة لهذا الشأن، فتم تخصيص ربع في الألف من كل جنيه أياً كان نوعه في مصر، بالإضافة للضرائب على السجائر ورسوم المرور بالطرق السريعة.
إلى ذلك، دأبت مصر خلال الأشهر الماضية إلى تأكيد جهودها للقضاء على عدد من الأمراض التي تعاني منها البلاد.
وبحسب شادية ثابت، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، فإن موازنة قطاع الصحة طبقاً لقانون التأمين الصحي الجديد سيتم إنفاقها كاملاً على غير القادرين، معلقة: «33 مليون مواطن هم غير القادرين لن يدفعوا أي رسوم مقابل حصولهم على العلاج».
ومن جانبها، تكثف الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الصحة حملاتها للقضاء على عدد من الأمراض المنتشرة بالبلاد.
وأطلق الرئيس المصري مبادرة للقضاء على فيروس «سي» والأمراض غير المعدية «السكري، والضغط، والسمنة» بحلول عام 2020، حيث أطلقت الحملة في 13 فبراير (شباط) الماضي. وهي حملة تعد الأكبر من نوعها للمسح الطبي الشامل للأمراض غير المعدية، من خلال 87 نقطة تمركز طبية على مستوى المحافظات، بالإضافة إلى 180 مركز طب أسرة أخرى لضمان الوصول إلى المستهدفين.
وأوضح الدكتور خالد مجاهد، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أنه ضمن المبادرة تم الانتهاء من فحص 555 ألف مواطن خلال المبادرة حتى الآن.
ومن قبلها، أعلنت وزارة الصحة والسكان، وضع خطة استراتيجية للقضاء على مرض «الدرن» في مصر بحلول عام 2030 تهدف إلى خفض نسبة حدوث الدرن بنسبة 20 في المائة لتصل إلى 12 حالة أو أقل لكل 100 ألف من السكان في عام 2020 بدلاً من 15، طبقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2015.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».