قصر قرطاج ومعركة إطفاء الحرائق

تونس بعد 62 سنة من استقلالها عن فرنسا

قصر قرطاج ومعركة إطفاء الحرائق
TT

قصر قرطاج ومعركة إطفاء الحرائق

قصر قرطاج ومعركة إطفاء الحرائق

تعقد التجاذب السياسي مجدداً في تونس بين أنصار المسار الانتخابي والداعين إلى تأجيله أو إيقافه بحجة التخوف من أن يؤدي إلى فوز ساحق لمرشحي التيارات المحسوبة على «الإسلام السياسي»، على غرار ما جرى في الجزائر قبل نحو 30 سنة ثم في بلدان عربية كثيرة. ولقد تأزم المشهد الأمني والسياسي والاجتماعي مجدداً وتعاقبت الحرائق والاضطرابات في مؤسسات التعليم في الذكرى 62 لإعلان الاستقلال عن فرنسا، رغم رهانات الدولة منذ الزعيم الاستقلالي الحبيب بورقيبة على خيارات تعميم التعليم ورصد ثلث ميزانية الدولة لقطاع التربية.
ولكن، رغم مناخ الأزمة السياسية والاجتماعية، انتظمت في قصر قرطاج الرئاسي، وفي عدة مدن، بطلب من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ومساعديه، احتفالات خاصة بذكرى الاستقلال. وتزايد الاهتمام الشعبي بهذه الاحتفالات بسبب الزوبعة التي انفجرت في المواقع الاجتماعية ووسائل الإعلام رداً على الانتقادات غير المسبوقة التي وجهتها سهام بن سدرين، الناشطة الحقوقية اليسارية، ورئيسة هيئة الكشف عن تجاوزات الدولة في العقود الماضية لبورقيبة ولوثيقة الاستقلال، انطلاقاً من وثائق قالت إنها سرية وحصلت عليها بطريقتها الخاصة في فرنسا. وبعدما رد 60 مؤرخاً جامعياً تونسياً على بن سدرين، استقبل الرئيس التونسي بعضهم فازداد تعاطف بعض نشطاء «فيسبوك» معها.
السؤال الكبير يظل في تونس بعد 6 عقود من المد والجزر: هل سينجح النموذج التنموي والسياسي التحديثي الذي وضع أسسه الزعيم الاستقلالي الحبيب بورقيبة، ويدافع عنه اليوم «تلميذه» الباجي قائد السبسي... أم تنهار تونس مثلما انهارت دول عربية أخرى بسبب تراكم مشكلاتها وأزماتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية؟
واستطراداً، هل ينجح قائد السبسي، وريث بورقيبة في قصر قرطاج، في إطفاء الحرائق التي تندلع في البلد على أكثر من جبهة منذ سنوات... أم تعصف شظايا تلك الحرائق مجدداً بمؤسسات الدولة والمجتمع، مثلما أحرق الرومان قرطاج (قرطاجة) البونيقية عام 146 قبل الميلاد... وقضوا نهائياً على إمبراطوريتها وحضارتها ومجدها؟
وزير التربية التونسي حاتم بن سالم أعلن بمناسبة تفقده مؤسسات تعليم شملتها الحرائق وإضرابات نقابات الأساتذة في محافظة القصرين، بالقرب من الحدود الجزائرية، أن مجلس الوزراء قرر تطبيق القانون بحزم مع النقابات دفاعاً عن مصالح ملايين الطلاب وعن البلاد وعن هيبة الدولة، بما في ذلك عبر قطع رواتب رجال التعليم المضربين ومحاكمة المتهمين في جرائم حرق عدد من مبيتات الطالبات في عدة مدن.

إضرابات وحرائق
في الوقت نفسه، عادت قيادات بعض النقابات التي نجحت في إسقاط عدد من الوزراء والحكومات خلال الأعوام الماضية إلى تصعيد لهجتها والقيام بتحركات للمطالبة بتعديل جديد في تركيبة الحكومة. ولقد اعترض رئيس الحكومة يوسف الشاهد وعدد من الوزراء وقيادات الأحزاب الكبرى على هذه الدعوات، وأكدوا حاجة البلاد إلى الاستقرار. كذلك أكد الخطاب المطوّل الذي توجه به الرئيس الباجي قائد السبسي إلى الشعب في ذكرى الاستقلال على حاجة البلاد إلى «إطفاء نيران الاضطرابات»، وإلى إنجاح النموذج السياسي الديمقراطي التعددي التونسي عبر تدارك الخسائر التي لحقت بالاقتصاد التونسي بفعل الإضرابات والعمليات الإرهابية، وتضخم حجم الأجور في ميزانية الدولة، واستفحال الديون التي تطورت من 40 إلى 70 في المائة من الناتج الوطني خلال الأعوام السبعة الماضية. ويعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين، مثل الصادق جبنون، أن إشعال فتيل الإضرابات بصفة مسترسلة أربك اقتصاد البلاد وأضر بمصالح ملايين العائلات. غير أن الخطب النارية لبعض النقابيين والمعارضين اليساريين لا تزال تدفع الشباب العاطل عن العمل والفقراء نحو مزيد من الاحتجاجات.

إيقاف المسار الانتخابي
رضا الشكندالي، الخبير المدير العام السابق لمؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، حذر من جانبه من الصبغة الكارثية للاضطرابات الاجتماعية، وغياب الاستقرار الحكومي، والقرارات السياسية التي تؤثر سلباً في أجواء الانتخابات وفي مناخ الاستثمار والإنتاج وتعمق أزمة الثقة في السياسيين وفي صناع القرار وفي المؤمنين بالإصلاح السياسي وإمكانية تكريس المصالحة بين الثقافات الشرقية والديمقراطية. كما اعتبر المحامي والناشط السياسي عماد بن حليمة، أن الحكومة مطالبة بتطبيق القوانين بحزم، ويحق لها اقتطاع رواتب المضربين عن العمل والمتسببين في خسائر للمجتمع والبلاد. أما سفيان طوبال، رئيس كتلة الحزب الحاكم في البرلمان، وزياد العذاري وزير التنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والأمين العام لحزب «النهضة»، فانتقدا التحركات الجديدة التي تهدف إلى إسقاط الحكومة أو إيقاف المسار الانتخابي، ودفع مزيد من الشباب نحو الاعتصامات والاضطرابات، بحجة ارتفاع عدد العاطلين عن العمل من نحو 13 في المائة قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 إلى نحو 16 في المائة حالياً. أيضاً، أكد الوزير اليساري سمير الطيب وعدد من زعماء الأحزاب المشاركة في حكومة «الوحدة الوطنية» حاجة البلاد إلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وإيقاف نزيف الاضطرابات الاجتماعية التي تسببت - حسب خطاب الرئيس التونسي قائد السبسي - في خسائر بالمليارات في قطاعات الفوسفات والمحروقات والسياحة والاستثمار والتصدير.

المسكوت عنه
إلا أن أخطر ما في تصعيد الاضطرابات النقابية والتحركات الاجتماعية السياسية، حسب عدد من الخبراء والسياسيين، مثل محمد عبو زعيم حركة التيار الديمقراطي في البرلمان، وجود مساعٍ من قبل عدة أطراف لإيقاف المسار الانتخابي الذي بدأ قبل أسابيع، ومن المقرر أن يؤدي إلى تنظيم انتخابات بلدية عامة يوم 6 مايو (أيار) المقبل. وتخشى أطراف كثيرة راهناً من أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير المشهد السياسي واختفاء الغالبية الساحقة من الأحزاب الصغيرة التي تجاوز عددها 200 منذ الإطاحة بحكم الرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011. أيضاً لا يخفي كثير من الساسة تخوفهم من أن تؤثر نتائج هذه الانتخابات في التحضيرات للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة لعام 2019، من حيث تكريس حزبين كبيرين أو 3 لا غير. وحقاً، صدرت دعوات إلى رئيس الجمهورية بإيقاف هذه الانتخابات أو إلغائها عن عدد من السياسيين البارزين، مثل أحمد نجيب الشابي، زعيم الحزب الجمهوري سابقاً وزعيم المعارضة القانونية قبل 2011. واعتبر البرلماني السابق محمود البارودي أن «المسكوت عنه» بالنسبة لدعاة تأجيل الانتخابات أو إلغائها «تجنب تكرار سيناريو انتخابات 1990 في الجزائر»، عندما تسبب الفوز الساحق لمرشحي تيار ما تسمى جماعات «الإسلام السياسي» إلى منعرج عسكري أمني خطير وإلى وقف كامل للتجربة الديمقراطية والتعددية.

«الخطر الداهم»
من ناحية ثانية، تعالت الأصوات في صفوف المركزية النقابية والبرلمانيين والسياسيين لمطالبة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي باستخدام صلاحياته الدستورية لاعتبار البلاد في وضع خطير جداً، ما يستوجب تعطيل المسار الانتخابي وإحالة صلاحيات الحكومة والبرلمان إلى رئاسة الجمهورية. كذلك طالب عدد من السياسيين مثل الوزير السابق محسن مرزوق زعيم حزب «مشروع تونس»، وياسين إبراهيم زعيم حزب «آفاق»، الرئيس التونسي، بتعديل النظام السياسي الحالي عبر التقدم بمشروع لتعديل الدستور يعطي صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية وينهي الأزمات المتعاقبة بين البرلمان والمؤسسات التنفيذية للدولة. ويحتج هؤلاء بتعاقب الاضطرابات الاجتماعية في مناطق إنتاج الفوسفات والمحروقات والتجاوزات للسلطة من قبل نقابات مهنية في كامل البلاد، وخصوصاً نقابات الأساتذة والأطباء الشبان وبعض نقابات الأمن التي هاجم أنصارها إحدى المحاكم في العاصمة تونس وأفرجوا عن رجال أمن موقوفين بقوة السلاح.
ومن جانب آخر، يحتج آخرون باستفحال المؤشرات المالية وطنياً، وخصوصاً تدهور قيمة الدينار التونسي، والتراجع الذي يسجل لأول مرة منذ 30 سنة في احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية، إذ بلغ نحو 77 يوماً فقط مقابل معدل يحوم حول 120 يوماً عادة. ولكن هل ترتقي كل هذه الصعوبات والمشكلات إلى درجة الكلام عن خطر داهم، وفق ما ينص عليه الدستور الذي يبيح لرئيس الجمهورية بسببه إعلان «حالة طوارئ»، ومعها أيضاً إجراءات استثنائية جداً من بينها إيقاف المسار الانتخابي؟

... تضخيم
في اتجاه موازٍ، ردّ برلمانيون وسياسيون من الائتلاف الحاكم مطالب دعاة تعطيل المسارين الانتخابي والسياسي، واتهموا أصحابها بتضخيم حجم الأزمات المالية والاجتماعية والأمنية التي تمر بها البلاد «لأهداف انقلابية»، وبسبب انعدام ثقتهم في النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع. وفي هذا السياق، أصدر زعيم الحزب الحاكم حافظ قائد السبسي بياناً رداً على تلك الحملات أعلن فيه تمسك حزبه بالمسار الانتخابي وتوقع فوز حزبه بالمرتبة الأولى فيها. وصدرت مواقف مماثلة من قيادات أحزاب «النهضة» والمسار والتيار الديمقراطي والحراك.
بل إن قيادات الأحزاب التي تصنّف ضمن مجموعات أقصى اليسار، أي أحزاب «الجبهة الشعبية» بزعامة حمه الهمامي رئيس الحزب العمالي الشيوعي، انخرطت بدورها في المسار الانتخابي وقدّمت مرشحين لها في أكثر من 140 بلدية، أي في نحو نصف عدد البلديات التي يجري التنافس فيها. وكشف استفحال الصدام السياسي بين الأطراف المؤثرة في الأحزاب والنقابات من جهة، وفي الحكومة والمعارضة من جهة أخرى، تعمق الهوة بين الفاعلين الكبار في القرار السياسي والاقتصادي والأمني التونسي. واستفحلت الأزمة عندما ساند سمير ماجول، الرئيس الجديد لاتحاد نقابة رجال الأعمال، المطالبين بتغيير جديد في تركيبة الحكومة بزعامة نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد نقابات العمال، ومحسن مرزوق زعيم حزب «مشروع تونس» وصاحب ثالث كتلة في البرلمان. لكن قيادات الأحزاب الرئيسية المشاركة في حكومة «الوحدة الوطنية»، مثل الوزير السابق للعدل نور الدين البحيري، تعترض على خيار توريط البلاد في إضاعة الوقت في مزيد من التعديلات الحكومية والدستورية والقانونية.

قرطاج وإطفاء الحرائق
وهكذا، مرة أخرى تجد النخب السياسية والثقافية نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى قصر الرئاسة في قرطاج وإلى السلطة المعنوية للأب الروحي. ولقد كان موكب إحياء الذكرى السنوية 62 لاستقلال تونس في قصر قرطاج مناسبة نجح خلالها الرئيس الباجي قائد السبسي في أن يجمع حوله زعماء وممثلون عن كل الأطراف السياسية المشاركة في الحكم أو المعارضة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن وزراء حكومات الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي... إلى حكومات ما بعد ثورة يناير 2011.
وبالفعل، جمع الحدث الرئيس السبسي، مدير الأمن ثم وزير الداخلية والدفاع والخارجية في عهد الحبيب بورقيبة، ورئيس أول برلمان في عهد بن علي الهادي البكوش الأمين العام للحزب الحاكم في عهد بورقيبة وبن علي وأول رئيس حكومة في عهد بن علي، والرئيس الأسبق لتونس فؤاد المبزع ومعارضيهم السابقين الذين وصلوا إلى سدة الحكم مثل علي العريّض رئيس الحكومة عام 2013 وزعامات التيارات الدستورية الليبرالية واليسارية والقومية العروبية والإسلامية.
كذلك جمعت القاعة ذاتها زعامات النقابات والمعارضة التي صعدت انتقاداتها للحكم ولوثيقة قرطاج التي وقعتها أبرز الأحزاب والنقابات في سبتمبر (أيلول) 2016، ما أدى إلى تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» الحالية برئاسة يوسف الشاهد بمشاركة ممثلين عن نحو 10 أحزاب ونقابات. ورغم تجاوزه الـ90 من عمره صمد الباجي قائد السبسي وارتجل كعادته خطاباً تجاوز الساعة حاول من خلاله إطفاء الحرائق التي أضمت في كل الجهات... ووظف الشبه بينه وبين الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة من حيث أسلوب الخطابة والكاريزماتية. وأسهم خطابه واستضافته لخصومه ومعارضيه مع مسانديه بمناسبة العيد الوطني 62 في إطفاء كثير من الحرائق وتحييد كثير من الألغام، خصوصاً أنه التقى على هامش الاحتفالات برموز من المعارضة.

ورقة ترمب وماكرون
وإذ تجنب رئيس الجمهورية، كعادته، قراءة خطابه فإنه اعتمد فيه منهجية إطفاء حرائق واضحة استهلها بتلاوة مقتطفات من رؤساء العالم التي تنوه بالمسارين الديمقراطي والانتخابي في تونس، من بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. قائد السبسي رد على المشككين في المسار السياسي والانتخابي بورقة الدعم الدولي لما يوصف بالاستثناء الديمقراطي التونسي، ورغم الضغوط الكبيرة التي مارستها أحزاب علمانية وأطراف مالية وسياسية ونقابية وأمنية على الرئيس التونسي لكي يتقدم للبرلمان بمشروع تعديل الدستور ويفك التحالف الحالي بين حزبه وبقية مكونات حكومة «الوحدة الوطنية»، وخصوصاً «النهضة»، فإنه فاجأهم مجدداً بالدفاع عن الدستور الحالي وعن خيار الوحدة الوطنية الذي تبناه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عند تشكيل حكومات شارك فيها ممثلو النقابات ومختلف التيارات. بل، كان قائد السبسي براغماتياً جداً إذ قال: «لم أشارك في صياغة هذا الدستور الذي انتخبني الشعب اعتماداً عليه، وليس دوري تعديله، ولكن البرلمان هو الذي يقوم بذلك».

تجاذبات... ولكن
وفي هذه الأثناء، في ظل استمرار التجاذبات من جهة، ومحاولات إنجاح المسار الانتخابي من جهة أخرى، قد يزداد الاهتمام بالشواغل السياسية على حساب الملفات الاقتصادية والمالية والتنموية. وفي ظل تدهور المقدرة الشرائية للطبقتين الوسطى والفقيرة، يخشى علماء الاجتماع من انفجار الأوضاع في أي وقت، خصوصاً في المحافظات الداخلية والأحياء الفقيرة حول العاصمة والمدن الكبرى. وفي مثل هذه الحالة قد تجد تونس نفسها مهددة مرة أخرى بانتفاضة جديدة يفجرها المهمشون والشباب العاطل عن العمل ويجني ثمرتها بعض السياسيين.
فهل يكون قارب النجاة بالنسبة لتونس والاستثناء التونسي سياسياً... أم يحتاج ضمانات اقتصادية ومالية وأمنية؟

محطات في تاريخ تونس المستقلة
في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) كان الحزب الحر الدستوري (الجديد) - تمييزاً له عن الحزب الحر الدستوري الذي كان قد أسسه الشيخ عبد العزيز الثعالبي عام 1920، الذي أصبح يعرف بعد ظهور الحزب الجديد بـ«الحزب القديم» - أبرز محاور الحراك الوطني من تقرير المصير وإنجاز الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي. ولقد أسس الحزب الجديد نخبة من الناشطين على رأسهم الطبيب الدكتور محمود الماطري رئيس ديوانه السياسي والمحامي الحبيب بورقيبة أمينه العام (أو الكاتب العام) ومعهم الطاهر صفر والبحري قيقة ومحمد بورقيبة. وظهر الدستور الجديد للحزب في المؤتمر الذي انعقد يوم 2 مارس (آذار) 1934 بمدينة قصر هلال في الساحل التونسي.
ما يجدر ذكره أن فرنسا كانت قد وعدت الحزب بالاستقلال عام 1952، بيد أن تراجعها عن وعدها أدى إلى اندلاع الثورة الشعبية المسلحة. وبالتالي، اضطرت السلطات الفرنسية للدخول في مفاوضات عام 1955 أقرت فيها حكومة رئيس الوزراء الاشتراكي بيار منديس فرانس بـ«الاستقلال الداخلي» لتونس. ثم الاستقلال التام في العام التالي 1956 على الرغم من معارضة قوى اليمين الفرنسي.
حركة المقاومة التونسي المسلحة ظهرت بين ربيع 1952 و1954، وتشكّلت من زمر ومجموعات صغيرة انخرطت في معارك كثيرة ضد الأهداف الاستعمارية، وخصوصاً جنوب تونس وغربها، وكان بين أبرز قادتها الميدانيين الساسي الأسود والأزهر الشرايطي. أما الحبيب بورقيبة، أبرز الزعماء السياسيين فعاد من المنفى وأطلق العملية التفاوضية مع الفرنسيين حول الاستقلال. ولقد واصل بورقيبة التفاوض بعد سقوط حكومة منديس فرانس، وأنجز «بروتوكول الاستقلال» يوم 20 مارس 1956.
شخصية بورقيبة كانت محورية في الحراك الاستقلالي. ومن أبرز نشاطاته توجهه إلى العاصمة المصرية القاهرة وفتحه مكتب المغرب العربي وسفره إلى نيويورك عام 1945. ولكن مسيرته لم تخلُ من الاعتقال والنفي والمعاناة. ومنذ عام 1949 أعاد بورقيبة تنظيم الحزب الحر الدستوري، وبعد إنجاز الاستقلال يوم 20 مارس 1956، انتخب بورقيبة رئيساً للمجلس القومي التأسيسي يوم 8 أبريل (نيسان) ثم كلّف يوم 11 أبريل بتشكيل الحكومة التونسية الأولى. وفي 25 يوليو (تموز) 1957 قرر المجلس القومي التأسيسي بالإجماع إعلان الجمهورية وأصبح الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية.
بعد ذلك، وبعد إنجاز قيادة تونس المستقلة بناء الدولة الحديثة، ونجاحها في احتواء الولاء القبلي والجهوي وتعزيز الروح الوطنية وتحديثها التعليم و«تونسة» الإعلام والإدارة، جرى تغيير اسم الحزب الحاكم ليغدو الحزب الاشتراكي الدستوري.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.