واشنطن تطالب بـ«إجراءات» لمنع الإفلات من العقاب

TT

واشنطن تطالب بـ«إجراءات» لمنع الإفلات من العقاب

في الذكرى السنوية الأولى لاستخدام غاز السارين ضد بلدة خان شيخون في إدلب، شهد مجلس الأمن جلسة سجالات حول استمرار استخدام الغازات الكيماوية في سوريا، حيث حملت المندوبة الأميركية الدائمة نيكي هيلي بشدة على السياسة الروسية لحماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد، على رغم استمراره في استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، داعية إلى «إجراءات حاسمة» لمنع الإفلات من العقاب.
وأشادت هيلي بالدور الذي قام به الدكتور محمود مراد، الذي حضر الجلسة العلنية المفتوحة، موضحة أنه طبيب سابق في المستشفيات السورية وكان شاهداً على استخدام الأسلحة الكيماوية وكان يساعد السوريين على تلقي العلاج. وإذ شكرته، طالبت المجتمع الدولي بالوقوف معا لمنع استخدام هذه الأسلحة والعمل على حظرها. ووجهت اتهامات لروسيا على خلفية استخدام غاز الأعصاب ضد العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال على الأراضي البريطانية.
وقالت هيلي إن «نظام الأسد واصل استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري». وأضافت: «قام أحد أعضاء هذا المجلس بحماية نظام الأسد من أي عواقب، ومن ثم منعنا من تجديد آلية التحقيق المشتركة (بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتحديد المسؤولين عن استخدام الغازات السامة في سياق الحرب السورية). لقد انهار توافقنا».
وأشارت إلى أن الآلية توصلت في تقاريرها إلى أنها «واثقة من أن الجمهورية العربية السورية مسؤولة عن إطلاق السارين في خان شيخون». وقالت هيلي: «حتى مع بقاء مجلس الأمن في طريق مسدود، وقف البعض للمطالبة بالمساءلة عن استخدام الأسلحة الكيماوية». وأضافت: «وافقت الجمعية العامة بأكثرية ساحقة على إنشاء الآلية الدولية والحيادية والمستقلة بشأن الجرائم المرتكبة في سوريا، والتي تجمع الأدلة للمحاكمات المستقبلية». وحذرت من أن «عدم اتخاذنا للنتائج ستكون له عواقب». وقالت إن «استخدام غازات الأعصاب في سالزبوري وكوالالامبور (....) يكشف عن اتجاه خطير».
وفي إشارة إلى استخدام روسيا حق النقض، الفيتو، قال المدير ونائب الممثل السامي لشؤون نزع السلاح في الأمم المتحدة توماس ماركرام أمام المجلس: «تم إنشاء آلية التحقيق بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة لهذا الغرض، ولكن للأسف، لم يتم تجديد ولايتها». وأضاف أن «المزاعم المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيماوية لم تتوقف، فإن النظر في آلية للمساءلة قد تباطأ على ما يبدو، إن لم يصل إلى طريق مسدود». وشدد على «ضرورة تجنب الإفلات من العقاب. والتأكد من تحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية وتحميلهم المسؤولية».
وقال المندوب البديل للسويد كارل سكاو إنه «يجب محاسبة مرتكبي مثل هذه الجرائم. لا يمكننا قبول الإفلات من العقاب». وفي المقابل، أكد أن «الجهود مستمرة في اتجاه تدمير منشأَتين متبقيتين لإنتاج للأسلحة الكيماوية في سوريا». وتوقع أن «يتم الانتهاء من تدمير هذه المنشآت، التي ستتحقق منها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر من بدء التدمير».
وحذر المندوب الفرنسي فرنسوا دولاتر، قائلاً: «دعونا لا نكون مخطئين، فإن استخدام الأسلحة الكيماوية يبرز التهديد الذي يتعرض له النظام الدولي لمنع الانتشار».
ورداً على التهديدات، عارض المندوب الروسي فاسيلي نيبنزيا نتائج التحقيقات في تقارير الأمم المتحدة - منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، مشيراً إلى «حقيقة أن المحققين لم يتمكنوا من الذهاب إلى خان شيخون». وقال: «لم يتمكن الاتحاد الروسي من تجديد تفويض آلية التحقيق المشتركة. اقترحنا بديلاً (....) الزملاء الغربيون يصرون على آلية ملائمة لهم». ودعا إلى عقد اجتماع طارئ الخميس لمجلس الأمن حول تسميم العميل الروسي في سالزبوري، وهو نداء ردده نائب المندوب السوري منذر منذر.
وقالت المندوبة البريطانية كارين بيرس إن الأمر «ليس متعلقاً فقط بالأعمال في سوريا، هناك ازدراء من روسيا للنظام الدولي».
ومنذ قرابة شهر، عقد مجلس الأمن اجتماعا أدان فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس استمرار ورود ادعاءات بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، مؤكداً أن «استخدامها تحت أي ظرف يعد أمراً مقيتاً وغير مبرر»، مشيراً إلى تقارير ذكرت وجود هجمات مزعومة خلال الشهرين الماضيين باستخدام الأسلحة الكيماوية في بلدة حمورية في الغوطة الشرقية.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.