«ألغام ليبيا»... جرائم حرب تحصد الأرواح شرقاً وغرباً

لوحات إرشادية تابعة لمشروع بريطاني لرفع الوعي بمخاطر المتفجرات في بنغازي
لوحات إرشادية تابعة لمشروع بريطاني لرفع الوعي بمخاطر المتفجرات في بنغازي
TT

«ألغام ليبيا»... جرائم حرب تحصد الأرواح شرقاً وغرباً

لوحات إرشادية تابعة لمشروع بريطاني لرفع الوعي بمخاطر المتفجرات في بنغازي
لوحات إرشادية تابعة لمشروع بريطاني لرفع الوعي بمخاطر المتفجرات في بنغازي

على سرير في مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث في مدينة بنغازي (شرق ليبيا) فاضت روح المواطن أيمن الجازوري متأثراً بجروح خطيرة في أنحاء جسده بعد تعرضه لشظايا لغم أرضي في منطقة وسط البلد بالمدينة، لينضم إلى سجل الراحلين الذين قضوا بسبب الألغام التي زرعتها «جماعات متشددة» قبل مغادرتها أرض المعركة هرباً من ضربات الجيش الوطني الليبي.
قصة أيمن، الذي لم يتجاوز الثلاثين ربيعاً، وأصيب برفقة صديقه رائف، في بنغازي، لم تختلف في تفاصيلها كثيراً عن حوادث وجرائم مشابهة تقع بين حين وآخر في المدن التي مر عليها تنظيم داعش، مثل سرت الساحلية وضواحيها، في (شمال غربي البلاد)، وظل بها ما يقارب عامين قبل هزيمته على أيدي قوات تابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ليظل الربط بين شرق وغرب البلاد، إمّا فقد في أرواح المدنيين وإما تشوه في ملامحهم، وفي أحسن الأحوال بتر في أطرافهم.
البعثة الأممية لدي ليبيا، أرجعت في تقرير لها مطلع شهر أبريل (نيسان) الجاري جانبا من تلك الجرائم إلى «التشكيلات المسلحة»، وقالت إنه «يعتقد أن مجلس شورى ثوار بنغازي، والمجموعات الموالية له مسؤولون عن ترك ألغام وعبوات من مخلفات الحروب في منطقتي الصابري ووسط البلاد ببنغازي التي كانت تحت سيطرتهم قبل انسحابهم منها».
وتزامناً مع اليوم العالمي للتوعية بخطر الألغام، نظمت البعثة الأممية مؤتمرا، في طرابلس، أمس، بحضور مسؤولين ليبيين لبحث مخاطر الألغام في العاصمة الليبية، وسرت وبنغازي، وقال مدير المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب محمد الترجمان، هذه الاحتفالية رسالة للمجتمع الدولي بأن ليبيا ملتزمة بحماية مدنييها من الخطر، مشيرا إلى أنه تم تدمير 300 طن من مخزون المتفجرات من مخلفات الحرب، خلال العامين الماضيين.
وذهبت نائبة الممثل الخاص ماريا ريبيرو إلى أن وجود الألغام الأرضية والأجهزة «المتفجرة المرتجلة» والذخائر غير المنفجرة وغيرها من مخلفات الحرب القابلة للانفجار يشكل تهديداً مستمراً للسكان، وللعودة الآمنة للنازحين ويقيّد وصول العاملين في المجال الإنساني، وقالت إن «سلامة وكرامة الليبيين هي سبب وجودنا هنا اليوم». وعبّرت ريبيرو عن وجودها في طرابلس، وقالت: «أنا مسرورة بوجودي هنا اليوم. السنة الماضية احتفلنا باليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام في تونس. والأمم المتحدة عادت إلى ليبيا، وللمرة الأولى منذ أربع سنوات نحن نحيي هذا اليوم في العاصمة».
وبرغم الجهود الدولية والمساعدات اللوجيستية التي تقدم للمساعدة في تجنب مخاطر الألغام، فإن الكميات الضخمة من العبوات الناسفة والشراك الخداعية لا تزال تحصد أرواح المدنيين في بعض مدن الشرق والغرب، قبل أن تتمكن فرق نزع الألغام من الوصل إليها وتفكيكها.
واشتكى الناطق باسم سرية نزع الألغام في مدينة سرت سالم الأميل، من قلة الإمكانيات التي تساعدهم في التعامل مع هذه المخاطر، مشيراً إلى أن السرية تمكنت من تفكيك عدد الألغام عُثر عليها في مناطق مجاورة لمدينة سرت مثل والسواوة والقبيبة وأبو هادي.
وأضاف الأميل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن سرت المدينة «تعيش فوق المفخخات»، وأنهم يتلقون يومياً بلاغات بوجود ألغام ومفخخات تركها تنظيم داعش خلفه في البيوت والمدارس والمستشفيات والمزارع حتى الأراضي الرعوية لغُمت. وتابع: «عملنا بالمجهود الذاتي، ولم نتلق دعماً من أي نوع». وحول وجود حصر بالضحايا، رد الأميل: «لا يوجد لدينا حصر بأعدادهم، ليس لدنيا إمكانيات، فحكومة الوفاق الوطني لم تقدم لنا حتى الشكر على ما نبذله».
مستدركاً: «هناك عائلة انفجر بها لغم، ولم يتبق منها إلا طفلة صغيرة لا تزال تعاني من جروحها، بالإضافة إلى مقتل رب أسرة انفجر فيه لغم وهو يحاول تنظيف منزله ليعود إليه، فضلاً عن انفجار قذيفة في ثلاثة شباب وتقطعوا أشلاء»، لافتاً إلى أنهم بصدد إشهار منظمة تحت اسم «السلامة لمكافحة الألغام ومخلفات الحرب».
وسبق أن أعلنت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بإزالة الألغام، الانتهاء من المرحلة الأولى لمبادرة التخلص من مخلفات الحرب القابلة للانفجار في مدينة مصراتة الليبية.
وقال المكتب الإعلامي للدائرة الأممية في ليبيا إنه تم التخلص من 200 طن من مخلفات الحرب القابلة للانفجار بدعم من الدنمارك وكوريا الجنوبية عبر منح إلى صندوق الأمم المتحدة لدعم الأعمال المتعلقة بنزع الألغام، مشيرا إلى أن الدائرة الأممية نسقت مع المجموعة الدنماركية لإزالة الألغام بتعزيز القدرات الليبية لمكافحة انتشار مخلفات الحرب، عبر تدريب طاقم ليبي مكون من 20 موظفا للتعامل الآمن مع هذه المخلفات.
وأضاف، أن الطاقم الليبي المدرب تخلص من 203 أطنان من مخلفات الحرب ليكونوا بذلك قد قلصوا بشكل كبير التهديد الذي تشكله هذه المخلفات على مواطني مصراتة والمناطق المحيطة بها.
وأعلنت بريطانيا، مؤخرا على لسان سفيرها لدى ليبيا فرنك بيكر دعم بلاده لحملات التوعية بمخاطر الألغام في مدينة بنغازي.
وعبّر بيكر في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» الاثنين الماضي، عن «سعادته برؤية اللوحات الإعلانية في شوارع بنغازي كجزء من المشروع الذي تدعمه بلاده حول رفع الوعي بمخاطر المتفجرات في المدنية حتى اليوم».
وأضاف أن «1383 مواطناً استفادوا من برامج التوعية غالبيتهم طلاب المدارس»، لافتاً إلى أن بريطانيا ستواصل دعم الجهود الليبية للحد من مخاطر المتفجرات في ليبيا. وتبذل سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا في ليبيا جهوداً مشابهة، خاصة في تدريب موظفي إزالة الذخائر المتفجرة على التعامل مع تلك المخاطر.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.