صيحات تطل وصيحات تختفي، وأنامل مصممي الأزياء ترسم وتغير في هويات الشعوب. ووسط زخم من الصيحات والأفكار، تبقى «قطعة أساسية موجودة في كل خزانة تقريباً». فرغم بساطة تصميم الـ«تي - شيرت» أو القميص القطني بكل ألوانه، فإنه تمكن من أن يتحول من مجرد قطعة عملية إلى موضة بأسعار مرتفعة تتضمن رسالة ثقافية أو اجتماعية وأحياناً سياسية، إن لزم الأمر. وهذا ما جعلها تتمتع بجوهر مطلق يعبر عن حالة فردية، وساعدها ليس على الصمود في وجه التغيرات، بل أيضاً لعبها دور البطولة في كثير من العروض الأخيرة.
قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام»، اختارت الشعوب الـ«تي - شيرت» ليكون وسيلة لنشر الأفكار في القرن 20، فربما لفكرة مكتوبة أو مرسومة على قطعة من القماش أن تعكس هوية أو فكراً يُوضح موقفاً ورؤية تجاه أمور عدة، إلى حد أن الـ«تي - شيرت» الذي يحمل شعارات سياسية واجتماعية بات علامة للأنظمة الديمقراطية التي تسمح بحرية التعبير.
ولأن الـ«تي - شيرت» تحول إلى أيقونة تجمع بين الموضة والتعبير عن الهوية، أقام متحف الموضة والنسيج في لندن خلال فبراير (شباط) الماضي معرضاً تحت عنوان «التي - شيرت: أسطورة... ثقافة... إطاحة»، لاستعراض تاريخ القميص القطني وكيف حمل رسائل كثيرة، وكان ركيزة لحركات اجتماعية ونضالات سياسية، حركت المشهد وأثرت فيه. تناول المعرض أيضاً كيف أن تصميمه لا يتغير ولا يتطلب إلا حياكة من الجانبين، فضلاً عن أنه لا يتكلف سوى قطعة من القطن.
- تاريخ القميص القطني
في أوائل القرن 20 كان دوره وظيفياً لا يتعدى كونه قطعة تحتية يرتديها الرجل صيفاً لأنها تتشرب العرق، لهذا لم يكن من الذوق أن تظهر. أول من ارتداه هم قوات البحرية الأميركية خلال الحرب ضد القوات الإسبانية، ولكن جاءت السينما لتغير صورته وتُخرجه إلى الواجهة، عندما جسد مارلون براندو شخصية ستانلي كوالسكي في فيلم «عربة اسمها الرغبة» عام 1951. في عام 1955 تكررت التجربة في فيلم «متمردون دون قضية» عام 1955 حين ظهر به النجم الراحل جيمس دين. كانت المرة الأولى التي يُعبر فيها الـ«تي - شيرت» عن قضية، كانت شبابية محضة تعكس رغبة البطل في كسر القوالب والتمرد على التقاليد أو المتوقع منه.
لم يمر سوى وقت قصير جداً حتى انتقل من السينما إلى الموضة. بدأ يلعب دوراً اجتماعياً وسياسياً تحركه رغبة في التغيير. في عام 1984 وعندما التقت مصممة الأزياء البريطانية، كاثرين هامنيت، رئيسة الوزراء آنذاك مارغريت ثاتشر، تعمدت أن ترتدي الـ«تي - شيرت» وكتبت عليه: «58 في المائة لا يريدون بيرشنغ»، في إشارة إلى نتيجة استطلاع رأي يعكس معارضة كبيرة لقرار وضع صواريخ في البلاد. ونجحت في إثارة الانتباه والإعجاب معاً لجرأتها، ولتتبناه قطعة أيقونية تعود إليها بين الفينة والأخرى. في عام 2003 مثلاً عادت إليه كوسيلة تعبر بها عن رفضها الحرب ضد العراق في عرض أرسلت فيه مجموعة من العارضات وهن يرتدينه. وفي أسبوع الموضة الأخير بلندن، احتفلت محلات «براونز» بهذه القطعة وبالمصممة على حد سواء بتنظيم حفل كبير أرادت منه تذكير الجيل الجديد بقوته.
وطبعاً لا يمكن التطرق إليه، أي الـ«تي - شيرت»، ولا إلى الرسائل الاجتماعية والسياسية من دون الحديث عن المصممة فيفيان ويستوود، ملكة البانك. فهي مساهمة كبيرة في رواجه، بحيث تستعمله في حياتها الخاصة كما في عروضها للتعبير عما يشغل بالها من قضايا تخص المجتمع أو البيئة أو السياسة، وهو ما تؤكده المعروضات في متحف الموضة والنسيج.
توالت الأجيال وتغيرت الأهواء والأذواق وبقيت الحركات الفنية والاجتماعية والسياسية تتبناه كأسهل وسيلة للوصول إلى الناس والتواصل معهم. الموضة أيضاً لم تتخلَ عنه وجعلته قطعة أساسية تحت سترة تعكس ترفاً ورفاهية وأناقة بالنسبة للرجل، كما أدخلته مناسبات السهرة والمساء بالنسبة للمرأة مع تنورة مستديرة طويلة أو بنطلون من الساتان، قبل أن تتبناه مصممة دار «ديور» الإيطالية ماريا غراتزيا كيوري. فمنذ أن دخلت الدار وهي تحمل على عاتقها قضية المرأة متسلحة به. أطلقته في عروضها أول مرة بشعارات مختلفة منها «كلنا يجب أن نكون نسويات» (We Should All Be Feminists). لم يقتصر ظهوره على منصات العرض، بل انتشر سريعاً انتشار النار في الهشيم بين النجمات وفتيات «إنستغرام» والمدونات. ولأنه حقق نجاحاً تجارياً لا يستهان به، حذت حذوها دور أزياء أخرى بحجة دعم بعض المواقف الاجتماعية، لا سيما فيما يخص حقوق المرأة وأصحاب البشرة السمراء. دار «برابال غوانغ» قدمت تصميماً مشابهاً كُتب عليه «المستقبل نسوياً» روجت له عارضة الأزياء بيلا حديد بمجرد أن ظهرت به. أما التنوع العرقي الذي تنادي به الموضة منذ مدة فظهر في «تي - شيرتات» استعرضتها كل من لاعبة التنس سيرينا ويليامز، والممثلة الأميركية تريسي إليسروس، ومغنية الراب ريميما، من خلال شعار يقول «التي - شيرت السحري للفتيات السود» (Black Girl Magic t – shirt)، بهدف تسليط الضوء على التمييز العنصري الذي تتعرض له ذوات البشرة السوداء وتعزيز المساواة في الأجور وفرص العمل وما شابه.
لم يبقَ العالم العربي بمنأى عن هذه الظاهرة، فقد لعب دوراً مهماً في عدد من الحركات الاحتجاجية، كما ظهر به لاعب الكرة المصري السابق محمد أبو تريكة معبراً عن موقفه الداعم لغزة، والمغنية ميريام فارس في حملات دعمت فيها قضايا اجتماعية.
الـ«تي ـ شيرت»... راية التمرد والقضايا الساخنة
وجد المصممون عبر العصور أنها أداة فعالة للتفاعل مع المجتمع وسياساته
الـ«تي ـ شيرت»... راية التمرد والقضايا الساخنة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة