الـ«تي ـ شيرت»... راية التمرد والقضايا الساخنة

وجد المصممون عبر العصور أنها أداة فعالة للتفاعل مع المجتمع وسياساته

من آخر تشكيلة لدار «ديور» حيث لا تزال مصممتها تقود الحركة النسوية  -  الـ«تي - شيرت» الذي أطلقته ماريا غرازتزيا كيوري لدار «ديور» معلنة عن ثورتها النسوية
من آخر تشكيلة لدار «ديور» حيث لا تزال مصممتها تقود الحركة النسوية - الـ«تي - شيرت» الذي أطلقته ماريا غرازتزيا كيوري لدار «ديور» معلنة عن ثورتها النسوية
TT

الـ«تي ـ شيرت»... راية التمرد والقضايا الساخنة

من آخر تشكيلة لدار «ديور» حيث لا تزال مصممتها تقود الحركة النسوية  -  الـ«تي - شيرت» الذي أطلقته ماريا غرازتزيا كيوري لدار «ديور» معلنة عن ثورتها النسوية
من آخر تشكيلة لدار «ديور» حيث لا تزال مصممتها تقود الحركة النسوية - الـ«تي - شيرت» الذي أطلقته ماريا غرازتزيا كيوري لدار «ديور» معلنة عن ثورتها النسوية

صيحات تطل وصيحات تختفي، وأنامل مصممي الأزياء ترسم وتغير في هويات الشعوب. ووسط زخم من الصيحات والأفكار، تبقى «قطعة أساسية موجودة في كل خزانة تقريباً». فرغم بساطة تصميم الـ«تي - شيرت» أو القميص القطني بكل ألوانه، فإنه تمكن من أن يتحول من مجرد قطعة عملية إلى موضة بأسعار مرتفعة تتضمن رسالة ثقافية أو اجتماعية وأحياناً سياسية، إن لزم الأمر. وهذا ما جعلها تتمتع بجوهر مطلق يعبر عن حالة فردية، وساعدها ليس على الصمود في وجه التغيرات، بل أيضاً لعبها دور البطولة في كثير من العروض الأخيرة.
قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام»، اختارت الشعوب الـ«تي - شيرت» ليكون وسيلة لنشر الأفكار في القرن 20، فربما لفكرة مكتوبة أو مرسومة على قطعة من القماش أن تعكس هوية أو فكراً يُوضح موقفاً ورؤية تجاه أمور عدة، إلى حد أن الـ«تي - شيرت» الذي يحمل شعارات سياسية واجتماعية بات علامة للأنظمة الديمقراطية التي تسمح بحرية التعبير.
ولأن الـ«تي - شيرت» تحول إلى أيقونة تجمع بين الموضة والتعبير عن الهوية، أقام متحف الموضة والنسيج في لندن خلال فبراير (شباط) الماضي معرضاً تحت عنوان «التي - شيرت: أسطورة... ثقافة... إطاحة»، لاستعراض تاريخ القميص القطني وكيف حمل رسائل كثيرة، وكان ركيزة لحركات اجتماعية ونضالات سياسية، حركت المشهد وأثرت فيه. تناول المعرض أيضاً كيف أن تصميمه لا يتغير ولا يتطلب إلا حياكة من الجانبين، فضلاً عن أنه لا يتكلف سوى قطعة من القطن.
- تاريخ القميص القطني
في أوائل القرن 20 كان دوره وظيفياً لا يتعدى كونه قطعة تحتية يرتديها الرجل صيفاً لأنها تتشرب العرق، لهذا لم يكن من الذوق أن تظهر. أول من ارتداه هم قوات البحرية الأميركية خلال الحرب ضد القوات الإسبانية، ولكن جاءت السينما لتغير صورته وتُخرجه إلى الواجهة، عندما جسد مارلون براندو شخصية ستانلي كوالسكي في فيلم «عربة اسمها الرغبة» عام 1951. في عام 1955 تكررت التجربة في فيلم «متمردون دون قضية» عام 1955 حين ظهر به النجم الراحل جيمس دين. كانت المرة الأولى التي يُعبر فيها الـ«تي - شيرت» عن قضية، كانت شبابية محضة تعكس رغبة البطل في كسر القوالب والتمرد على التقاليد أو المتوقع منه.
لم يمر سوى وقت قصير جداً حتى انتقل من السينما إلى الموضة. بدأ يلعب دوراً اجتماعياً وسياسياً تحركه رغبة في التغيير. في عام 1984 وعندما التقت مصممة الأزياء البريطانية، كاثرين هامنيت، رئيسة الوزراء آنذاك مارغريت ثاتشر، تعمدت أن ترتدي الـ«تي - شيرت» وكتبت عليه: «58 في المائة لا يريدون بيرشنغ»، في إشارة إلى نتيجة استطلاع رأي يعكس معارضة كبيرة لقرار وضع صواريخ في البلاد. ونجحت في إثارة الانتباه والإعجاب معاً لجرأتها، ولتتبناه قطعة أيقونية تعود إليها بين الفينة والأخرى. في عام 2003 مثلاً عادت إليه كوسيلة تعبر بها عن رفضها الحرب ضد العراق في عرض أرسلت فيه مجموعة من العارضات وهن يرتدينه. وفي أسبوع الموضة الأخير بلندن، احتفلت محلات «براونز» بهذه القطعة وبالمصممة على حد سواء بتنظيم حفل كبير أرادت منه تذكير الجيل الجديد بقوته.
وطبعاً لا يمكن التطرق إليه، أي الـ«تي - شيرت»، ولا إلى الرسائل الاجتماعية والسياسية من دون الحديث عن المصممة فيفيان ويستوود، ملكة البانك. فهي مساهمة كبيرة في رواجه، بحيث تستعمله في حياتها الخاصة كما في عروضها للتعبير عما يشغل بالها من قضايا تخص المجتمع أو البيئة أو السياسة، وهو ما تؤكده المعروضات في متحف الموضة والنسيج.
توالت الأجيال وتغيرت الأهواء والأذواق وبقيت الحركات الفنية والاجتماعية والسياسية تتبناه كأسهل وسيلة للوصول إلى الناس والتواصل معهم. الموضة أيضاً لم تتخلَ عنه وجعلته قطعة أساسية تحت سترة تعكس ترفاً ورفاهية وأناقة بالنسبة للرجل، كما أدخلته مناسبات السهرة والمساء بالنسبة للمرأة مع تنورة مستديرة طويلة أو بنطلون من الساتان، قبل أن تتبناه مصممة دار «ديور» الإيطالية ماريا غراتزيا كيوري. فمنذ أن دخلت الدار وهي تحمل على عاتقها قضية المرأة متسلحة به. أطلقته في عروضها أول مرة بشعارات مختلفة منها «كلنا يجب أن نكون نسويات» (We Should All Be Feminists). لم يقتصر ظهوره على منصات العرض، بل انتشر سريعاً انتشار النار في الهشيم بين النجمات وفتيات «إنستغرام» والمدونات. ولأنه حقق نجاحاً تجارياً لا يستهان به، حذت حذوها دور أزياء أخرى بحجة دعم بعض المواقف الاجتماعية، لا سيما فيما يخص حقوق المرأة وأصحاب البشرة السمراء. دار «برابال غوانغ» قدمت تصميماً مشابهاً كُتب عليه «المستقبل نسوياً» روجت له عارضة الأزياء بيلا حديد بمجرد أن ظهرت به. أما التنوع العرقي الذي تنادي به الموضة منذ مدة فظهر في «تي - شيرتات» استعرضتها كل من لاعبة التنس سيرينا ويليامز، والممثلة الأميركية تريسي إليسروس، ومغنية الراب ريميما، من خلال شعار يقول «التي - شيرت السحري للفتيات السود» (Black Girl Magic t – shirt)، بهدف تسليط الضوء على التمييز العنصري الذي تتعرض له ذوات البشرة السوداء وتعزيز المساواة في الأجور وفرص العمل وما شابه.
لم يبقَ العالم العربي بمنأى عن هذه الظاهرة، فقد لعب دوراً مهماً في عدد من الحركات الاحتجاجية، كما ظهر به لاعب الكرة المصري السابق محمد أبو تريكة معبراً عن موقفه الداعم لغزة، والمغنية ميريام فارس في حملات دعمت فيها قضايا اجتماعية.


مقالات ذات صلة

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)

الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
TT

الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)

اهتمام الملك تشارلز الثالث بالموضة، وبكل ما يتعلق بالبيئة، أمر يعرفه الجميع منذ أن كان ولياً للعهد. لهذا لم يكن غريباً أن يستقبل في قصر سانت جيمس حديثاً مؤتمراً نظّمه «تحالف الاقتصاد الحيوي الدائري (CBA)»، ليؤكد أنه لا يزال متمسكاً بمبادئه. فالمشروع الذي نُظّم المؤتمر من أجله يستهدف تسريع التحوّل نحو اقتصاد مستدام، وتعزيز التقدّم في المشروع الإنساني.

وتُعدّ هذه دورته الثانية، التي جاءت تحت عنوان «مختبر الأزياء المتجددة في جبال الهيمالايا»، علماً بأن من يقف وراءه أسماء مهمة في عالم المال والأعمال ومجال الإبداع على حد سواء، نذكر منها جيورجيو أرماني وبرونيللو كوتشينللي.

ريكاردو ستيفانيللي مع الملك تشارلز الثالث في المؤتمر (برونيللو كوتشينللي)

المشروع ثمرة تعاون بين فرق معنيّة بالموضة، في إطار «مبادرة الأسواق المستدامة»، التي أطلقها الملك تشارلز الثالث -عندما كان ولياً للعهد- وشركة «برونيللو كوتشينللي (S.p.A)» و«تحالف الاقتصاد الحيوي الدائري». وتأسس لدعم القضايا المرتبطة بالمناخ العالمي وغيرها من المسائل الحيوية التي تُؤثّر على البشرية. وهي قضايا يشدد الملك تشارلز الثالث على أنها تحتاج إلى تكاثف كل القوى لإنجاحها.

حضر المؤتمر باحثون وعلماء وروّاد أعمال وقادة مجتمعات محلية (برونيللو كوتشينللي)

حضر المؤتمر، إلى جانب الملك البريطاني، نحو 100 مشارك، من بينهم باحثون وعلماء وروّاد أعمال، ومستثمرون، وقادة مجتمعات محلية.

كان للموضة نصيب الأسد في هذا المؤتمر، إذ شارك فيه فيديريكو ماركيتي، رئيس فرقة العمل المعنيّة بالموضة، وجوزيبي مارسوتشي، ممثل عن دار «جورجيو أرماني»، وبرونيللو كوتشينللي، الرئيس التنفيذي لشركة «برونيللو كوتشينللي». وتحدَّث هذا الأخير عن التقدّم الذي أحرزته الشركة الإيطالية حتى الآن في إطار دعم قيم الاقتصاد الدائري، وحماية البيئة، فضلاً عن تعزيز مفاهيم الأزياء والسياحة المستدامة، مستشهداً بدفعات أولية من «باشمينا»، استخدمت فيها مواد خام من مناطق واقعة في جبال الهيمالايا.

ويُعدّ مشروع الهيمالايا، الذي وُلد من رؤية مشتركة بين «برونيللو كوتشينللي» و«فيديريكو ماركيتي»، من المشروعات التي تحرص على ضمان إنتاج يُعنى برفاهية الإنسان، من دون أي تأثيرات سلبية على الطبيعة والبيئة. وحتى الآن يُحقق المشروع نتائج إيجابية مهمة، لكن دعم الملك تشارلز الثالث له يُضفي عليه زخماً لا يستهان به.