موسكو: مؤتمر أمني يناقش قضايا الإرهاب في الشرق الأوسط

الأمن الروسي يعتقل شخصين بشبهة تمويل «داعش»

TT

موسكو: مؤتمر أمني يناقش قضايا الإرهاب في الشرق الأوسط

تبدأ اليوم في موسكو أعمال الدورة السابعة لمؤتمر الأمن الدولي، الذي تنظمه وزارة الدفاع الروسية سنوياً. ويركز المؤتمر هذا العام على ملف مكافحة الإرهاب، خصوصاً في الشرق الأوسط، وسط مقاطعة غربية واسعة له على خلفية الأزمة المتفاقمة مع روسيا. وأفاد بيان أصدرته وزارة الدفاع بأن وفوداً من 95 بلداً تمت دعوتها للمشاركة في فعاليات المؤتمر الأمني. ومن المقرر مشاركة وفود 95 دولة، بينهم 30 وزيراً للدفاع و15 من رؤساء الأركان العامة ونواب وزراء الدفاع، إلى جانب ممثلي ثماني منظمات دولية و68 خبيراً أجنبياً في مجال الأمن. وقال وزير الدفاع سيرغي شويغو إن «تجربة مكافحة الإرهاب في سوريا ستكون أحد المواضيع الرئيسية التي سيتم التركيز عليها»، علماً بأن هذه المرة الأولى التي يشارك فيها وفد يمثل وزارة الدفاع السورية في أعمال المؤتمر.
وقال شويغو أمس، خلال اجتماع لقيادة الوزارة، إن «الجانب الروسي سيعرض في المؤتمر تجربته في محاربة تنظيم داعش، وتوقعاته لتطور الأوضاع في الشرق الأوسط وقضية إعادة الإعمار في سوريا».
ولفت إلى أنه على الرغم من أن التركيز الأساسي سوف ينصب على ملف مكافحة الإرهاب، لكن موضوعات أخرى ستكون مدرجة على جدول الأعمال، بينها القضايا المتعلقة بالأمن في أوروبا والأوضاع في عدد من بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
على صعيد آخر، أفادت لجنة التحقيق الروسية، أمس، بأن شخصين اعتقلا في موسكو للاشتباه بضلوعهما في تمويل تنظيم داعش.
وأوضحت أن المعطيات المتوافرة لدى أجهزة التحقيق دلت على قيام المتهمين بـ«تحويل أموال بانتظام إلى حسابات لأعضاء تنظيم داعش الإرهابي الدولي المحظور».
وأشارت اللجنة إلى أنها وجهت مذكرات لعدد من الدول لطلب المساعدة القانونية في الحصول على معلومات بهذا الشأن، في إشارة إلى أن التحويلات المالية تمت عبر بلدان عدة.
في غضون ذلك، أسدلت أجهزة التحقيق الروسية، أمس، الستار على قضية التفجير الانتحاري الذي استهدف مترو أنفاق سان بطرسبورغ في بداية أبريل (نيسان) الماضي. وأعلنت لجنة التحقيق الروسية أنها «استطاعت الكشف عن هويات جميع المتورطين في الهجوم الإرهابي وتمكنت من اعتقالهم». وقالت الناطقة باسم اللجنة إنه «تم اعتقال 11 شخصاً شاركوا في العملية عبر التخطيط وتوجيه الأوامر والتنفيذ، وتبين أنهم ينتمون إلى واحدة من الجماعات المتشددة، ولم يكونوا على معرفة مباشرة فيما بينهم، وتواصلوا بأسماء مستعارة أثناء الإعداد للهجوم عبر تقنيات التواصل الحديثة». وأشارت إلى أن تحليل «الآثار الإلكترونية» سمح بالوصول إلى كل أفراد المجموعة. اللافت أن موسكو برغم إعلانها عن انتهاء التحقيقات، وبدء المحاكمات في القضية، لم تكشف عن أسماء أفراد الشبكة. وكان انتحاريٌ فجر عبوة ناسفة كان يحملها في إحدى عربات مترو الأنفاق ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً. وعثرت السلطات الأمنية، في وقت لاحق، على عبوة مماثلة لم تنفجر في عربة أخرى داخل مترو أنفاق سان بطرسبورغ. وتم تحديد هوية الانتحاري، وتبين أنه مواطن قيرغيزي قالت السلطات في حينها إنه على صلة بتنظيم داعش.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟