إصرار فلسطيني على «تحقيق دولي» في «يوم الأرض» وتنسيق مع الكويت

نتنياهو يرفض إجراء أي تحقيق قضائي خارجي أو داخلي ويشيد بأعمال القتل

فلسطينيون ينقلون شابا أصيب بطلق ناري على الحدود مع الاحتلال (رويترز)
فلسطينيون ينقلون شابا أصيب بطلق ناري على الحدود مع الاحتلال (رويترز)
TT

إصرار فلسطيني على «تحقيق دولي» في «يوم الأرض» وتنسيق مع الكويت

فلسطينيون ينقلون شابا أصيب بطلق ناري على الحدود مع الاحتلال (رويترز)
فلسطينيون ينقلون شابا أصيب بطلق ناري على الحدود مع الاحتلال (رويترز)

قال مسؤولون فلسطينيون بأن السلطة تسعى إلى إجراء تحقيق دولي في أحداث يوم الأرض، على الرغم من إعاقة الولايات المتحدة لمثل هذه الخطوة من خلال مجلس الأمن.
وأكد مندوب فلسطين في مجلس حقوق الإنسان، إبراهيم خريشة، أن الأمين العام للأمم المتحدة يعمل مع كل الفرقاء في مجلس الأمن، لإيجاد آلية للتحقيق في أحداث يوم الأرض. مضيفا «إن الأمر لم ينتهِ بالرفض الأميركي». ويعمل المندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة، رياض منصور، من خلال التنسيق مع دولة الكويت التي دعت أصلا، إلى جلسة استثنائية لمجلس الأمن، من أجل إصدار بيان أو قرار يتضمن تحقيقا في قتل إسرائيل 17 فلسطينيا الجمعة الماضي، خلال مسيرة العودة في قطاع غزة. وقال خريشة بأنه «إذا فشلت المحاولات في مجلس الأمن، فإنه سيتم بحث الأمر في جنيف، وطلب لقاء مع المفوض السامي لحقوق الإنسان بهذا الشأن».
وكانت الولايات المتحدة عرقلت صدور بيان لمجلس الأمن الدولي السبت حول أحداث غزة، ومنعت صدور بيان تقدمت به الكويت، يطالب بـ«إجراء تحقيق مستقل وشفاف» في أعمال العنف التي دارت الجمعة، وقتلت إسرائيل خلالها، 17 فلسطينيا وأصابت 1400 آخرين بجروح، 758 منهم بالرصاص الحي والبقية بالرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع. ودعت مسودة البيان إلى «احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين».
وجاء الاعتراض الأميركي الذي أحبط قرار مجلس الأمن، مخالفا لتوجهات الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، دعا، قبل الجلسة، إلى «تحقيق مستقل وشفاف» في أحداث يوم الأرض، كما دعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، إلى إجراء تحقيق مستقل بخصوص استخدام القوات الإسرائيلية لذخائر حية في المواجهات. ورفضت إسرائيل التعاون مع أي جهة دولية في أي تحقيق في هذا الشأن قائلة أنها استهدفت شبانا حاولوا التسلل عبر السياج الحدودي. كما هاجمت محاولات مجلس الأمن وتقدمت بشكوى عبر سفيرها في الأمم المتحدة داني دانون، بسبب عقد اجتماع حول أحداث غزة في وقت عيد الفصح اليهودي. واتهم دانون دولة الكويت بأنها «بادرت بالمطالبة بعقد اجتماع، في وقت كانت فيه إسرائيل تحتفل عشية عيد الفصح، ورفض المجلس طلب تأجيل الاجتماع ليوم واحد حتى انتهاء العيد».
وأضاف دانون «هذا الاستغلال للعيد لا يمنع إسرائيل من عرض الحقيقة بشأن المظاهرات العنيفة لحركة حماس والتي كان هدفها الاستفزاز وإشعال الأوضاع في المنطقة». لكن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية، أكد أنه في نهاية المطاف، يجب «محاكمة إسرائيل» ومعاقبتها على الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وكان آخرها قتل 17 مواطناً في غزة خلال المظاهرة السلمية المطالبة بإنهاء الاحتلال. وأضاف اشتية في لقاء عقده مع وفد من طلبة جامعة أكسفورد الأحد، «إن ما جرى في غزة مؤخراً، يتطلب وقفة جادة من المجتمع الدولي تلزم إسرائيل بالقوانين والمعاهدات الدولية، وتوفر الحماية الدولية للشعب الفلسطيني». وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس طالب بتوفير تلك الحماية مرات عدة، آخرها يوم الجمعة، عندما أشاد بصمود الفلسطينيين في المواجهات.
وتشهد حدود غزة منذ الجمعة مواجهات يومية، ويقول منظمو المسيرة بأنها ستستمر حتى 15 مايو (أيار) المقبل ذكرى النكبة الفلسطينية. وأصاب الجيش الإسرائيلي، أمس 3 فلسطينيين على الأقل في مناطق قرب الحدود بينهم واحدة في حالة حرجة بالرأس.
كما اعترف الجيش الإسرائيلي بشكل رسمي باحتجاز جثماني فلسطينيين منذ يوم الجمعة.
وقال يؤاف مردخاي، منسق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية عبر «فيسبوك»، بأن قوات الجيش تحتجز جثماني، «مصعب السلول» و«محمد رباعية». متهما إياهما بمحاولة تنفيذ عملية إطلاق نار يوم الجمعة. ويحافظ الجيش الإسرائيلي على الحدود على حالة تأهب ويتوقع تدهورا أكبر للأحداث.
من جانبه، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إجراء أي تحقيق قضائي خارجي أو داخلي، في إطلاق الرصاص على الفلسطينيين، بل أشاد بعمل الجيش وقال: «كل الاحترام لجنودنا الذين يحمون حدود الدولة ويمكّنون المواطنين الإسرائيليين من الاحتفال بعيد الفصح بهدوء. إسرائيل تعمل بصرامة وبحزم من أجل حماية سيادتها وأمن مواطنيها». وكذلك فعل وزير دفاعه، أفيغدور ليبرمان.
وأما في أوساط الجيش الإسرائيلي، فقالوا إن «القانون الذي يلزم الجيش بالتحقيق في أي حادثة موت شخص غير عسكري بنيران جنود الجيش، لا ينطبق على الحال في غزة. فقبل ثلاث سنوات وتحديدا في أبريل (نيسان) من سنة 2015. دخلت إلى حيّز النفاذ توجيهات المستشار القضائي للحكومة، التي تنظم إمكانية التقدم باعتراض على قرارات المدعي العام العسكري، فيما يتعلق بالتحقيق في أحداث يسقط فيها قتلى خلال عمليات عسكرية للجيش، في حال تم الادعاء أن القتل يعد خرقا خطيرا لقواعد القانون العرفي الدولي. وبناء على هذا التوجيه، سيكون بالإمكان إجراء تحقيق فقط من قبل ضباط في جيش الدفاع، ذوي خبرة، لا على يد جهة خارجية غير تابعة للجيش. سيكون التحقيق شاملا وسيسهم في استخلاص الدروس وفي إتاحة اتخاذ قرارات قضائية صحيحة».
وأكد الجيش أنه تم التحقيق، بشكل أولي، في الأحداث التي اندلعت خلال «مسيرة العودة»، بهدف مساعدة الضباط في استخلاص العبر. وسيكون من الواجب الآن إصدار الأوامر بإجراء تحقيق قيادي مهم وذي بال وشامل لمجمل الأحداث، يحدده رئيس هيئة الأركان أو قائد اللواء الجنوبي.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.