{جنديات داعش» في الغرب

قلق أوروبي من العائدات من سوريا والعراق

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
TT

{جنديات داعش» في الغرب

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)

لا يزال تنظيم داعش يسبب هلعاً بالغاً لعموم القارة الأوروبية لا سيما أن حديث العائدين من العراق وسوريا، عطفاً على المتسللين من ليبيا إلى أرجاء القارة الأوروبية يملأ الأرجاء، وتُعقَد من حوله المنتديات، وإن كانت الحوارات غالباً ما تدور من حول رجال «داعش»، وقليلاً ما يتم الاهتمام بنسائهم اللائي بِتْنَ يمثلن ركناً خطيراً في سياق منظومة التطرف.
وقبل بضعة أيام شهدت العاصمة الإيطالية روما ندوة عن النساء المنخرطات في التطرف والعمليات الإرهابية، وقد أقيمت الندوة في مركز ابن رشد الثقافي في روما.
الحوارات التي دارت في تلك الأمسية قد أحضرت على طاولة البحث مخاوف أوروبية كثيرة، مؤكد أنها تمثل قلقاً أوروبياً وسعياً لإيجاد حلول لإشكالية أمنية خطيرة تجعل من نهار الأوروبيين قلقاً، ومن ليلهم أرقاً.
وتبقى العاصمة الإيطالية روما بنوع خاص في حالة قلق مضاعف من الدواعش رجالاً ونساء بأكثر من أي عاصمة أوروبية، حتى وإن لم تشهد عمليات إرهابية بنفس قوة ما شهدته باريس أو بروكسل بنوع خاص.
ولعل روما تمثل في منهجية «داعش» وضعاً خاصاً، ذلك أنهم ما برحوا يرددون أنها المدينة التي وعد الله عباده المؤمنين بفتحها بعد مدينة القسطنطينية، التي فتحها الأتراك عام 1453، وقد شاهد العالم كثيراً جداً رايات «داعش» مرفوعة على المسلة المصرية في ميدان الفاتيكان، في إشارة لا تخطئها العين لنيات التنظيم القائمة والمقبلة هناك.
وللمتطرفات الأوروبيات في إيطاليا نصيب لا بأس به. وفي مقدمة الأسماء المعروفة، يأتي اسم «فاطمة سيرجيو»، أول وأشهر داعشية إيطالية، وكانت تُسمَّى من قبل ماريا جوليا، وقد حكمت عليها محكمة إيطالية في مدينة ميلانو بالسجن أربعة أعوام، بتهمة السعي إلى المشاركة في عمليات وهجمات إرهابية والتدريب على السلاح والمتفجرات وتجنيد أعضاء من الجنسين عبر وسائل الاتصال الحديثة، والعهدة هنا على الراوي، صحيفة «كورييري ديلاسيرا» الإيطالية.
والشاهد أن «فاطمة» لم يتوقف دورها عند التطوع للقتال مع الدواعش خارج إيطاليا وفي سوريا تحديداً، ولكنها أشركت أسرتها من حولها، وهم زوجها الألباني الدو كوبوزي، ووالدتها التي مولت سفر ابنتها وزوجها وشقيقها الأصغر إلى سوريا، بل أكثر من ذلك فإن فاطمة سيرجيو عينها استطاعت تجنيد المجندة الإيطالية بشرى حايك الإيطالية - الكندية، وكثير من الإيطاليات بفضل اتصالاتها ودعواتها للشابات صغار العمر للالتحاق بـ«داعش» في سوريا لقتال من أطلقت عليهم «الكفار»، ولنصرة «الإسلام»، بحسب تعبيرها.

بلجيكا واعتقال نساء «الدواعش»
تُعدّ بلجيكا خاصرة رخوة في أوروبا، وقد شهد العالم عمليات إرهابية في أراضيها كان «الدواعش» وراءها، ورغم تصريحات القائمين على حكوماتها ببذل كل الجهود لمواجهة خطر الإرهابي المتنامي، فإن مسارب بعينها، و«خلايا نائمة» بذاتها لا تزال تسبب قلقاً وهلعاً للبلجيكيين، ولهذا تحاول السلطات الأمنية والقضائية سد الذرائع التي تسمح للداعشيات بالتسرب إلى الداخل.
في 21 مارس (آذار) الماضي كانت محكمة بلجيكية تعاقب ثلاث سيدات غيابياً بالسجن لمدة خمسه أعوام وغرامة مالية، على خلفية المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية، كما أصدرت المحكمة قراراً يقضي بسرعة اعتقالهن في أقرب وقت لتنفيذ العقوبة.
ولعل حيثيات الحكم تبين الكارثة التي يمكن أن تحلّ في بلجيكا في المدى القريب، لا سيما إن سُمِح لمثل هؤلاء الداعشيات بالعودة إلى البلاد.
فعلى سبيل المثال هناك كوثر إحدى الداعشيات الثلاث المدانات، وقد أشارت المحكمة إلى أن لها نشاطاً ملحوظاً في جماعة «داعش»، وعملت على تزويج فتيات بلجيكيات من مقاتلين في صفوف «داعش»، كما أظهرت صراحة التأكيد والدفاع عن عقيدة التنظيم الوحشية، مما يجعلها خطراً على المجتمع.
أما على صعيد الحياة السياسية، فيبدو الأفق مسدوداً أمام أي احتمالات لقبول عودة الداعشيات حتى وإن أبدين الندم، وقبلن حكم المحكمة؛ إذ تحدث عضو البرلمان البلجيكي بيتر ديروفر، من كتلة التحالف الفلمنكي، أكبر الأحزاب في الائتلاف الحكومي الحالي، بالقول: «لن نسعى لإعادة هؤلاء الذين سافروا عن عمد إلى تنظيم داعش، وسبق لهن أن هاجمن الدولة البلجيكية عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، وفي إشارة إلى بشري، العضوة الثانية التي أدانتها المحكمة، فقد سبق وكتبت عبر «فيسبوك» عام 2015 ساخرة من السلطات البلجيكية وسياستها لمواجهة التطرف، ثم زواجها لاحقاً من أحد عناصر «داعش»، وإنجاب أطفال لا يزال أملهم في العودة إلى أوروبا شبه معدوم رغم أن أمهاتهم أوروبيات الجنسية.

{داعشيات} بريطانيا خطر داهم
ولا يختلف الحال في بريطانيا كثيراً عن الوضع في روما أو بروكسل، إذ يبدو أن الفراغ الروحي والاجتماعي، الثقافي والإنساني، لكثير من العناصر النسائية في الغرب اليوم، وأوروبا تحديداً قد وجد متنفساً عبر الحملة الإعلانية الكبيرة التي أطلقها تنظيم داعش بهدف إغراء الفتيات والنساء للالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق».
وكانت المرأة إحدى كلمات السر التي يعتمد عليها تنظيم «داعش» لتجنيد الشباب المسلم من بقية أرجاء العالم، وضم عناصر قتالية جديدة.
ولعل النساء الأجنبيات والأوروبيات بنوع خاص كن يمثلن عامل جذب لكثير من الشباب أكثر من الأموال كمحفز على القتال، بل وصل الأمر بهم إلى تقديم النساء كهدايا وجوائز لمن يجتاز المسابقة الرمضانية، وكأنهن سلعة تُباع وتشترى وتهدى.
ورغم أن عدد البريطانيات اللواتي انضممن إلى «داعش» غير واضح، فإنه من المؤكد أن رجال الأمن البريطانيين وأجهزتهم الاستخبارية رصدوا عودة أكثر من عشرة بريطانيات بصحبة أطفالهن كن قد غادرن إلى سورياً، من مجموع ألفي بريطاني تقريباً استطاعوا الوصول إلى معسكرات الدواعش في العراق وسوريا.
ولعل الكارثة الكبرى التي تنتظر بريطانيا تتمثل في الجيل الثاني من الأطفال الذين وُلدوا لآباء وأمهات بريطانيات أثناء انضمامهم إلى التنظيم في بلاد الشام، ما يجعل من مسألة المتابعة والمراقبة لاحقاً مسألة شائكة وموضوعاً معقداً إلى الدرجة التي حدت بوزير الدفاع البريطاني في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لأن يصرح بالقول: «إرهابي ميت لا يمكنه أن يشكل ضرراً على بريطانيا»، ما يعني أنه يفضل القضاء على عناصر «داعش» رجالاً ونساءً عوضاً عن عودتهم للوطن بريطانيا والاستحقاقات الكارثية التي قد تنشأ من تلك العودة المحتملة، بأطفالهم، خصوصاً الذين بلغوا مرحلة الصبا، فتظل فترة الإقامة مع الدواعش تمثل بالنسبة للبريطانيين مخزوناً من الكراهية التي تضحى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

ليندا الألمانية... {داعشية إشكالية
في الخامس عشر من يوليو (تموز) من عام 2017، كانت قوات الأمن العراقية تلقي القبض على فتاة ألمانية تدعى «ليندا وينزيل»، والمثير حتى الدهشة أن الفتاة كانت على مستوى ودراية في إطلاق النيران إلى الدرجة التي جعلت منها «قناصاً» لدى «داعش» في الموصل، والمفاجأة أن عمرها لم يكن يتجاوز الـ16 عاماً، وتعيش في بلدة بولسينتز بالقرب من مدينة دريسدن الألمانية الشهيرة.
بدا الأمر محيراً ولا يزال في أوساط السلطات الرسمية، فكيف استطاعت الفتاة صغيرة العمر خداع المصارف الألمانية، وتزوير توقيع والدتها للحصول على الأموال اللازمة لشراء تذكرة سفر إلى إسطنبول في تركيا، قبل أن تواصل طريقها إلى سوريا، وهناك غيرت اسمها وظهرت على «فيسبوك» مرتدية الحجاب.
ولعل الأكثر إثارة أن ليندا هذه كانت تحت أعين مسؤولي الاستخبارات الألمانية ضمن المجموعات المشتبه فيهم بالتخطيط لجرائم خطيرة ضد الدولة، قبل أن تسافر إلى الخارج وتسقط في فخ الدواعش.
أما كيف جرى الإيقاع بها فهذا ما يحيلنا إلى الدور شديد الخطورة الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة إذ يرجح أن تكون قد وقعت فريسة لعنصر داعشي عالي التدريب نفسياً ومعنوياً، استطاع أن يقيم معها علاقة رومانسية عبر الإنترنت.
وتالياً كان من اليسير عليه أن يطلب إليها الانتقال إلى سوريا للانضمام إليه والعيش في جواره.
ويقدم المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات دراسات مستفيضة عما يجري في عموم العواصم الأوروبية. وفي ألمانيا تحديداً يبدو المشهد مثيراً وأكثر خطورة، فقد رصدت مجموعة «الوقاية من الإرهاب» التابعة لوزارة الداخلية، خطابات إلكترونية مكثفة للمتطرفين على الإنترنت إلى المراهقات المسلمات المقيمات في ألمانيا، ويبدو أن هذه المحاولات تنجح الآن أكثر مما في السابق في توريط المراهقات في العمل مع التنظيمات المتطرفة، وتصوِّر هذه الرسائل الانتماء إلى التنظيمات المتطرفة على انه احترام حد «الملوكية» للمرأة، لأنها تقوم على ولادة وتنشئة الجيل المقبل من المقاتلين.
غير أن واقع الحال يكون مغايراً طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً حين الوصول إلى أرض الواقع، إذ يضع القائمون على التنظيم نساء الأجنبيات في منازل خاصة، ويحبسهن حتى يوافقن على اختيار أي عضو من التنظيم والزواج به بحجة عدم جواز خروج المرأة بغير محرم، ولاحقاً يُستغللن لإشباع شهوات قيادات التنظيم وأفراده الذين يتبادلون الأدوار بشكل أسبوعي وبعقود من زواج المتعة.
أما الكارثة الأكبر التي تواجه الأوروبيات السيئات الحظ اللواتي ينضممن إلى التنظيم الدموي، فتتمثل في الوقوع في براثن ما يعرف بـ«كتائب الخنساء الإرهابية»، وهن الأداة الأكثر عسفاً وخسفاً للتنظيم في التعامل مع نساء «داعش»، حيث من مهامهن الرسمية معاقبة النسوة اللواتي يخالفن أوامر التنظيم، وأحياناً يتم اتهام بعض الداعشيات لا سيما من الجنسيات الأوروبية بالكفر والردة، ولعل هذا ما يفسر لنا حالة الندم والرغبة في العودة إلى العواصم الأوروبية حتى وإن كان السجن هو المصير الذي ينتظرهن، فقد بكت ليندا كثيراً، وذرفت الدموع الغزيرة أمام عدسات المحطات الألمانية التلفزيونية مبدية الأسف الشديد على فعلتها وقائلة: «أريد العودة لبيتي ولعائلتي، أريد الابتعاد عن الحرب والسلاح والضجيج».
وضمن الحديث المتصل وغير المنفصل عن خطورة الداعشيات بشكل عام والأوروبيات منهن بنوع خاص ما اكتشفته وأعلنت عنه السلطات العراقية أخيراً، حيث تم القبض على عدد وافر منهن، وبينهن جنسيات أجنبية، وفي حوزتهن أطفال من الطائفة الإيزيدية، وقد كشفت التحقيقات أنهن كن يخططن للهرب بهم إلى بلادهن، وهنا فإن الاحتمال الأكبر كان استخدام هؤلاء الأطفال في عمليات إرهابية، وغالباً كان التخطيط لاستعمالهم كقنابل بشرية وسط جموع المدينة المسالمين في العواصم الأوروبية.
ولعل الخوف دب في قلوب أجهزة الأمن والاستخبارات الأوروبية الأسابيع القليلة الماضية بنوع أكثر رعباً بعدما بث تنظيم داعش في الأسبوع الأول من شهر فبراير (شباط) الماضي إصداراً جديداً لما يعرف بـ«ولاية البركة» التابعة له سوريا، حيث تظهر الداعشيات وهن يقدن العمليات الإرهابية للتنظيم للمرة الأولى بشكل علني فيما أطلق عليه «غزو الثأر للعفيفات» ضد عناصر حزب العمل الكردستاني.
ويكاد المتابعون لشأن داعش القطع بأن المجاهدات من الداعشيات بحسب توصيفهن، قد تقدمن الصفوف القتالية للتنظيم أخيراً على جبهات القتال في ثلاث دول سوريا والعراق وليبيا، وقمن بتنفيذ عدد من العمليات الانتحارية، أما السبب وراء ذلك فهو تعويض نقص المقاتلين الذي يعاني منه التنظيم في الوقت الحالي.
ويبقى السؤال الأخير قبل الانصراف وهو السؤال المحير لعموم الأوروبيين... ما الذي يدفع فتيات في عمر الزهور يتمتعن بمناخات الحرية داخل المجتمعات الأوروبية، للالتحاق بجماعات ظلامية سوداء المظهر والمخبر، جماعات لا تتسق بأي حال من الأحوال مع نشأة وتربية وتعليم فتيات أوروبا التي عرفن التنوير منذ أزمنة بعيدة؟
في كتابهما الشيق «جهاد النساء»، يكشف لنا الطبيب النفسي فتحي بنسلاما، والمتخصص في علم الاجتماع فرهاد خوسرو خافار أن النساء يشكلن نحو 10 في المائة من نحو خمسة آلاف من المتطرفين الأوروبيين الذين انضموا إلى «داعش»، وعند المؤلفين أن الدواعش نجحوا في تصدير الفكرة الجهادية الخيالية، أو العالم المثالي الذي تروج له آلتهم الدعائية، حيث ترسم لهن صورة زوجة مقاتل في ثياب أمير جذاب وشجاع وصادق، وأم أشبال يشكلون الجيل الجديد من الجهاديين الجاهزين منذ نعومة أظفارهم.
أما الباحث السياسي رالف غضبان وفي حديث له لموقع «دويتشه فيلله» باللغة العربية فيرى أن ما يدفع هؤلاء الفتيات للالتحاق بـ«داعش» ليس سبباً دينياً، بل هو راجع إلى مرحلة النمو التي يعيشها هؤلاء الشباب والمراهقون، مرحلة الرغبة في تحقيق الذات بشكل غير واقعي من خلال الالتزام بقضايا كبرى. أصوات أخرى ترى أن الداعشيات لا سيما الانتحاريات منهن لسن إلا مرتزقة تقوم الولايات المتحدة باستخدامهن في حروبها بالوكالة.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.