عودة لكتاب «قوة العقل اللاواعي»

كتاب أميركي نشر أول مرة قبل خمسين سنة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

عودة لكتاب «قوة العقل اللاواعي»

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدرت، في الشهر الماضي، طبعة جديدة من كتاب أميركي نشر أول مرة قبل 50 عاما تقريبا: «قوة العقل اللاواعي». المؤلف هو ستيفن ميرفي، بريطاني هاجر إلى الولايات المتحدة، وتجنس بالجنسية الأميركية، وكان متخصصا في العلاقة بين العلم والروح.
رغم أنه كتب ربما 20 كتابا في هذا الموضوع، يظل كتاب العقل اللاواعي الأكثر شهرة. والآن نشر إلكترونيا.
في عصر كتب مثل: «مايندفولنيس» (التركيز الكامل على العقل)، و«فاكتفولنيس» (التركيز الكامل على الحقائق)، زاد الاهتمام بهذا الكتاب. وأعاد مؤلفون ترتيب فصوله لتكون نصائح عن طريقة تعامل العقل الواعي مع العقل اللاواعي (لتحاشي التحليل المعقد للعلاقة بين الاثنين).
هذه بعض النصائح التي يدعيها الكتاب لتحاشي التحليل المعقد:
أولا: طبعا، تدعو، مثل بقية الناس، بعقلك الواعي. لكن، يمر الدعاء بعقلك اللاواعي الذي يقدر على أن يتأكد بأنك مخلص في دعائك، وفي حسن نيتك (اللاواعي، بفطرته، خير). لهذا، ليس تدينك هو سبب فعالية دعائك، ولكن السبب هو استعدادك لقبول الرد على دعائك.
تأكد أن أي شيء تراه عيناك (وتحسه يداك، وتشمه أنفك، وتسمعه أذنك) واعيا، يصل إلى اللاواعي فيك. لهذا، رغم أن اللاواعي أكبر «حجما وقوة» من الواعي، يعتمد الأول على الثاني. لسببين: لأنه يمده بالمعلومات «الخيرة». (مثلا: يجب أن توقف سيارتك عند إشارة المرور الحمراء). ولأنه يدربه على إطاعتها. (مثلا: توقف سيارتك عند الإشارة الحمراء حتى إذا كنت غير واع في تلك اللحظة).
ثانيا: تأكد أن عقلك اللاواعي عنده حلول لكل مشاكلك. لا باس إذا كنت متدينا، وتؤمن بوجود الله. يساعد هذا. وإذا لست كذلك، إذا بحثت في عقلك اللاواعي، ستجد الإجابات (بدلا عن البحث عنها عند ناس آخرين). «لا تسأل الآخرين والخبراء (بما فيهم مؤلف الكتاب). اسأل «عقلك اللاواعي». ربما لا يجيب عليك فورا. لكن، تأكد أنه يبحث عن إجابة.
ثالثا: توجد صلة قوية بين عقلك اللاواعي وإيمانك. وذلك لأن «الإيمان يتأسس من خلال الوصول إلى العقل اللاواعي، وتسخيره». (مثل التدريب على وقوف سيارتك عند الإشارة الحمراء). ويشمل هذا حل كثير من أمراضك، جسدية ونفسية وروحية، بتسخير عقلك اللاواعي. (لا يتعارض هذا مع دور الطب والعلم الحديث).
رابعا: لأن العقل اللاواعي «خير»، تفكيرا وفعلا، تحاشى أن تلقنه ما ليس كذلك. (مثلا: إذا قرر عقلك الواعي أن يكذب، لا تتوقع أن يوافق عقلك اللاواعي على ذلك). في الحقيقة، «يقدر اللاواعي على أن يلقنك درسا. لا تجبره، ولا تعتقد أنك أقوى منه».
خامسا: في كل الحالات، أنت «صاحب القرار». ليس فقط عن نفسك، ولكن، أيضا، عن الذين حولك، سواء أقرباء أو أصدقاء، أو معارف، أو زملاء. بمعنى آخر، أنت تحدد موقعك في هذا العالم المعقد. «إذا اخترت طريقا سيئا، ستحيط بك المواقف، والسلوكيات والأفكار السيئة. وإذا اخترت طريقا جيدا، سترى التغييرات الإيجابية في نفسك».
من هو المؤلف؟
ولد في بريطانيا عام 1898. وتلقى تعليمه هناك، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة. وكتب في مقدمة هذا الكتاب: «أحداث الحياة هي في الواقع نتيجة لعمل عقلك بقسميه: الواعي، واللاواعي. ليس هذا كلاما نظريا. توجد، فعلا، أساليب عملية يمكن من خلالها أن تسيطر على مصيرك. تقدر على ذلك من خلال تركيز وإعادة توجيه هذه الطاقة المعجزة، عقلك اللاواعي».
وذكر أن سنوات من الأبحاث والدراسات في الديانات الرئيسية في العالم أقنعته بوجود «قوة عظمى» وراء كل الحياة الروحية التي نعرفها (أو لا نعرفها). وأنها موجودة داخل كل واحد منا.
جمع بين الأكاديميات والروحيات. وكان مدير كنيسة العلوم الإلهية في لوس أنجليس لمدة 28 عاماً. وكان يلقي محاضرات يحضرها ما بين 1300 إلى 1500 شخص كل يوم أحد. وكان برنامجه الإذاعي اليومي يتمتع بشعبية كبيرة.
تأثر بما يسمى «الفكر الجديد» الذي تساءل عن مستقبل الروحيات في الغرب. ودرس الديانات الشرقية، وقضى سنوات كثيرة في الهند. وكتب في نهاية هذا الكتاب: «ما هو العالم الذي تريد العيش فيه؟ هل تعرفه حقيقة؟ ربما تعتقد أنك تعرفه. مهما يكن، الآن، فكر في أعماق نفسك. أنت طبيب نفسك، وخبير نفسك، ومستشار نفسك».


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».