نازحون في دمشق بعد «عشرة أيام هزت الغوطة»

{الشرق الأوسط} ترصد أوضاع أهالي شرق العاصمة السورية

نازحون من الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)
نازحون من الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)
TT

نازحون في دمشق بعد «عشرة أيام هزت الغوطة»

نازحون من الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)
نازحون من الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)

بدا محتارا وهو يقلّب برتقالة بيديه الصغيرتين ليحاول حشرها في جيب بنطاله. وعندما فشل خبأها تحت كنزته ثم أعاد إخراجها مجددا لبعض قشرتها برفق ويشم رائحتها ثم يعاود محاولة إخفائها عن عيون الناظرين إليه.
كان الطفل جالسا في عيادة طبية في ريف دمشق إلى جانب والدته وجده المتعبين. حاول أحد الموجودين في غرفة الانتظار مداعبة الطفل بأنه يريد قطعة من البرتقالة، فسأله الطفل باستغراب: «هل تعرف ما هذا؟». ثم التصق بأمه ليخبئ البرتقالة. لم تظهر الأم أي رد فعل، وهي تفسرّ للشخص الذي يداعب ابنها: «كنا في الغوطة والولد أمس تعرّف على البرتقال».
صمت ثقيل ساد في المكان بينما يحاول الجد منع نفسه من البكاء، وهو يسرد لمرافقه معاناتهم في الغوطة لا سيما في العام الأخير. كان يتحدث عن أبناء قتلوا وجيران لا تزال جثثهم تحت الأنقاض في الملجأ: «أمضينا عشرة أيام لا تنسى. الأجساد متكدسة إلى جانب بعضها البعض، شيوخ يئنون وأطفال يبكون، جوع قاتل وقصف، هناك من جنّ وفقد عقله».
وفي سياق حديثه بدا أن الرجل الستيني لم يتمكن من إقناع صهره بالخروج إلى دمشق، كما فعل عدد من الشبان من أقاربه، الذين اختاروا تسوية أوضاعهم والالتحاق بصفوف قوات النظام لتأدية خدمة العلم الإلزامية، قال الجد متنهدا: «الله يصلحه ويهديه، لو خرج كان بقي مع زوجته وابنه، لكنه لا يثق بالحكومة».
وهل الشباب الذين اختاروا تسوية أوضاعهم سمح لهم بدخول دمشق؟ سأل المرافق ليجيب الجد: «ما زالوا محتجزين.. ممنوع على الرجال من عمر 16 - 50 عاما مغادرة مكان احتجازهم في مراكز الإيواء قبل معرفة إذا كانوا مطلوبين للخدمة الإلزامية أو الاحتياط». ثم يستدرك: «إنه خيار صعب لكنه واضح، فالحرب بنهاياتها، أما الذاهبون إلى إدلب فمصيرهم مجهول لا نعرف إذا كان ممكنا خروجهم من سوريا، فإذا مكثوا هناك، المعركة الكبرى في إدلب قادمة عاجلا أم آجلا، وسيحصل هناك ما حصل في الغوطة وقبلها في حلب وغيرها».
الجد الستيني بدا أكبر من عمره بعشرين عاما، وهو يتحدث بهدوء حزين، متكئا بجسده النحيل على مسند الكرسي، فيما يروي وجهه الشاحب ولحيته الطويلة البيضاء قصة مأساة طويلة. فقد العديد من أفراد عائلته وعائلات أشقائه خلال السنوات الأربع الأخيرة في الغوطة. ويقول: «فقد الحبايب كسر ظهري.. بيوتنا دمرت مزارعنا احترقت كل شيء راح، وما بقي لنا سوى الأمل بالله».
كان يتمنى لو اقتنع ابنه وصهره بالخروج إلى مناطق سيطرة النظام، قائلا: «الحرب إما غالب أو مغلوب فلماذا نرفض الواقع»، لافتا إلى أنه حيال إصرارهما على الذهاب إلى الشمال، فرض عليهما أن يأتي هو مع النساء «بنات وزوجات أبناء، منهن أرامل معهن أكثر من عشرة أطفال، (بين سنة إلى عمر 14 عاما) جميعهم يحتاجون للعلاج بعد سنوات من الحصار والجوع والخوف لن أدعهم يذهبون إلى إدلب ليموتوا هناك، كفاهم تشريدا وخوفا وضياعا، على الأقل في الشام لدينا أقارب لا يتخلون عنا، وما العون إلا بالله... على الأقل نبقى قريبين من الغوطة».
وكان المتحدث الرسمي باسم «فيلق الرحمن» الذي ترك مقاتلوه جنوب الغوطة بموجب اتفاق مع روسيا، أوضح في بيان رسمي أن «الخروج من الغوطة لم يكن ضمن حساباتنا سابقا، وليس لديهم أي تصور عن مكان استقبالنا أو ما ستؤول إليه أمورنا».
وبلغ عدد الذين خرجوا من مدن وبلدات الغوطة الشرقية لغاية يوم الخميس 135 ألف مدني، بحسب مصادر في دمشق، ووصلت أمس إلى مراكز الإيواء في مدينتي أريحا ومعرة النعمان في محافظة إدلب، الدفعة السابعة من المهجرين من القطاع الأوسط بالغوطة الشرقية (جوبر وعربين وزملكا وعين ترما) التي كانت تحت سيطرة «فيلق الرحمن».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.