قضاة لبنان يتراجعون عن مقاطعة الانتخابات ويستمرون في تعليق المحاكمات

TT

قضاة لبنان يتراجعون عن مقاطعة الانتخابات ويستمرون في تعليق المحاكمات

حسم قضاة لبنان موقفهم الرامي إلى عدم مقاطعتهم الإشراف على الانتخابات النيابية، «التزاماً بمسؤولياتهم في الحفاظ على سير الحياة الديمقراطية باعتبارها أساس وجود لبنان»، وأكدوا أن القضاء «لن ينزع من المواطن حقّه الدستوري في اختيار ممثليه للندوة البرلمانية»، لكنهم استمرّوا في تعليق جلسات التحقيق والمحاكمات بانتظار ما سيصدر عن المجلس النيابي، مستثنين القضايا العائدة لموقوفين، حيث جددوا التزامهم «البت بها انطلاقاً من دورهم الإنساني والأخلاقي».
وأعلن رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي جان فهد، في كلمة ألقاها خلال انعقاد الجمعية العمومية لقضاة لبنان التي انعقدت ظهر أمس داخل قاعة محكمة التمييز في قصر العدل في بيروت، أن «الواقع الصعب للقضاء، دفع القضاة مكرهين للتوقف عن ممارسة مهامهم التي أقسموا اليمين على تأديتها دفاعاً عن العدالة وعن كراماتهم». وقال: «لقد شهد القاضي منذ العام 2012 على انتزاع ضماناته الاجتماعية، عبر إعادة النظر في التقديمات المعطاة له في صندوق تعاضد القضاة وغيره؛ ما جعل القاضي قلقاً على حاضره ومستقبله».
وأشار فهد، الذي ألقى كلمته بحضور أعضاء مجلس القضاء ورؤساء الهيئات القضائية وأكثر من 300 قاضٍ، إلى إن «الاعتكاف عن ممارسة المهام القضائية، ليس تباهياً بقوة أو تهديداً لسلطة، بل للفت النظر إلى أن ما يحصل، يدمّر ما تبقى من السلطة القضائية في حاضرها ومستقبلها». ورأى أن «الدليل على ذلك، انحسار عدد المتقدمين لمباراة الدخول إلى معهد الدروس القضائية من الطاقات الحقوقية الشابة، حتى أن أبناء القضاة من خريجي معاهد الحقوق يديرون ظهرهم للقضاء ويتوجهون للعمل في القطاع الخاص».
لكن الهواجس التي أثيرت غداة تلويح قضاة بيروت بمقاطعتهم الانتخابات النيابية المقررة في السادس من مايو (أيار) المقبل، فبددها أمس رئيس مجلس القضاء، الذي قال: «نؤكد للملأ أن الإشراف القضائي على سير العملية الانتخابية هو حاصل لا محالة، فليس القضاء من يعطل سير الحياة الديمقراطية في لبنان، التي هي أساس وجوده، وليس القضاء من ينزع من المواطن حقه الدستوري في اختيار ممثليه في المجلس النيابي، وليس القضاء من يمارس الظلم الذي يعاني منه على سلطة أخرى بمناسبة إعادة تكوينها»، مشيراً إلى أن «القضاء الذي يصدر أحكامه باسم الشعب اللبناني، يعتبر الإشراف على سير الانتخابات النيابية، واجباً على كل قاضٍ وهو خارج أي مساومة، وقائم بمعزل عن أي تطورات». وناشد رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة والنواب العمل على «إقرار مشاريع القوانين التي تقدم بها مجلس القضاء للحكومة وللبرلمان، ولا سيما تلك المتعلقة بالحفاظ على صندوق تعاضد القضاة وزيادة موارده وتفعيل مبدأ استقلالية القضاء، وتأكيد حتمية التعامل معه كسلطة دستورية».
كلمة رئيس السلطة القضائية التي انطوت على كثير من الدبلوماسية، وافق على مضمونها كل القضاة، لكن بعضهم اعتبر أنها لم تحدد مسار التحرّك للمرحلة المقبلة، وهم ميّزوا بين التصعيد ودورهم في الانتخابات، حيث أكد مصدر قضائي رفيع لـ«الشرق الأوسط»، أن «تعسّف السلطة السياسية وتجاهل حق القضاة المادي والمعنوي، لن يكون حافزاً لدفع القضاة إلى تعطيل الانتخابات، التي ربما يرغب البعض في تعطيلها». ولم يخف المصدر أن بعض القضاة «حاولوا الدفع باتجاه مقاطعة الانتخابات كوسيلة ضغط قوية على السياسيين لتحصيل حقوقهم، لكن ذلك لا يلزم كلّ القضاة». وقال: «أي قاضٍ يود الاعتكاف عن دوره في الرقابة على الانتخابات، عليه أن يبلغ مجلس القضاء بكتاب رسمي قبل أسبوعين من بدء الانتخابات ليصار إلى تعيين بديل عنه».
وفيما خصّ المضي بالنظر في دعاوى الموقوفين، قال عضو في مجلس القضاء الأعلى لـ«الشرق الأوسط»، إن «حق الموقوف مسألة إنسانية، تسمو على حقوق القاضي وحتى على كرامته، فبعض الموقوفين قد يكونون استنفدوا مدة عقوبتهم، وبعضهم ربما أوقف على شبهة وبات مستوجباً إطلاق سراحه، وهذا أمر يستدعي التعاطي معه بمسؤولية بعيداً عن الاعتبارات الأخرى»، مذكراً بأن «الواجب المهني والأخلاقي والإنساني، يفرض على القاضي عدم مقاطعة جلسات الموقوفين، حتى لو حرمته الدولة راتبه الشهري».
وتتعاظم معاناة القضاة حيال أمور كثيرة، حيث أوضح أحد القضاة المشاركين في الجمعية العمومية لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشكلة القاضي تبدأ من حرمانه موقفاً لركن سيارته عند وصوله إلى عمله، مروراً بمباني قصور العدل المترهلة، والمكاتب وقاعات المحاكم التي ترشح ماءً». ولفت إلى «معظم المصاعد الموجودة في قصور العدل معطلة، والتي تعمل غالباً ما تتوقف خلال استعمالها بما يهدد حياة من فيها، وصولاً إلى غياب النظافة عن دورات المياه، وانقطاع المياه عنها بشكل شبه دائم، عدا عن أن كل مكتب يشغله ثلاثة قضاة بالحدّ الأدنى».
الصوت العالي في قصر العدل، تردد صداه بقوّة داخل القاعة العامة لمجلس النواب خلال مناقشة قانون موازنة عام 2018، حيث اعترف رئيس الحكومة سعد الحريري بحق القضاة بما يطالبون به، لكنه أعلن رفضه الإضراب المستمر منذ أكثر من أسبوع، وقال: «هذه المرة الثانية التي يعتكف فيها القضاة عن ممارسة مهامهم، وهذا لم يحصل إلا في لبنان». وهنا تدخّل رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وأوضح أن القضاة «محقون في مطلب منحهم ثلاث درجات أسوة بالدرجات التي حصل عليها موظفو القطاع العام، ومسألة الحفاظ على إيرادات صندوق تعاضد القضاة، وتعزيز استقلالية السلطة القضائية».
من جهته، اعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر، أن «القضاء هو سلطة دستورية، لكن الاستقلالية تكون من ضمن تكامل وتعاون السلطات الدستورية فيما بينها، لا أن تكون كلّ سلطة منفصلة كلياً عن الأخرى». وهنا قال وزير العدل سليم جريصاتي «بالنسبة للسلطة القضائية الموضوع ليس استنسابياً. نحن ننادي باستقلال السلطة القضائية». فردّ الجسر «هذا الكلام خطير، فالدستور لا يتكلم عن استقلالية السلطات، بل عن فصل وتعاون وتوازن بينها، وإذا تكلمنا عن سلطة مستقلة، فلا يمكن لأي سلطة أخرى أن تحاسبها».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.