«سماسرة التزوير» ظاهرة سلبية غابت عن الانتخابات

TT

«سماسرة التزوير» ظاهرة سلبية غابت عن الانتخابات

خلت عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، من أي «خروقات» قد تمثل إخلالاً بالعملية الانتخابية، باستثناء تجاوزات، وصفها متابعون بأنها «هامشية»، مثل تأخر فتح باب اللجان لمدد محدودة، وتوجيه الناخبين للتصويت لمرشح بعينه، لكنهم كشفوا عن أن الأجواء العامة خلال اليومين الماضيين لم تشهد وجود ما كان يعرف في السابق بـ«سماسرة التزوير»، أو «البطاقة الدوارة».
واحتفت تقارير لجان المتابعة الميدانية للجمعيات والائتلافات والمراكز الحقوقية، أمس، بـ«الجوانب الإيجابية»، التي لمستها أمام المقار الانتخابية، مثل تخصيص أماكن لاستقبال كبار السن، وتوفير وسائل مساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، وإقامة مظلات لحماية الناخبين من أشعة الشمس.
وقال محمد فائق، رئيس المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، إن الغرفة المركزية التي شكلها مجلسه لمتابعة الانتخابات، تلقت كثيرا من الملاحظات من أعضاء المجلس الذين تفقدوا بعض اللجان، فضلاً عن تلقيها شكاوى من بعض المواطنين، ومتابعي منظمات المجتمع المدني تمثلت في «قصور إداري في عدد من مقار اللجان الانتخابية بالمحافظات».
وأضاف فائق، لوسائل الإعلام المصرية، عقب اقتراعه في معهد فتيات مصر الجديدة الأزهري، أمس، أنه تم إحالة جميع الملاحظات والشكاوى الواردة إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، لافتاً إلى أن المجلس سيصدر تقريراً نهائياً مع نهاية الاقتراع يتضمن جميع التفاصيل التي شهدتها العملية الانتخابية في أنحاء البلاد.
وتابع: «الناس عارفة السكة لصناديق الاقتراع، ونتمنى إن أكبر عدد ممكن ينزلوا ويقولوا رأيهم»، مستدركاً: «المشاركة حق من حقوق الإنسان، وإن غرفة عمليات المجلس لم ترصد أي تجاوزات، وكانت معظم الرسائل والاتصالات التي تلقتها استفسارات حول اللجان وأماكنها». وانتهي رئيس المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، قائلاً: «نؤدي واجبنا باحترافية كاملة، ولا ننزعج من أي تقارير دولية تجاه مصر».
كانت قد انطلقت صباح أمس الاثنين الانتخابات الرئاسية 2018، التي يتنافس فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمرشح موسى مصطفى موسى، وتستقبل اللجان الفرعية على امتداد محافظات مصر 59 مليون ناخب تشملهم قاعدة بيانات الناخبين، من الاثنين حتى الأربعاء، ومن المنتظر إعلان نتيجة الجولة الأولى الاثنين المقبل 2 أبريل (نيسان).
ورأى المحامي طارق زغلول أن عملية الاقتراع خلال اليومين الماضيين، لم تسجل «أعمال تزوير»، بواسطة ما كان يعرف بـ«الاستمارة الدوارة»، بجانب اختفاء «سماسرة شراء الأصوات» لصالح أحد المرشحين كما كان يحدث في الانتخابات سابقة، وأرجع ذلك إلى عدم وجود تنافس بين عدد كبير من المرشحين. وأضاف زغلول لـ«الشرق الأوسط» أن هذه «الحيل كانت تجري في أوقات سابقة شهدت احتدماً في المنافسة، لكن في ظل توجه الكتلة الأكبر من الناخبين إلى الاقتراع لصالح (مرشح بعينه) فإنه لم تعد هناك ضرورة لمثل هذه الحيل المرفوضة».
وعُرفت «الاستمارة الدوارة» في الانتخابات الرئاسية 2012. وطريقة التزوير تتمثل في وضع بطاقة مُعدة سلفاً في صناديق الاقتراع مقابل مبلغ مالي يتقاضاه الناخب على أن يخفي البطاقة الجديدة في ملابسه، ويتسلل بها بيضاء ويمنحها لأنصار المرشح أمام المقار الانتخابي ليتم إعدادها مجدداً وإعطاؤها لناخب آخر.
وتحدثت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في تقريرها عن «نقاط إيجابية» شهدتها عملية الاقتراع، لكنها قالت كانت هناك «تجاوزات» مثل تأخر فتح أبواب اللجان أمام الناخبين لمدة محدودة في محافظة الأقصر (جنوب البلاد) بسبب تأخر وصول مستشار رئيس اللجنة. ورصدت المنظمة في تقريرها وجود أنصار أحد المرشحين (لم تسمه) من حزب «مستقبل وطن» في محافظة المنيا يوجهون الناخبين للتصويت لصالح مرشحهم، مشيرة إلى أن متابعيها رصدوا وجود عدد من الشباب يرتدون «تي شيرتات» عليها صور أحد المرشحين، في إشارة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، مرددين هتافات «تحيا مصر»، وكذا وجود لافتات لـ«حملة وطن» الداعمة للمرشح نفسه تدعو الناخبين للتصويت لصالح مرشحهم أمام مدرسة الهرم الثانوية الزراعية في محافظة الجيزة.
وذهب ائتلاف «نزاهة» لمتابعة الانتخابات الرئاسية، أن فريق المتابعين أشادوا «بتسهيل إجراءات تصويت ذوي الإعاقة وكبار السن».
وقال الائتلاف، الذي يتكون من جمعيات حقوقية محلية وعربية ودولية، في تقريره، أمس، إن نسبة المشاركة في بعض لجان بمحافظة سوهاج ارتفعت في اليوم الأول، خاصة في لجنة مدرسة النهضة للغات، ومدرسة أم المؤمنين رقم 13. وأرجع ذلك إلى قيام حزب «مستقبل وطن» باستئجار سيارات لتوصيل الناخبين إلى مراكز الاقتراع، فيما حملت تلك السيارات صور الرئيس السيسي. ولفت إلى أن محافظة القاهرة شهدت انتشاراً للأغاني الوطنية وسط ازدحام للناخبين أمام مقار اللجان المختلفة، في اليوم الأول، في منطقة حلوان، فضلاً عن ملاحظة انتشار الأطفال أمام اللجنة يرقصون على أنغام الأغاني الوطنية، ويهتفون حاملين أعلام مصر.
وقال «الائتلاف» إن متابعيه المنتشرين في 13 محافظة لم يواجهوا مشكلات في عميلة المراقبة السياسية، لكنهم رصدوا انتشار مكبرات صوتية يحملها «التوك توك» وتدعو المواطنين للمشاركة في الانتخابات، دون الإشارة إلى مرشح بعينه.
وائتلاف «نزاهة» مكون من منظمات «ماعت» للسلام والتنمية وحقوق الإنسان (مصر)، و«متطوعون بلا حدود» (لبنان) و«المسكونية» لحقوق الإنسان (سويسرا) الذي يتابع مجريات العملية الانتخابية في مصر من خلال غرفة عمليات مركزية، ومجموعة من فرق المتابعة الدولية، فضلاً عن عدد كبير من المتابعين الميدانيين المنتشرين في ثلاث عشرة محافظة.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.