تكهنات بتغييرات جديدة في إدارة ترمب

الكونغرس يطالب «سي آي إيه» بمعلومات «سرية» عن هاسبل

TT

تكهنات بتغييرات جديدة في إدارة ترمب

شهدت الأسابيع القليلة الماضية تغيرات واسعة في تشكيلة الإدارة الأميركية والفريق المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، شملت إقالة ريكس تيلرسون وترشيح مدير «سي آي إيه» مايك بومبيو بدله لمنصب وزارة الخارجية، واستبدال السفير السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون، بهيربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي السابق.
ورجّحت مصادر مقربة من البيت الأبيض أن هذه التغييرات ستستمر، لتشمل وزيرا أو اثنين خلال الأيام والأسابيع المقبلة. وتحدثت هذه المصادر على وجه الخصوص عن وزير الإسكان والتنمية الحضرية بن كارسون، فضلا عن وزير شؤون المحاربين القدامى ديفيد شولكين الذي لاحقته بعض الاتهامات حول ممارسات مالية غير قانونية وقبوله بعض الهدايا وسفر زوجته إلى أوروبا معه على نفقة دافعي الضرائب الأميركيين.
ولا تزال هناك تكهنات حول بقاء جون كيلي، كبير موظفي البيت الأبيض، في منصبه، خاصة بعد دفاعه عن روبرت بورتر مستشار الرئيس الذي استقال على خلفية فضيحة اعتدائه بالضرب على زوجتيه السابقتين.
واقترح مسؤولون في البيت الأبيض أسماء عدد من المرشحين لتولي منصب وزير شؤون المحاربين القدامى، ومنهم العسكري السابق بيت هيغسيث الرئيس التنفيذي السابق لجمعية المحاربين القدامى من أجل أميركا، والنائب السابق جيف ميلر الذي شغل منصب رئيس لجنة شؤون المحاربين القدامى في مجلس النواب، والجنرال المتقاعد كيث كيلوغ، ومايكل كوسمان وكيل وزارة الصحة السابق، وتوبي كوسغروف الرئيس السابق لشركة «كليفلاند كلينيك». وتعد وزارة شؤون المحاربين القدامى ثاني أكبر إدارة حكومية، ويعمل بها أكثر من 370 ألف موظف، وتقدم خدمات لأكثر من 9 ملايين من المحاربين العسكريين القدامى في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وفي حال رحيل شولكين من منصبه، فإن توم بومان نائب وزير شؤون المحاربين القدامى سيتولى المنصب بالإنابة، إلى أن يؤكد مجلس الشيوخ ترشيح الرئيس ترمب لمن سيشغل منصبه. وقد تعهد ترمب خلال حملته الانتخابية بإصلاح وزارة شؤون المحاربين، واعتبرها الوزارة الأكثر فسادا ووعد بتوفير مزيد من امتيازات الرعاية الصحية.
وكما جرت العادة في إدارة ترمب قبل إعلان خروج أحد المسؤولين، أكد هوغان غيدلي نائب المتحدث باسم البيت الأبيض التأكيد أن الرئيس لديه ثقة كاملة في ديفيد شولكين، رغم التقارير التي تشير إلى قرب إقالته. وقال غيدلي: «كلنا نعمل وفق إرادة الرئيس، وإذا كان غير راض عن أحد فسوف تعرفون».
ومنذ تولّي ترمب السلطة في يناير (كانون الثاني) 2017، شهد البيت الأبيض تغييرات أدت إلى خروج عدد كبير من المسؤولين الرفيعين، بينهم مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأسبق، وشون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض، وراينس بريبس كبير موظفي البيت الأبيض، وغاري كوهين كبير المستشارين الاقتصاديين.
على صعيد متصل، طلب أعضاء من مجلس الشيوخ معلومات سرية من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، عن المرشحة لإدارتها جينا هاسبل، بعد أن اختار ترمب مدير الوكالة بومبيو ليتسلم حقيبة الخارجية بعد تيلرسون.
وتنظر لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ في ترشيح هاسبل، في إطار الإجراءات المعتمدة للمصادقة على تعيينها مديرة لـ«سي آي إيه».
ويلقى ترشيح هاسبل مقاومة من قبل أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ويرغب هؤلاء في الاطلاع على دور هاسبل في استخدام أساليب استجواب قاسية ضد المعتقلين في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن. وكان الكونغرس قد أصدر قرارا بمنع ما كان يعرف باسم «أساليب الاستجواب المعززة»، وهي تسمية لأساليب تحقيق قاسية تكاد تصل إلى حد التعذيب. ولم يحصل الشيوخ على رد من وكالة الاستخبارات المركزية حتى الآن.
وأرسل السيناتور الجمهوري جون ماكين رسالة بها ثمانية أسئلة موجهة إلى هاسبل، من ضمنها سؤال حول تدميرها لأشرطة مسجلة تظهر فيها عملية استجواب قاسية لقياديين إرهابيين.
وجون ماكين ليس العضو الوحيد في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الذي لديه تحفظات حول هاسبل، إلا أنه يتمتع بمكانة خاصة في الكونغرس، لكونه بطل حرب أسره الفيتناميون لخمس سنوات، وعانى خلالها من التعذيب.
من جانب آخر، أظهر استطلاع رأي جديد لشبكة «سي إن إن» أن شعبية الرئيس ترمب ارتفعت إلى 42 في المائة، وهي الأعلى منذ تسلمه مهامه بصفته رئيسا أميركيا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟