مصارف الإمارات تستعد لجولة جديدة من تمويل نمو الاقتصاد

بعدما تأقلمت مع أسعار النفط

هناك توقعات بتحسن الأوضاع النقدية خلال عام 2018 وذلك يرجع إلى تحسن الثقة
هناك توقعات بتحسن الأوضاع النقدية خلال عام 2018 وذلك يرجع إلى تحسن الثقة
TT

مصارف الإمارات تستعد لجولة جديدة من تمويل نمو الاقتصاد

هناك توقعات بتحسن الأوضاع النقدية خلال عام 2018 وذلك يرجع إلى تحسن الثقة
هناك توقعات بتحسن الأوضاع النقدية خلال عام 2018 وذلك يرجع إلى تحسن الثقة

تأقلم القطاع المصرفي الإماراتي مع أسعار النفط المتدنية نسبياً، قياساً بما كانت عليه في عام 2014. كما من المتوقع أيضاً أن يساهم القطاع في تقديم المزيد من الدعم للنمو الاقتصادي هذا العام.
ويأتي ذلك بعد تباطؤ نمو الائتمان مقترباً من تسجيل أدنى مستوى له عند 0.5 في المائة على أساس سنوي في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي وفقاً لتقرير صادر عن مركز أبحاث ودراسات بنك الكويت الوطني، وذلك بعد أن كان سجل أعلى مستوى له في منتصف العام 2015 البالغ 11 في المائة على أساس سنوي وفقاً لبيانات صادرة عن مصرف الإمارات المركزي.
وأرجع التقرير هذا التباطؤ إلى عدد من العوامل. فقد تأثر الطلب على الائتمان بسبب الهبوط الذي شهدته أسعار النفط في منتصف العام 2014، والذي أدى إلى اعتدال نمو الاقتصاد غير النفطي حتى بلغ 3 في المائة في الفترة ما بين العام 2015 إلى العام 2017. بعد أن كان يبلغ 5 في المائة على أساس سنوي في المتوسط خلال الفترة من العام 2013 حتى العام 2014. كما كان «هدوء» سوق العقار أحد العوامل المهمة لتباطؤ نشاط الائتمان.
إضافة إلى ذلك، قامت البنوك بزيادة الضوابط على الإقراض نتيجة تباطؤ نمو الودائع وشحّ الأوضاع التمويلية، وذلك تزامناً مع وجود ضوابط جديدة للتحكم بسقف قروض الرهن العقاري. وأخيراً، تم رفع سعر إعادة الشراء أربع مرات في أعقاب رفع الفائدة من قبل مجلس الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي)، مما أدى إلى ضيق السيولة وارتفاع الفائدة في الأسواق.
وتشير بيانات القطاعات الأخيرة لشهر ديسمبر (كانون الأول) 2017، إلى تراجع نمو الائتمان الممنوح للكثير منها، كالقطاع المالي، والتسهيلات الشخصية (بما فيها الرهن العقاري) والقطاعات التجارية. إذ يعكس بعض التراجع في الائتمان الشخصي والتجاري، تراجع نشاط قطاع المستهلك الذي تأثر بخفض الدعم الحكومي المقدم لعدد من السلع والخدمات، ومن العوامل أيضاً بطء سوق العمل.
بالمقابل، حافظ الائتمان الممنوح لقطاع البناء والتشييد على قوته بدعم من نشاط المشاريع المتزايد استعداداً للمعرض الدولي المزمع إقامته في دبي «إكسبو 2020»، والذي استدعى زيادة ملحوظة في وتيرة المشاريع الإنشائية.
من جهة أخرى، يقول التقرير إن بيانات الودائع أظهرت صورة أفضل، إذ شهد نمو الودائع تعافياً ثابتاً، مسجلاً ارتفاعاً جيداً ليصل إلى 4 في المائة في العام 2016 و7 في المائة العام الماضي، وذلك مقارنة بمستواه المسجل في منتصف العام 2015 والبالغ 2 في المائة فقط، على أساس سنوي. وكما في نمو الائتمان، جاء نمو الودائع أيضاً متفاوتاً. إذ كانت الودائع الحكومية، المحرك الرئيسي لنمو الودائع، وذلك نتيجة ارتفاعها خلال العام الماضي بدعم من ارتفاع الإيرادات النفطية وإصدارين سياديين ضخمين من أبوظبي في العامين 2016 و2017. أما نمو ودائع القطاع الخاص، فقد ظل متدنياً، كما أنه تباطأ في 2016 و2017.
ورغم تفاوت نمو الودائع حسب القطاعات، فقد ساهم إجمالي نموها في تحسين البيئة التمويلية للقطاع المصرفي. فقد تراجعت نسبة الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول لتبلغ 14 في المائة خلال الربع الثالث من العام 2015 بعد تراجع أسعار النفط، ولكنها تعافت لاحقاً لتتجاوز 18 في المائة بحلول نهاية العام 2017؛ إذ يوفر ذلك دعماً جيداً لتدفقات الودائع قريبة المدى. في الوقت نفسه، تراجعت نسبة القروض إلى المصادر الثابتة من نسبة تجاوزت 88 في المائة في الربع الثالث من العام 2015 لتصل إلى 85 في المائة بحلول نهاية العام الماضي، مما منح مجالاً أكبر لنشاط الإقراض المصرفي.
على صعيد الأداء، استطاعت البنوك أن تسجل نتائج مالية جيدة خلال العام الماضي في ظل كل تلك الظروف. فقد ارتفع صافي أرباح أضخم خمسة بنوك بواقع 6 في المائة في العام 2017. ومع استثناء أرباح بنك أبوظبي الأول (الأكبر) والذي نتج عن عملية دمج بنكي أبوظبي الوطني وبنك الخليج الأول، يتبين أن الأرباح قد ارتفعت بواقع 12 في المائة. وقد تلقت الأرباح دعماً من ارتفاع صافي دخل الفائدة مع ارتفاع أسعار الفائدة التي ساهمت في التعويض عن الأثر الذي خلفه أثر تباطؤ الإقراض في الأرباح.
كما سعت البنوك أيضاً لتطبيق بعض الخطوات الترشيدية للتقليل من التكاليف، غير أن بعض المصروفات ارتفعت بفعل الاستثمار في مجال التكنولوجيا، بالإضافة إلى تكاليف الدمج لإنشاء بنك أبوظبي الأول. وأخيراً، من المحتمل أن يتراجع الارتفاع الذي شهدته تكاليف انخفاض القيمة الناتج عن هبوط أسعار النفط في العام 2014.
وهناك توقعات بتحسن الأوضاع النقدية خلال العام 2018 ويرجع ذلك إلى تحسن الثقة، حيث يشير المسح الذي أجراه مصرف الإمارات المركزي حول الائتمان إلى استمرار تراجع وتيرة ضيق الضوابط الائتمانية خلال الفترات الفصلية الماضية، ومن المتوقع أن تشهد المزيد من الاعتدال في الربع الأول من العام 2018. الأمر الذي قد يساهم في تسهيل الحصول على الائتمان، خاصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يعكس بدوره زيادة الثقة في آفاق الاقتصاد.
كما يبدو أن مستويات السيولة أيضاً تحظى بدعم جيد. إذ ساهم ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى من 60 دولاراً للبرميل نتيجة اتفاقية التحكم بالإنتاج بين الدول المنتجة الممتدة حتى نهاية العام 2018، في دعم نمو الودائع وتقليل حاجة الحكومة للاقتراض. وبالفعل، فقد ارتفع إصدار وثائق الودائع من قبل مصرف الإمارات المركزي بواقع 25 في المائة على أساس سنوي في ديسمبر (كانون الأول)، مشيراً إلى اعتزامه إزالة فائض السيولة من القطاع.
ومن المفترض أن يتلقى القطاع المصرفي دعماً من نمو القطاع غير النفطي المتوقع ارتفاعه هذا العام بواقع 3.7 في المائة، مقارنة بالنسبة المقدرة للعام 2017 البالغة 3.3 في المائة، ويتمثل ذلك الدعم في خفض القروض المتعثرة ودعم نمو الائتمان، حيث يشير مسح الائتمان الذي أجراه مصرف الإمارات المركزي إلى تعافي الطلب على الائتمان بصورة تدريجية، مع قوة الائتمان الممنوح لقطاعي البناء والتشييد والعقار. ومن المحتمل أيضاً أن يساهم النمو السريع في دفع وتيرة نمو ودائع القطاع الخاص البطيئة.
وعلى الرغم من أن الصورة العامة للقطاع المصرفي تبدو جيدة، إلا أن هنالك الكثير من العوامل الأخرى التي قد تفرض ضغوطاً على النشاط. إذ من الممكن أن يستمر هدوء أسعار العقار خلال العام الحالي مما قد يتسبب في الضغط على القروض العقارية واستمرار فرض المخاطر على الائتمان. في الوقت نفسه، من المتوقع أن تُرفع أسعار الفائدة في أميركا والإمارات بواقع مرتين هذا العام على أقل تقدير (بحكم ارتباط صرف العملة)، وقد يؤدي ذلك إلى بعض الضيق النسبي في مستويات السيولة.
وتشير وكالات التصنيف العالمية إلى الكثير من التحديات الهيكلية الماثلة أمام البنوك الإماراتية رغم تقييمها الجيد للقطاع بشكل عام، حيث إنه على سبيل المثال، تستوفي جميع البنوك شروط «بازل 3» لرؤوس الأموال. وتشمل تلك التحديات ارتفاع نسبة تركيز القروض (من ضمنها الممنوحة للشركات الحكومية) وبعض متطلبات الشفافية لدى الكثير من الجهات المقترضة الضخمة.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.