«أصوات الاستقرار» تتحدى «دعوات المقاطعة»

TT

«أصوات الاستقرار» تتحدى «دعوات المقاطعة»

مذيَّلة بعبارة «من أجل الاستقرار والقضاء على الإرهاب»، وضع صاحب المقهى الخمسيني جمال المصري، لافتة كبيرة في مدخل مقهاه يدعم بها ترشح الرئيس السيسي لولاية ثانية. في إعلان رسمي عن عزمه على المشاركة في الانتخابات التي انطلقت، أمس، ورفضه دعوات للمقاطعة وجهتها قوى معارضة.
وتمثل نسبة المشاركة، التحدي الأبرز للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي لن يجد صعوبة في الفوز بولاية ثانية، ضد مرشح كان مؤيداً سابقاً له، بعد انسحاب عدد من المرشحين الآخرين، حسب مراقبين.
ودعت أحزاب معارضة وشخصيات سياسية، بينها المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، قبل نحو شهرين، إلى مقاطعة الانتخابات بسبب ما اعتبرته «غياباً لضمانات المنافسة». وترفع تلك الأحزاب، التي تنضوي تحت ما يسمى «الحركة المدنية الديمقراطية»، شعار «خليك في البيت».
غير أن مدحت، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، من أمام مقهاه بحي العجوزة بالجيزة، قال: «مصر بحاجة إلى مزيد من الاستقرار... صحيح نعيش في ظروف صعبة بسبب حالة الغلاء التي طالت كل شيء، لكن المقاطعة تعني العودة لنقطة الصفر مرة أخرى، ودخول البلاد في صراع جديد نحن في غنى عنه».
وفي أكثر من خطاب ألقاه خلال الأيام الماضية، حثّ الرئيس السيسي المصريين على المشاركة في الانتخابات أياً كان رأيهم.
وتشكل الحرب التي يخوضها الجيش المصري ضد الجماعات الإرهابية في شمال سيناء، حافزاً قوياً لكثير من المصريين على المشاركة. ووفقاً لجمال فإن «التصويت في تلك الانتخابات بمثابة تفويض مفتوح للرئيس السيسي للقضاء على الإرهاب».
وأطلقت القوات المسلحة المصرية، بمعاونة الشرطة، عملية «سيناء 2018» في 9 فبراير (شباط) الماضي، قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية. وقال السيسي يوم الجمعة الماضي إن «فترته الرئاسية الأولى ثبّتت الدولة وعزّزت مؤسساتها». وأضاف السيسي، في أثناء زيارته قاعدة جوية في سيناء، إن «المتشددين سيُهزَمون قريباً».
من جهته، اعتبر اللواء يونس الجاحر، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري، أن «مشاركة المواطنين في الانتخابات الرئاسية، والإدلاء بأصواتهم واستخدام حقهم التشريعي يعد رسالة لقوى الشر على عودة مظاهر الدولة بكامل صورتها». مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «المشاركة الكثيفة تعد أبلغ رد على كل الدعوات المشبوهة التي انطلقت مؤخراً وتطالب بمقاطعة الانتخابات الرئاسية»، وأن «تصويت المصريين في الخارج بكثافة، قبل أيام، كان بدافع القضاء على الإرهاب نهائياً، ووضع أسس جديدة لتحقيق مزيد من الاستقرار في الدولة».
وأبرزت وسائل الإعلام المصرية كثافة مشاركة المصريين في الخارج قبل نحو 10 أيام وعرضت مشاهد احتفالية في العديد من الدول.
بدوره، اعتبر مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن دعوة مقاطعة الانتخابات ليس لها مبرر، موضحاً أن «السيسي ليس له ذنب في عدم وجود منافسين»، وطالب المواطنين بالخروج بكثافة للتصويت في الانتخابات، لافتاً إلى أن الخروج هو أعظم رد على الأعمال الإرهابية. وأكد أن دعوات مقاطعة الانتخابات «فاشلة ولا بد من التصدي لها، والنزول لتأكيد مصداقية وديمقراطية الانتخابات».
في المقابل، يرى معارضون أن الانتخابات محسومة مسبقاً، وأن المشاركة فيها تمنح غطاءً للنظام الحالي للاستمرار في قمع معارضيه. ويقول السفير معصوم مرزوق، القيادي بـ«التيار الشعبي»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القوى المدنية تدرك أنه لم تعد هناك انتخابات، بعد أن خلت الساحة أمام السيسي».
وسبق أن عبّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد هذا الشهر عن قلقه مما وصفه بـ«مناخ الترهيب» في مصر، ودعا إلى مزيد من احترام حريات وحقوق المصريين الأساسية. وهو التصريح الذي واجه هجوماً لاذعاً من السلطات في مصر. حيث وصفته وزارة الخارجية بـ«الادعاءات الواهية»، وقالت في بيانها إن «مصر تستنكر محاولة النيل من مصداقية ونزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة دون دليل أو معلومات موثقة».



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.