التوتر التجاري والجيوسياسي العالمي يعزز مكاسب النفط والذهب

البورصات تراجعت بشكل حاد... والدولار الضعيف يعزز منافسيه

منصات حفر في حقل نفطي بالولايات المتحدة الأميركية (رويترز)
منصات حفر في حقل نفطي بالولايات المتحدة الأميركية (رويترز)
TT

التوتر التجاري والجيوسياسي العالمي يعزز مكاسب النفط والذهب

منصات حفر في حقل نفطي بالولايات المتحدة الأميركية (رويترز)
منصات حفر في حقل نفطي بالولايات المتحدة الأميركية (رويترز)

يبدو المشهد الجيوسياسي مقلقاً بشكل متزايد، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض رسوم جمركية بقيمة 50 مليار دولار على السلع صينية الصنع. وسارعت الصين للرد باستهداف 3 مليارات دولار من الصادرات الأميركية، وتنظر في اتخاذ تدابير انتقامية إضافية.
وعزز تعيين شخصيات مقرّبة من ترمب، والمعروفة بمناهضتها العلنية لإيران، من إمكان إعادة فرض عقوبات أميركية على إيران في موعد أقصاه 12 مايو (أيار) المقبل؛ حيث حلّ مايك بومبيو بدلاً من ريكس تيلرسون في منصب وزير الخارجية، بينما تولى جون بولتون منصباً مهماً كمستشار للأمن القومي خلفاً للجنرال هربرت ماكماستر.
وقال تقرير صادر عن «ساكسو بنك»: «سرعان ما استجابت السوق لهذه المتغيرات، فتراجعت أسعار الأسهم بشكل حاد، إذ خسر مؤشر داو جونز للمعدل الصناعي 700 نقطة، فيما تراجع مؤشر (إس آند بي) بنسبة 2.5 في المائة بعد موجة بيع. ومن ناحية أخرى، ارتفع الطلب على أصول الملاذات الآمنة. وتراجع عائد السندات الأميركية ذات مدة 10 سنوات إلى 2.8 في المائة، فيما كسر الين الياباني عتبة الـ105 مقابل الدولار للمرة الأولى منذ انتخاب ترمب رئيسا. وتلقى الين دفعة نتيجة لانخفاض مراكز البيع على المكشوف». وجاءت التداولات وفق مؤشر «بلومبيرغ» للسلع أكثر ليونة على مدار الأسبوع، استجابة للأحداث الجارية خلاله، مما أدى إلى ارتفاع تداولات النفط الخام نتيجة للتهديد الإيراني، وانخفاض مستوى الإمدادات وأسعار المعادن الصناعية، وعرقلة توقعات النمو العالمي. ولعبت هذه التطورات دوراً كبيراً في دعم أسعار الذهب مع تغطية قصيرة عقب الزيادة الحذرة لأسعار الفائدة الأميركية، مما وفر دفعة إضافية للأسعار.

معركة «فول الصويا»

وكانت السلع الزراعية أضعف بشكل عام، مع تدهور قطاع الحبوب، بعد أن ساعدت المخاوف من اندلاع حرب تجارية وتراجع القواعد الأساسية في جني الأرباح من المتداولين المضاربين. وعلى مدى ثمانية أسابيع وصولاً إلى 13 مارس (آذار)، غيّرت الصناديق مراكزها في ثلاثة محاصيل رئيسية، هي القمح والذرة وفول الصويا.
وتجاوز صافي عقود الذرة وفول الصويا مستوى هو الأعلى له منذ نحو أربع سنوات. وكان من الصعب الحفاظ على مركز بمثل هذا الحجم، وفقاً للتاريخ الحديث؛ وكثيراً ما أدى إلى انعكاسات حادة.
وتعتبر الصين أكبر مشترٍ لفول الصويا الذي تنتجه الولايات المتحدة، وهي تجارة تبلغ قيمتها نحو 15 مليار دولار سنوياً. ويمكن لأي تصعيد باندلاع حرب تجارية أن يدفع الصين نحو محاولة استيراد مزيد من فول الصويا مستعينة بمورّدين من أميركا الجنوبية. ومع ذلك، يبدو هذا السيناريو مستبعداً على نطاق واسع، نظراً لصعوبة تلبية كامل الطلب الصيني على هذا المحصول من جهات خارج أميركا.

النفط يرتفع بدعم جيوسياسي

هذا وقد ارتفعت أسعار النفط الخام بعد عدة أسابيع من السبات، وبدأ الارتفاع بعد نجاح خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت في اجتياز مستويات فنية رئيسية، وبعد تلقي الدعم الأساسي من خلال التركيز المتجدد على انقطاع الإمدادات. وتشير التوقعات إلى احتمال أن تعمد واشنطن إلى إعادة فرض عقوبات ضد إيران في 12 مايو المقبل، مما قد يضرّ بقدرة طهران على إنتاج وتصدير النفط الخام. ويزداد إمكان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي وقعته مع إيران، في أعقاب قرار ترمب بتعيين وزير خارجية جديد ومستشار للأمن القومي، من الشخصيات المعروفة بمعاداتها العلنية لإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية.
ومع ذلك، يتوقع أن تتأثر قدرة إيران على استقطاب رأس المال الأجنبي الإضافي اللازم للمحافظة على الإنتاج، ناهيك عن توسيعه، بابتعاد المستثمرين الأجانب؛ باستثناء متوقع من روسيا والصين.
وقال التقرير: «في ضوء الأحداث الجارية، يحظى عزم الصين إطلاق عقود نفط آجلة مقوّمة باليوان، والتي طال انتظارها، في 26 مارس الجاري، بقدر كبير من الاهتمام والترقّب. لقد أصبحت الصين بالفعل أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وسيكون كبار المصدّرين، وعلى رأسهم إيران وروسيا، مسرورين جداً بالتحايل على البترودولار. وكما اقتضت الحال دوماً مع إطلاق عقود آجلة جديدة، يعتمد نجاحها إلى حد كبير على قدرتها في استقطاب المنتجين والباحثين عن التحوّط والمضاربين الذين وجودهم ضروري لتوفير السيولة اللازمة».
ويمكن أن يصل هدف ارتفاع أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى 71 دولاراً للبرميل، وتعتمد إمكانية حدوث ذلك على مدى استمرار السوق في التركيز على تعطل الإمدادات، بالمقارنة مع الزيادة المستمرة في الإنتاج من الدول غير الأعضاء في «أوبك»، والمخاطر التي قد تؤثر على نمو الطلب في المستقبل جراء اندلاع حرب تجارية عالمية.

الذهب ينشط مع تراكم السحب

وعلى غرار مناسبات سابقة، استجابت أسعار الذهب مجدداً بشكل إيجابي لارتفاع آخر في أسعار فائدة الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي). وفيما اجتهد المحللون لاتخاذ قرار بشأن التشاؤم أو التفاؤل حيال ارتفاع الأسعار هذا، أكدت السوق على الجانب «التشاؤمي» لهذه الخطوة، وشهدت أسعار الذهب مزيداً من الارتفاع على التغطية القصيرة، وتجدد عمليات الشراء، مع ظهور سحبٍ سوداء في آفاق الاقتصاد العالمي.
وساعد ارتفاع التوترات التجارية والتركيز المتجدد على الاستقرار في الشرق الأوسط، في دفع المستثمرين نحو الذهب نتيجة بحثهم عن ملجأ من سوق الأسهم المتجددة، وضعف الدولار أمام الين الياباني على أقل تقدير. وتفرض مخاطر اندلاع حرب تجارية تهديدات بتقليص حجم التجارة العالمية، مما يخلق رياحاً معاكسة للنمو العالمي والمخزونات، ويدفع أكثر نحو تنويع الطلب والبحث عن ملاذ آمن.
ولعبت قوة الين الياباني أمام الدولار دوراً في المساعدة على التعويض من التأثير السلبي للذهب على ارتفاع العائدات الحقيقية، بينما حظيت السوق بفرص شراء جديدة إثر قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة.
ووصلت حيازات الذهب عبر المنتجات المتداولة في البورصة إلى أعلى مستوياتها منذ خمس سنوات، مع استمرار تكدّس المستثمرين على المدى الطويل. ولعبت صناديق التحوّط دور بائعي عقود الذهب الآجلة خلال الأسابيع الستة الماضية، ولديها الآن مجال لإعادة بناء عقود الشراء مع تحسن التوقعات الفنية والأساسية. وبات المشهد المستقبلي لسوق الذهب أكثر وضوحاً، إثر عودته مجدداً إلى منطقة قوبل فيها المعدن بالرفض في مناسبات كثيرة على مدى السنوات الأربع الماضية. ومن المحتمل أن تكون عمليات التغطية القصيرة قبل ارتفاع أسعار فائدة الاحتياطي الفيدرالي قد انطلقت في مسارها، بحيث أصبح الشراء الجديد مطلوباً في السوق لاكتساب الزخم اللازم لاجتياز عتبة 1375 دولاراً للأونصة. وسط توقعات بتدهور فئات الأصول الأخرى، وما زال الدعم الرئيسي للذهب عند 1300 دولار للأونصة، بينما يمكن أن يشير اختراق عتبة 1375 دولاراً للأونصة إلى امتداد نحو 1475 دولاراً.

الدولار الضعيف ينعش اليورو والإسترليني

وعلى صعيد الصرف الأجنبي، بدأ اليورو الأسبوع الماضي قويا، بفضل السلاسة النسبية لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولكن التراجع الحاد في مؤشر «زد إي دبليو» للثقة الاقتصادية في ألمانيا، قلّل من ارتفاع اليورو مع بلوغه أدنى مستوى له في 20 يوما عند 1.2237.
وعلّق رئيس معهد «زد إي دبليو» على الاستطلاع قائلا: «لقد جعلت المخاوف من نزاع تجاري عالمي بقيادة أميركا الخبراء أكثر حذرا في توقعاتهم. اليورو القوي يعيق أيضا التوقع الاقتصادي لألمانيا، وهي دولة تعتمد على الصادرات. ولكن إلى جانب التقييم الإيجابي المستمر للخبراء للوضع الحالي، لا يزال التوقع إيجابيا بشكل كبير»، ومع ذلك، ارتفع اليورو على خلفية دولار ضعيف في نهاية الأسبوع، لينهيه مرتفعا عند 1.2351.
واستفاد الجنيه الإسترليني من تدفق أنباء إيجابية الأسبوع الماضي، كان أولها توصل بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق أولي حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولاحقا خلال الأسبوع، رفعت بيانات الأجور الجنيه مقابل الدولار المتراجع في كافة القطاعات. وبدأ الجنيه الأسبوع مقابل الدولار عند 1.3930، وأنهاه مرتفعا بنسبة 1.5 في المائة عند 1.4132.
ورغم أن المجلس الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة ورفع المعدل المستهدف في المدى الطويل، فإن توقع السياسة فشل في عكس مسار الدولار المتراجع. فقد تراجع الدولار إلى أدنى مستوى له في 30 يوما فور صدور البيان، وهو الآن أقل بنسبة 3 في المائة منذ بداية السنة. وكان الدولار قد خسر بشكل ملحوظ نحو 10 في المائة من قيمته مقابل سلة من العملات في 2017.



إقرار «المصافحة الذهبية» في السعودية على غرار نماذج عالمية

موظفون في جناح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية بأحد المؤتمرات (منصة إكس)
موظفون في جناح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية بأحد المؤتمرات (منصة إكس)
TT

إقرار «المصافحة الذهبية» في السعودية على غرار نماذج عالمية

موظفون في جناح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية بأحد المؤتمرات (منصة إكس)
موظفون في جناح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية بأحد المؤتمرات (منصة إكس)

أقرت السعودية برنامج «المصافحة الذهبية» لتقديم حوافز مالية تشجيعاً لموظفي القطاع الحكومي على الاستقالة طوعاً بهدف خفض النفقات المرتبطة بالرواتب والمزايا لموظفي الخدمة الطويلة، وذلك لكي يفسحوا المجال أمام آخرين برواتب أقل، وبمهارات تتماشى مع التحول الرقمي. وخصصت الحكومة لهذا الغرض مبلغ 12.7 مليار ريال (3.38 مليار دولار) لدعم البرنامج في السنوات الثلاث الأولى، مستوحاة من تجارب عالمية مشابهة.

ويبلغ عدد موظفي القطاع العام في السعودية 1.2 مليون موظف، باستثناء القطاع العسكري، وفق أرقام الربع الأخير من 2024 الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. في حين تنفق السعودية نحو 40 في المائة من إجمالي موازنتها على الرواتب وتعويضات العاملين. وكانت خصصت لهذا البند 544 مليار ريال (145 مليار دولار) في العام الماضي.

واختلف مختصان في الموارد البشرية تحدثت معهم «الشرق الأوسط» بشأن التعويضات المالية التي ستمنح كحزمة تقاعدية للموظفين. ففيما يتوقع أحدهما أن تتراوح بين ما يعادل رواتب 12 شهراً إلى 24 شهراً، يرى آخر أنها قد تتراوح بين رواتب 24 شهراً كحد أدنى و60 شهراً كحد أقصى.

نماذج عالمية مشابهة

على الرغم من أن فكرة «المصافحة الذهبية» ليست جديدة في السعودية، إذ تقدم بعض الشركات الكبرى ما يعرف بـ«شيك ذهبي» لمن يرغب بالتنازل عن السنوات المتبقية له حتى يبلغ سن التقاعد المحدد عند 60 عاماً، فإنه حديث بالنسبة إلى نظام العمل في القطاع العام، الذي عادة ما يرغب المواطنون بالعمل فيه لاعتقاد سائد بأنه يوفر الأمان الوظيفي.

مع العلم أن برنامج «المصافحة الذهبية» يوازي مبادرات عالمية تحفز الموظفين على الاستقالة طوعاً عند تراجع الحاجة إلى مهاراتهم أو حين يشغلون مناصب فائضة عن الحاجة. فعلى سبيل المثال، يوفر برنامج «في آي إس بي» في الولايات المتحدة حوافز مالية تصل إلى 25 ألف دولار للموظفين الراغبين في الاستقالة الطوعية، وذلك للذين لم تعد مهاراتهم مطلوبة في سوق العمل. وبالمثل، تقدم المملكة المتحدة برنامجاً لضباط الشرطة الراغبين في الاستقالة، مع تعويضات مالية تصل إلى 149.8 ألف جنيه إسترليني. وفي اليابان، يعكس نظام «كاتاتاكي» الذي يعني «التربيت على الكتف» الفكرة ذاتها، إذ يُشجع الموظفين كبار السن على التقاعد لفتح المجال أمام الجيل الشاب.

التعويضات المالية

توقّع الدكتور في جامعة الملك فيصل محمد دليم القحطاني، أن تتراوح التعويضات المالية بين ما يعادل رواتب 12 إلى 24 شهراً كحزمة تقاعدية. فعلى سبيل المثال، إذا كان الراتب الشهري للموظف 15 ألف ريال، فإن الحزمة قد تتراوح بين 180 ألف ريال إلى 360 ألفاً، بحسب احتساب القحطاني.

في حين يرى عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للموارد البشرية، المستشار بدر العنزي، أن التعويضات قد تتراوح بين رواتب 24 شهراً كحد أدنى و60 شهراً كحد أقصى. فمثلاً، إذا كان راتب الفرد الشهري 15 ألف ريال، فإن التعويض الأدنى سيساوي 360 ألفاً، في حين أن التعويض الأقصى قد يصل إلى 900 ألف ريال، و«ذلك لأن البرنامج لا يستهدف الأشخاص الذين تبقّى على تقاعدهم سنة أو سنتين».

وبحسب ما أعلنته السعودية حتى الآن، ستكون الأولوية في الاستفادة من البرنامج لأصحاب المؤهلات الأدنى، ثم التدرج للمؤهلات الأعلى. كما لن يُتاح البرنامج للموظفين إلا بعد استنفاد خيارات أخرى كالنقل والإعارة وإعادة بناء المهارات. ويستثنى من البرنامج مَنْ تنطبق عليهم أحكام التقاعد المبكر.

بالتوازي مع ذلك، سمحت الحكومة للجهات التابعة لها بالإعلان داخلياً عن الوظائف الشاغرة لمدة خمسة أيام قبل الإعلان عنها وفق الإجراءات المعتادة، وذلك بهدف شغل هذه الوظائف من خلال نقل الموظفين بين الجهات الحكومية.

ويُتوقع أن يكون للبرنامج تأثيرات محتملة على القطاع الخاص ونظام الخدمة المدنية، من بينها توفير سيولة مالية للمؤسسات وتحفيز الابتكار في القطاع الخاص، وتحسين الكفاءة الحكومية وتقليل الأعباء المالية على موازنة الدولة في نظام الخدمة المدنية. وتقوم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالتنسيق مع الجهات المعنية لوضع الضوابط والشروط والإجراءات والآليات اللازمة للبرنامج.

أخيراً، يمكن وصف برنامج «المصافحة الذهبية» السعودي بأنه مبادرة مهمة تتبع اتجاهاً عالمياً نحو تحسين كفاءة القطاعات الحكومية، مع توقعات بتعويضات مالية مُجزية.