أبدى مختصون مخاوف من ارتفاع معدلات الاكتئاب والاضطرابات النفسية في أوساط سكان قطاع غزة، جراء تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واختناقهم بفعل الحصار المفروض عليهم منذ سنوات.
وتظهر إحصاءات حديثة أن هناك ارتفاعا ملحوظا في أعداد الأشخاص البالغين الذين يعانون من الاكتئاب والاضطراب وتناول العقاقير، نتيجة الأوضاع المعيشية السيئة لهم ولعائلاتهم، وازدياد نسب الفقر والبطالة. ولا تشمل تلك الإحصاءات الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والاضطرابات، لكنهم لا يتوجهون إلى مراكز العلاج.
ووفق إحصائية لبرنامج غزة للصحة النفسية، تبيّن أن 22 في المائة من الذين زاروا مراكز الصحة النفسية خلال عام 2017 مصابون بالاكتئاب، فيما وصلت نسبة الذين يعانون من اضطرابات القلق 26 في المائة، بينما وصلت نسبة الاضطرابات نتيجة استخدام العقاقير إلى 21 في المائة.
ويقول المختص ياسر أبو جامع، مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية، إن الأوضاع المعيشية تزيد من العبء الاجتماعي والاقتصادي على الأسرة الفلسطينية، مشددا على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، مما يترتب على ذلك من ضغوط نفسية على المجتمع الفلسطيني. ولفت أبو جامع، خلال لقاء حواري نظمته شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، إلى أن الأطفال الفلسطينيين بغزة يعانون من «اضطراب كرب ما بعد الصدمة» بنسبة 13 في المائة، وأن 24 في المائة من الأطفال الذين يتوجهون إلى مراكز الصحة النفسية يعانون من مشكلات وأعراض سلوكية لا تصل بهم إلى درجة التشخيص ويتلقون الخدمات الإرشادية اللازمة. وأشار إلى الشعور العام بالإحباط بين مختلف أفراد المجتمع الفلسطيني في غزة بسبب الصعوبات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، خصوصا بين الشباب، وكذلك المعاناة اليومية الناجمة عن انقطاع الكهرباء وما يتبع ذلك من عناء. ولفت إلى أن حالات الاكتئاب ناتجة عن سوء الوضع الاقتصادي، وبدأت تطال ذوي الدخل المتوسط والجيد من المجتمع، مشيرا إلى أن ممارسات الاحتلال تؤدي في كثير من الأحيان إلى حدوث انتكاسة لدى مرضى «كرب ما بعد الصدمة» خصوصا في المناطق الحدودية.
ويشير تقرير نشره «مركز الميزان لحقوق الإنسان» إلى ارتفاع حالات المرضى المحوّلين إلى مستشفى الطب النفسي منذ بداية العام الجاري بنسبة 21 في المائة مقارنة مع عام 2017، وارتفاع عدد المرضى المترددين على مراكز الصحة النفسية الحكومية بنسبة 69 في المائة مقارنة بعام 2016، ووفقا للتقرير فإن هناك تآكلا في مستويات الحماية الاجتماعية، وارتفاعا في أعداد الأطفال ممن هم على خلاف مع القانون، وبلغ عددهم 429 طفلا في عام 2017، بزيادة نسبتها 41 في المائة عن عام 2016. كما سجّل التقرير تعاظم التحديات في الحصول على غذاء كافٍ، وانخفاض حالات الزواج بنسبة 10.8 في المائة مقارنة مع عام 2016.
وتقول الإخصائية الاجتماعية فلسطين عابد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن الاكتئاب والاضطرابات نتاج للظروف التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة على عكس الظروف المادية الأفضل نسبيا في الضفة الغربية، مشيرة إلى أن العديد من الشبان يلجأون إلى استخدام عقاقير تُحدث عندهم بعض التهيؤات والانقلابات في وعي الإنسان ومخيلته، وقد تؤدي بهم إلى ارتكاب سلوكيات حادة. وأضافت: «في حال استخدم الإنسان هذه العقاقير يصبح لديه اختلال في التوازن الفكري وتأثيرات على الجهاز العصبي والدماغ والغدد وغيرها من الأجهزة الداخلية، مما قد يدفعه إلى ارتكاب الجرائم، أو الإقدام على الانتحار نتيجة حالة الاكتئاب التي يعاني منها». وتابعت: «القسوة والحدة والانقسام والزواج المبكر وعدم قدرة شبان وصلوا إلى أعمار كبيرة من الزواج، والظروف الصعبة، كلها أسباب تسبب الاكتئاب والاضطراب وقد تدفع الإنسان للقتل وارتكاب الجرائم»، مشيرة إلى أن الجرائم «جزء من خريطة كاملة للقسوة والعنف والحدة والعلاقات الاجتماعية السيئة والإحباط والفقر والوضع الصعب».
وأشارت عابد إلى أن هذه الحالة النفسية التي يمر بها الشبان في غزة زادت من عمليات القتل في السنوات الأخيرة، لافتة إلى أن تدهور الأوضاع بخطى متسارعة «سبب مباشر فيما تشهده غزة من فترة إلى أخرى» من وقوع لجرائم قتل لم يعتد عليها السكان من قبل، و«كل ذلك نتيجة العوامل ذاتها المتمثلة في زيادة البطالة والفقر والمشكلات الاجتماعية والإدمان على العقاقير المخدرة وغيرها».
من جهته، يقول أمجد الشوا، مدير «شبكة المنظمات الأهلية»، إن «حلقات الكارثة التي يعيشها قطاع غزة بدأت تأخذ أبعادا أكثر خطورة في المؤشرات التي تشير إلى ارتفاع نسب الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة»، محذرا من خطورة «المساس بمقومات الحياة الأساسية (للسكان) في ظل الحصار الإسرائيلي المشدد والمتواصل وفي ظل الانقسام السياسي»، في إشارة إلى الانقسام بين «حماس» في القطاع والسلطة الفلسطينية في رام الله. ولفت الشوا إلى «معاناة الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع من النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والمرضى الذين تزاد أوضاعهم سوءا والشباب العاطلين عن العمل وانعدام فرص المشاركة في مجتمعهم».
وفي الإطار ذاته، قال برايان باربر، الباحث والمحاضر الأكاديمي في الصحة النفسية، إن طبيعة المعاناة في قطاع غزة بشكل خاص وفي فلسطين تختلف عن بقية المناطق في العالم، حيث إن الشباب في القطاع ومن خلال المقابلات معهم كانوا يرددون العبارات ذاتها مثل «نفسيتي تعبانة، ومستقبلي مدمر، ضايع ومهزوز». وأوضح أن المعاناة في قطاع غزة ناجمة عن أسباب خارجية وليس من الشخص نفسه، وبالتالي فإن العلاج يكون من الخارج ومن خلال حلول اقتصادية واجتماعية وسياسية.
ارتفاع معدلات الاكتئاب والاضطرابات النفسية لسكان غزة
جراء تردي أوضاعهم الحياتية
ارتفاع معدلات الاكتئاب والاضطرابات النفسية لسكان غزة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة