عودة الإرهاب إلى فرنسا... و«داعش» يتبنى العملية

مقتل 4 بينهم مغربي احتجز رهائن في سوبر ماركت

انتشار أمني في محيط  مبنى سكني في  كاركاسون أثناء عملية مداهمة أمس (إ.ب.أ)
انتشار أمني في محيط مبنى سكني في كاركاسون أثناء عملية مداهمة أمس (إ.ب.أ)
TT

عودة الإرهاب إلى فرنسا... و«داعش» يتبنى العملية

انتشار أمني في محيط  مبنى سكني في  كاركاسون أثناء عملية مداهمة أمس (إ.ب.أ)
انتشار أمني في محيط مبنى سكني في كاركاسون أثناء عملية مداهمة أمس (إ.ب.أ)

عاد شبح الإرهاب ليخيم مجدداً على فرنسا وليضرب هذه المرة مدينة صغيرة تقع جنوب غربي فرنسا اسمها «تريب» ولا تبعد كثيراً عن مدينة كاركاسون التي تأوي قاعدة عسكرية كبيرة للجيش. كذلك، فإن هذه العملية الجديدة، الأولى من نوعها هذا العام، تبرر التخوفات التي دأب المسؤولون الأمنيون الفرنسيون، وعلى رأسهم وزير الداخلية الذين يحذرون من استمرار التهديد الإرهابي، ومن «يقظة» الخلايا النائمة، ومن عودة «المتطرفين» من ميادين القتال في سوريا والعراق وبلدان الساحل.
العملية التي بدأت صباح أمس عبّأت أعلى السلطات في الدولة بدءا من رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون الذي كان في بروكسل لحضور القمة الأوروبية إلى رئيس الحكومة إدوارد فيليب الذي قطع زيارته للعودة إلى باريس وصولاً إلى وزير الداخلية جيرار كولومب الذي سارع في التوجه إلى المدينة المستهدفة. وحصيلة العملية التي قام بها، وفق كولومب، مواطن من أصول مغربية اسمه رضوان لقديم وانتهت بمقتله، كانت ثلاثة قتلى والكثير من الجرحى.
وسارع تنظيم داعش إلى تبني العملية التي كانت في الواقع من ثلاثة فصول، ومرتكبها واحد ظهر أمس سريعاً أنه كان معروفاً لدى الأجهزة الأمنية. وسريعاً، عمدت النيابة العامة في باريس المتخصصة في المسائل الإرهابية إلى فتح تحقيق قضائي عهدت به إلى المخابرات الداخلية والشرطة المتخصصة.

وأفاد كولومب بأن لقديم كان يبلغ من العمر 26 عاماً وهو من مدينة كاركاسون القريبة، مضيفاً إنه «كان معروفاً (لدينا) لارتكابه جرائم صغيرة، وكنا نراقبه واعتقدنا أنه لم يكن متطرفاً». وما أورده الوزير الفرنسي جاء مناقضاً لما سارعت بعض الأجهزة الفرنسية إلى تأكيده بخصوص وجود اسم رضوان لقديم على سجل بيانات مكافحة الإرهاب لدى الأجهزة الأمنية الفرنسية. فضلاً عن ذلك، يبدو أن كولومب كان متأكداً من أن المهاجم «تحرك بشكل منفرد»، مستنداً على الأرجح إلى المراقبة الأمنية التي كان يخضع لها هذا الشخص. وقال كولومب ما حرفيته: إن الأجهزة الأمنية «كانت تراقبه، ولم نكن نعتقد أنه ذو ميول راديكالية، ثم إنه فجأة قام بعمليته رغم أنه كان مراقباً». وبانتظار أن تنجلي تماماً ملامح شخصية المهاجم، وفي حال بينت الاستقصاءات اللاحقة أنه كان معروفاً بتشدده، فلن يكون أول من يرتكب أعمالاً إرهابية رغم وجوده على لائحة الأشخاص الخطرين على الأمن في فرنسا والذين تضمهم اللوائح المصنفة تحت حرف «إس». الخلاصة التي ركز عليها وزير الداخلية مفادها، أن التهديد الإرهاب في فرنسا ما زال «قوياً جداً»، وهو ما شدد عليه أيضاً الرئيس ماكرون من بروكسل؛ إذ أشار إلى أن فرنسا «تواجه منذ عدة أشهر تهديداً (إرهابياً) داخلياً». وكان كولومب كشف قبل أقل من ثلاثة أسابيع عن أن الأجهزة الأمنية عطلت، منذ بداية عام 2018، ثلاث محاولات إرهابية، وأن ما تم تعطيله في عام 2017 هو 12 عملية.
ككل مرة تعيش فيها فرنسا مأساة من هذا النوع، يطرح سؤال عن الجهة المسؤولة. وجاء الجواب سريعاً من خلال وكالة «أعماق» المروجة لدعايات وعمليات «داعش»؛ إذ أفادت بأن «الرجل الذي نفذ الهجوم في مدينة ترمب جنوبي فرنسا جندي من جنود (داعش) وأنه (استجاب) لنداء التنظيم (لاستهداف أعضاء التحالف الدولي) الذي حارب (داعش) منذ عام 2014، ومن بينهم فرنسا». غير أن «أعماق» لم تنقل عن «داعش» دليلاً مادياً يثبت علاقته بالعملية أو وجود رابط بين منفذها والتنظيم الإرهابي. وسبق لهذا التنظيم أن تبنى عمليات إرهابية في فرنسا وفي غيرها من البلدان ليثبت لاحقاً أنه لم يكن على علاقة بها.
تذكر فصول عملية رضوان لقديم في مدينتي كاركاسون وترمب بما عرفته فرنسا في بداية عام 2015 لجهة مهاجمة رجال أمن ثم احتجاز رهائن وسقوط قتلى، وانتهاء ذلك كله بمقتل المهاجم على أيدي الوحدات الخاصة التابعة للشرطة والدرك. ويبين شريط الأحداث، أن المهاجم كان ساعياً لإحداث أكبر عدد من الضحايا. فقد بدأ نهاره، وفق المعلومات التي كانت متوافرة حتى مساء أمس، بأن عمد إلى توقيف سيارة في مدينة كاركاسون بغرض سرقتها لارتكاب فعلته، فأصاب سائقها وأردى راكباً فيها. وبعد ذلك وفي المدينة نفسها، أصاب بالرصاص أحد رجال الشرطة الذي كان يمارس رياضة الجري مع مجموعة من زملائه بعد أن حاول دهسهم بالسيارة المسروقة. ومن كاركاسون، توجه الجاني إلى مدينة تريب القريبة التي لا تبعد عن الأولى سوى عشرة كيلومترات، وهناك قام باقتحام مخزن «سوبر ماركت صغير» حيث احتجز عدداً من الزبائن وعاجَل اثنين بإطلاق النار عليهما وأرداهما قتيلين. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن شاهد عيان، أن المهاجم كان يحمل سلاحاً نارياً وقنبلة يدوية وسكاكين، كما أنه صاح «الله أكبر» لدى دخوله إلى المخزن، في حين قالت امرأة إنها وعدداً من الزبائن لجأوا إلى غرفة التبريد، ومن هناك خرجوا من باب خلفي. وسريعاً جداً، وصلت الوحدات الأمنية المتخصصة إلى محيط المخزن، وضربت طوقاً أمنياً حوله، وكان التخوف أن يكون المهاجمون الذين أخذوا الزبائن رهائن كثراً. ونقلت القناة الإخبارية الفرنسية «بي إف إم» نبأ مفاده أن المهاجم طالب بإطلاق سراح المغربي صلاح عبد السلام الذي يخضع للمحاكمة في باريس وبروكسل لدوره في عملية نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015، وهو الوحيد الذي ما زال حياً من بين المرتبطين مباشرة بها. ونجحت القوى الأمنية في إقامة قناة اتصال مع المهاجم الذي قبل بإخلاء محتجز مدني في المخزن ومبادلته برجل «متطوع» من رجال الدرك. وبعدها جاءت عملية اقتحام المخزن التي قتل نتيجتها رضوان لقديم في حين أصيب الدركي بجروح، وفق ما أعلن وزير الداخلية الذي أكد أن الإرهابي هو «من بادر إلى إطلاق النار»، وأن القوى الأمنية ردت على ذلك وقتلته.
هكذا، عادت فرنسا لتعيش أجواء الإرهاب التي لم تعرفها منذ الأول من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث قتل مواطن تونسي طعناً بالسكين امرأتين في محطة القطارات في مدينة مرسيليا الساحلية. وقتها أيضاً، تبنى «داعش» العملية إلا أن المحققين لم يعثروا، بعد أسابيع من البحث عن علاقة تربط الجاني بالتنظيم الإرهابي. ومنذ عام 2015، سقط في فرنسا 241 شخصاً ضحايا عمليات إرهابية، أبرزها ما عرفته باريس في خريف عام 2015، وما شهدته مدينة نيس الساحلية في شهر يوليو (تموز) من عام 2016.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».