الحكومة الفنزويلية تتحدث عن انفراجة إقليمية بعد تنحي رئيس بيرو

مسؤول فنزويلي احتفل على الهواء مباشرة بعد استقالة كوكزينسكي وقال إن ليما ستنشغل بشؤونها الداخلية

TT

الحكومة الفنزويلية تتحدث عن انفراجة إقليمية بعد تنحي رئيس بيرو

قال ديوسدادو كابييو القيادي في الحزب الحاكم الفنزويلي والمقرب من الرئيس نيكولاس مادورو، إن استقالة رئيس بيرو بابلو كوكزينسكي ستخفف الضغط على بلاده، وذلك قبيل انعقاد الانتخابات الرئاسية الفنزويلية المقبلة في شهر مايو (أيار).
واحتفل كابييو على الهواء مباشرة في برنامج تلفزيوني بألعاب نارية بخبر استقالة رئيس بيرو، وقال إن تعيين نائب رئيس بيرو في منصب قيادة البلاد سيدفع السلطات في ليما إلى الانشغال بالشؤون الداخلية وترك فنزويلا وشأنها، وذلك في إشارة إلى الدور الذي تلعبه بيرو في قيادة «تكتل ليما»، وهو التحالف الذي يضم عدداً من الدول الإقليمية التي تعارض المشهد السياسي الحالي في فنزويلا، والتي تقود جهوداً دولية وإقليمية من أجل التغير السياسي في فنزويلا.
وتولى النائب الأول لرئيس بيرو مارتن فيتشكارا الذي لا يقيم علاقات مع الأحزاب السياسية التقليدية، أمس، الرئاسة خلفاً للرئيس المستقيل بابلو كوكزينسكي، الذي استقال على خلفية فضيحة فساد. وينتظر فيتشكارا قرار البرلمان بشأن مصير الرئيس قبل أن يتسلم مهام منصبه ويقسم اليمين.
وكان نظم تحالف من مجموعات المعارضة الفنزويلية مسيرات في أنحاء البلاد للاحتجاج على الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 20 مايو وتعتبرها مزورة، داعية إلى إجراء انتخابات حرة وشفافة في موعد لاحق.
وقالت النائبة ديلسا سولورزانو إن التجمعات تهدف إلى مقاومة الحكومة التي ترغب في حرمان المواطنين من حقوقهم. ونظم المظاهرات تحالف «الجبهة العريضة لفنزويلا حرة» الذي أنشئ أخيراً ويضم أحزاباً معارضة على غرار تحالف طاولة الوحدة الديمقراطية ومنظمات من المجتمع المدني.
وتجري الانتخابات عادة في ديسمبر (كانون الأول)، لكن الجمعية التأسيسية التي تعتبر واشنطن أنها أنشئت للالتفاف على الضوابط الديمقراطية وتعزيز سلطة الرئيس نيكولاس مادورو، سبقت موعدها هذا العام. ويسعى مادورو الذي تراجعت شعبيته بشكل واسع على خلفية الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد إلى الفوز بولاية جديدة تنتهي عام 2025.
وسيتنافس مادورو مع هنري فالكون المنشق عن تيار الرئيس الأسبق هوغو تشافيز و3 مرشحين آخرين لا يتمتعون بشعبية كبيرة. ويقاطع تحالف طاولة الوحدة الديمقراطية الانتخابات، معتبراً أنها تفتقر إلى الشفافية.
من جهة أخرى، أمر الرئيس الفنزويلي مادورو بتغيير الوحدة النقدية للعملة المحلية المتداعية (البوليفار)، من خلال حذف 3 أصفار من قيمتها وسط تضخم مفرط وأزمة اقتصادية تشهدها البلاد. وقال مادورو إن الإجراء سيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من 4 يونيو (حزيران)، وإنه لن يكون له أي أثر على قيمة البوليفار. ويظهر الإجراء انهيار البوليفار الذي هبط 99.99 في المائة مقابل الدولار في السوق السوداء، منذ أن جاء مادورو إلى السلطة في أبريل (نيسان) عام 2013. لكن مادورو قدم الإجراء على أنه تطور إيجابي يهدف إلى حماية فنزويلا من المضاربين في سوق العملات ومن حرب تجارية تقودها الولايات المتحدة ضد البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
وبينما يبدو الإجراء رفعاً لقيمة العملة، يعتبره الاقتصاديون تغييراً للوحدة النقدية، إذ لن تغير البلاد سعر الصرف الرسمي، ولن يكون الفنزويليون بحاجة لاستبدال العملات التي بحوزتهم الآن، لكن جميع العملات الجديدة التي ستُطبع ستكون بالوحدة النقدية الجديدة.
وقال مادورو الذي كانت حكومته هدفاً لعقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا بسبب اتهامات بانتهاك الديمقراطية والحقوق، إن بلاده وقعت ضحية لحرب اقتصادية ضارية.
جدير بالذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان وقع أمراً تنفيذياً يحظر أي معاملات مالية في الولايات المتحدة بعملة فنزويلا المشفرة الجديدة (بترو)، في حين حذر مسؤولون أميركيون من أنها خدعة من حكومة الرئيس نيكولاس مادورو من أجل مزيد من تقويض الديمقراطية. وقال البيت الأبيض إن قرار ترمب يحظر جميع المعاملات ذات الصلة وتقديم التمويل والتعاملات الأخرى، من قبل أي مواطن أميركي ومقيم في الولايات المتحدة، فيما يخص أي عملية رقمية أصدرتها حكومة فنزويلا منذ 9 يناير (كانون الثاني).



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.