شاشة الناقد

من فيلم «أم مخيفة»
من فيلم «أم مخيفة»
TT

شاشة الناقد

من فيلم «أم مخيفة»
من فيلم «أم مخيفة»

Scary Mother
إخراج: أنا أوروشادزه
دراما | جيورجيا - 2017
تقييم:

آنا أوروشادزه هي ابنة المخرج الجيورجي زازا أوروشادزه وهذا سبق له أن قدّم لنا، نحن الهواة المولعين، حفنة من الأفلام الجيدة بينها «ثلاثة منازل» و«الاعتراف» و«تنجرين»، وهذا الأخير شق طريقه للترشيحات الرسمية لأوسكار أفضل فيلم أجنبي سنة 2014.
آنا تأخذ عن أبيها أهمية أن تنجز الفيلم بإتقان عناصره وكيفية استخدامها. «أم مخيفة» هو فيلمها الأول وكونه الأول لم يمنع عن الفوز بتسع جوائز سينمائية من مهرجانات تمتد من لوكارنو إلى مهرجان مومباي ومن سراييفو إلى مهرجان الجونة حيث خرج بالجائزة الذهبية التي استحقها هناك كما استحقها في المهرجانات الأخرى.
اللقطة الأولى لبطلة الفيلم مانانا (الرائعة ناتو مورفانيدزه في الدور) تصحو على صوت نقرات خفيفة سوف تعاود سماعها. تبدو لها آتية من وراء باب أو جدار ونسمعها على هذا النحو أيضاً، لكنها في الواقع آتية من ذاتها، مع مطلع الفيلم، الفصل بين الواقع والخيال. ليس لدى المخرجة الوقت، ولا الرغبة، لتتحدث عن طبيعة عمل الزوج أنري (ديمتري تاتيسشفيللي) ولا عن أولاد بطلتها الثلاثة. تضع الجميع في منزل يقع في أبشع مجمّع سكني شوهد على شريط سينمائي في فيلم روائي. مجمّع من مخلفات الحقبة السوفياتية بلا ريب وإذا ما ربطنا المجمّع السكني بعماراته الثلاث المتصلة بعضها ببعض بجسر يخترقها بالحقبة المذكورة من ناحية وبالمعاني المتواردة خلال الأحداث من ناحية أخرى، سنجد رمزاً هائماً حول سقوط أبناء اليوم من جيل مانانا (التي تبلغ الخمسين من العمر) في هوّة تفصل ما بين ماض كئيب وحاضر من التداعيات الناتجة عنه.
حتى وإن ألغينا قراءة هذا الترميز المحتمل، فإن الحكاية تقف جيداً على قدمين ثابتتين. مانانا (نحو خمسين سنة من العمر) كتبت رواية وأودعتها عناية رجل عجوز له خلفية في النشر والعلاقات اسمه نوكري (راماز يوسلياني). حين يقرأها هذا يجدها «تحفة»، على حد قوله، ويتجه لبيت مانانا طالباً موافقتها على توكيله بالبحث عن ناشر. لكن الزوج وقد استمع لزوجته تقرأ أول ثلاث صفحات من الرواية يهب معترضاً. بالنسبة إليه ليس فقط أن الرواية إباحية، بل تستمد أحداثها من الحياة الخاصة له ولزوجته ولأولادهما.
هذا أيضاً رأي الناشرين الذين توجه إليهم نوكري بعد ذلك. لكن حتى من قبل أن نلم بآرائهم، نكتشف أننا أمام امرأة تعيش هواجسها وخلفياتها الاجتماعية الداكنة (التي يدلي بها والدها في مشهد رائع أخير). امرأة بلا خيال على الإطلاق. تدون ما يحدث أمامها على ساعد يدها حتى لا تنساه قبل القيام بطباعته.
في البداية تجيز لنا المخرجة الاعتقاد بأن موقف الزوج الذي حرق الرواية الأولى جائر من حيث معارضته لرغبات زوجته التعبيرية. لكن لاحقاً ندرك أنها في الواقع فقدت الصلة بين المنطق والوهم وأصبحت الأم المخيفة المقصودة في العنوان.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز