مبادرة «ألق بغداد» تعيد تأهيل المدينة بدءاً من ساحاتها وصولاً إلى «درابين أبي نواس»

أطلقها عازف العود العراقي نصير شمة ويرأس مجلس إدارتها

نصير شمة
نصير شمة
TT

مبادرة «ألق بغداد» تعيد تأهيل المدينة بدءاً من ساحاتها وصولاً إلى «درابين أبي نواس»

نصير شمة
نصير شمة

تواصل مبادرة «ألق بغداد»، التي أطلقها عازف العود العراقي الشهير نصير شمة، سفير النيات الحسنة لدى «اليونيسكو»، عملها في إعادة تأهيل 21 ساحة في العاصمة العراقية، بغداد، حسب المشروع الذي أعلن عنه العازف الشهير في الثالث عشر من شهر أغسطس (آب)، عام 2017.
وفيما حظيت المبادرة بالموافقات الرسمية بدء من أمانتي مجلس الوزراء وبغداد فقد تمكن شمة من جمع مبلغ قدره 8 مليارات دينار عراقي (سبعة ملايين ونصف المليون دولار أميركي) من مصارف خاصة وحكومية.
واحتفالاً بوصول العمل إلى مرحلة متقدمة احتضنت ساحة الواثق في وسط بغداد، المشمولة بإعادة التأهيل، احتفالية خاصة أقامتها اللجنة المكلفة بإدارة المشروع حضرها إعلاميون وفنانون تشكيليون وحضرتها «الشرق الأوسط» أمس (الأربعاء).
وقال الناطق الإعلامي باسم المشروع عبد العليم البناء لـ«الشرق الأوسط» إن «الساحات التي سيتم تطويرها هي الشيخ معروف وعنتر بن شداد وعبد المحسن الكاظمي والفارس العربي والنسور والمتحف والطيران ومظفر والتحريات والنادي التركماني وشهيد المحراب والواثق والحمزة وجسر المثنى وجدة وحلة - بغداد والرستمية ووهران و83 والأئمة». وأضاف أن «المدة التي تم تحديدها لإنجاز العمل هي 200 يوم وإن العمل مستمر ليلاً ونهاراً مع تصوير جميع مراحل العمل أولاً بأول».
وأوضح البناء أن «العمل يتضمن في مراحله النهائية تطوير ضفتي نهر دجلة في شارع أبو نؤاس وغابة بغداد ومسرح (اليونيسكو) بالعاصمة بغداد».
ومن جهته، أكد رئيس رابطة المصارف الخاصة في العراق وديع الحنظل أن «المصارف الخاصة قامت بالتبرع لتمويل مشروع تطوير 21 ساحة في العاصمة بغداد بكلفة 8 مليارات دينار»، مضيفاً أن «قيام المصارف بتمويل هذه المشاريع يعود لحرصها على تطوير العاصمة بغداد وخلق أماكن ترفيهية لجميع العراقيين».
وأشار إلى وجود «كثير من المشاريع التي ستقوم بها رابطة المصارف على مختلف الأصعدة بما يخدم العراقيين».
وعلَّق الفنان نصير شمة في حديث لـ«الشرق الأوسط» على التجربة قائلاً إنها «تؤسس لعلاقة تبدو مفقودة في العراق حتى الآن بين المجتمع المدني والقطاعين الخاص والعام». وأضاف أن «المبادرة التي أطلقناها وراهنّا فيها على المجتمع المدني العراقي، بالإضافة إلى القطاع الخاص، لن تكون مجرد مبادرة عابرة ولا تزيينية ولا ترفيهية بل هي مشروع جمالي وسياحي وعمراني وحضاري لتعود بغداد إلى القها الحقيقي ناهضة بأبنائها لتكون في مصاف العواصم العالمية لقيمتها وعمقها الحضاري الكبير وما قدمته للإنسانية من منجزات فكرية وعلمية ما زالت شاخصة إلى اليوم».
وأوضح الفنان شمة أن «العمل لن يتوقف عند إعادة تأهيل هذه الساحات الإحدى والعشرين وفق أحدث المواصفات العالمية، بل لدينا مشروع غابة بغداد، التي من المؤمل أن تكون واحة سياحية ومتنفساً جديداً لأهالي بغداد»، وتقع أرض المشروع في منطقة التاجيات شمال بغداد، حيث ستضم نافورة السلام، وهي أكبر نافورة في الشرق الأوسط. ويتابع شمة: «لدينا أيضاً مشروع درابين أبو نؤاس الذي سيغير شكل شارع أبي نواس جذرياً، ويضفي عليه لمسات جمالية تشمل المسارح والغاليريهات والمقاهي والكازينوهات والمطاعم، كما سيتم إطلاق أسماء كبار مبدعي العراق عليها بالإضافة إلى تطوير الباب الوسطاني من سور بغداد التاريخي ليعكس قيمته التاريخية والحضارية والسياحية عبر إقامة مسرح كبير ومعالم سياحية مختلفة تتيح لأهالي المنطقة الاستفادة منها والتمتع بمرافقها».
ويختتم شمة حديثه بالقول إن هناك مشاريع أخرى في الطريق منها جسر المعرفة الذي يهدف إلى توفير الفرص للخريجين للدراسة خارج العراق، وباختصاصات علمية عليا ليعودوا إلى العراق للإسهام في بنائه.
يُذكَر أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أصدر أمراً ديوانيا بترؤس الفنان نصير شمة لمجلس إدارة المشروع، الذي يضم مسؤولين كباراً في أمانة مجلس الوزراء وأمانة بغداد ورابطة المصارف والبنك المركزي العراقي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».