بلجيكيات ضمن أرامل «داعش» في معسكر مغلق شمال سوريا

يرغبن في العودة مع أطفالهن... وبروكسل تؤكد عدم التفاوض مع عناصر التنظيم

سيدات كرديات مع أطفالهن وأمتعتهن يهربن من عفرين (أ.ف.ب)
سيدات كرديات مع أطفالهن وأمتعتهن يهربن من عفرين (أ.ف.ب)
TT

بلجيكيات ضمن أرامل «داعش» في معسكر مغلق شمال سوريا

سيدات كرديات مع أطفالهن وأمتعتهن يهربن من عفرين (أ.ف.ب)
سيدات كرديات مع أطفالهن وأمتعتهن يهربن من عفرين (أ.ف.ب)

«ندمنا على ما فعلنا ونريد تصحيح الخطأ الذي وقعنا فيه»، بهذه الكلمات بدأت كل من تتيانا (25 عاما) وبشرى (25 عاما) تصريحات لمحطة التلفزيون البلجيكية «في آر تي» من داخل أحد المعسكرات المغلقة في شمال سوريا؛ حيث يوجد عدد من أرامل وزوجات «الدواعش» ينتظرن تقرير مصيرهن.
وفي الوقت نفسه تنتظر تتيانا وبشرى قرار محكمة أنتويرب البلجيكية في ملف يتعلق بالانضمام إلى صفوف «داعش». وكانت النيابة العامة قد طالبت بعقوبة السجن لكل من الأرملتين لمدة 5 سنوات، وعلقت تتيانا بالقول: «حتى لو صدر ضدنا حكم بالسجن 20 عاما فسنحترم قرار المحكمة»، فيما قالت بشرى: «ما دام أطفالنا في أمان وسيذهبون إلى المدرسة ويعيشون حياة طبيعية في بلجيكا، فلا يهم بعد ذلك أي شيء».
وتحدثت كل من بشرى وتتيانا إلى توني فرنكس مراسل محطة التلفزيون البلجيكية الناطقة بالهولندية «في آر تي»، من داخل معسكر مغلق شمال سوريا. وقالت بشرى إنهما نجحتا في الهروب من الرقة وسلمتا نفسيهما للقوات الكردية، والآن تنتظران إمكانية العودة إلى بلجيكا حيث لن يصدر ضدهما أي قرار بالسجن نظرا لقيامهما بتسليم نفسيهما للقوات الكردية ولم يتم القبض عليهما بحسب ما ذكرت بشرى في اللقاء التلفزيوني، كما أضافت أنه لم يسبق أن زارهما أي من المسؤولين في السفارة البلجيكية منذ قدومهما إلى المعسكر الذي يوجد به أعداد من السيدات والأطفال من عائلات «الدواعش».
وسافرت تتيانا برفقة بشرى في 2013؛ الأولى للحاق بزوجها نور الدين وهو شقيق بشرى التي سافرت للحاق أيضا بزوجها سعيد، وكانا من عناصر «جماعة الشريعة في بلجيكا»، قبل سفرهما إلى سوريا للقتال هناك، وهي جماعة حظرت السلطات نشاطها قبل نحو 4 أعوام. وبعد وقت قصير من وصول تتيانا وبشرى إلى سوريا قتل كل من نور الدين وسعيد في العمليات القتالية ولم يحضرا ولادة طفليهما، كما أصيبت بشرى في إحدى عمليات القصف، وتحت ضغوط من العائلة عادت بشرى وتتيانا إلى بلجيكا في 2014 وأصبحت كل واحدة منهما تعامل من جانب المحيطين على أنها أرملة أحد المقاتلين الداعشيين، ولديهما أطفال يحملون أسماء ذات صلة بالقتال ضمن صفوف «داعش» مثل «مجاهد» و«شهيد» ابنيْ تتيانا.
وبعد فترة اتفقتا؛ تتيانا وبشرى، على العودة من جديد إلى سوريا وبرفقتهما الأطفال، وهو ما حدث بالفعل في صيف 2015، وكتبت بشرى على «فيسبوك» تسخر من السلطات البلجيكية وسياستها لمواجهة التطرف وقالت: «فشلت الدولة البلجيكية في محاربة التطرف، وأيضا لم تمنعونا من السفر إلى سوريا رغم أنكم فرضتم رقابة علينا 24 ساعة في اليوم لمدة 7 أيام في الأسبوع، ولقد سافرنا إلى سوريا لأنه واجب على كل مسلم وأنتم دفعتمونا إلى ذلك»، وبعد الوصول إلى سوريا تزوجت كل من تتيانا وبشرى من شخصين آخرين من عناصر «داعش»، وبعد فترة اختفى الزوجان وأصبحت بشرى وتتيانا داخل معسكر مغلق للاجئين في الحول وهناك التقى بهن مراسل التلفزيون البلجيكي.
وفي رد فعل على هذا الأمر قال أوليفيير فان رايمدونك، المتحدث باسم وزير الداخلية جان جامبون، إن موقف السلطات البلجيكية واضح، وإنها لا تتفاوض مع الدواعش، وهذا ما سبق أن أعلنته الحكومة البلجيكية في أواخر العام الماضي. وفي أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي وافق مجلس الوزراء البلجيكي على عودة الأطفال أبناء الدواعش الذين يريدون العودة إلى بلجيكا، ولكن بالنسبة للآباء والأمهات فغير مرحب بهم، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء البلجيكية، وأضافت أن «الأطفال الأقل من 10 سنوات، أبناء المقاتلين الذين سافروا من بلجيكا للقتال في صفوف «داعش»، لهم الحق بشكل تلقائي في العودة إلى بلجيكا، ولكن هذا الحق لا ينطبق على أهاليهم».
وحسب السلطات المعنية، فإن عدد الأطفال الذين ولدوا في سوريا والعراق من آباء سافروا للقتال في صفوف «داعش» ما بين 70 و80 طفلا، وسيتم إجراء فحوصات وتحاليل لهؤلاء الأطفال للتأكد من نسبهم، ويمكن لهم بعد الرجوع إلى بلجيكا أن يتقدموا بطلب قانوني للحصول على الجنسية البلجيكية، وسيتم منح هؤلاء بطاقات هوية لحين صدور الرأي القضائي. أما بالنسبة للحالات التي تتعلق بالأطفال ما بين العاشرة والثامنة عشرة، فستتم دراسة كل حالة على حدة والتحقق من عدم خضوع هؤلاء لدورات تدريبية على القتال والعمليات الإرهابية أو أن يكونوا شاركوا في أي عمليات قتالية من قبل ضمن صفوف «داعش» وهؤلاء يقدر عددهم بنحو 20 شخصا كانوا قد سافروا برفقة أصدقاء أو أقارب أو أفراد من عائلتهم وهم في سن صغيرة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قالت الحكومة البلجيكية إن 20 شخصا من بينهم أطفال دون السادسة من عمرهم، عادوا من مناطق الصراعات في سوريا والعراق، ويخضعون لمراقبة السلطات المعنية. ويتعلق الأمر بستة من النساء و14 طفلا.
وقال وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون في رده على استجواب بالبرلمان في هذا الصدد إن السلطات المختصة تُخضع هؤلاء للمراقبة، وتقدم للقصّر المساعدات النفسية والاجتماعية اللازمة. وأوضح وزير الداخلية أن بعضهم يبلغ من العمر أقل من 6 سنوات، أي إنهم ولدوا في أرض المعركة، فـ«هؤلاء لا يشكلون أي خطر حقيقي على المجتمع، ولكن يتعين احتواؤهم والتعاطي معهم بطرق خاصة»، حسب كلامه. وتفيد المعلومات الأمنية بأن الأطفال الذين عاشوا في ظل تنظيم «داعش»، قد خضعوا لعمليات تدريب عسكرية حقيقية وتربية آيديولوجية متطرفة.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.