الصراعات الثنائية

«التصميم من قبل شركة آبل في كاليفورنيا، والجمع في الصين». على مدى العقد الماضي، لطالما شكّلت هاتان العبارتان المكتوبتان على جهاز iPhone، اختزالاً لسعر القطع التكنولوجية بين أكبر اقتصادين في العالم. فالولايات المتحدة تزود العقول، والصينيون يشاركون في اليد العاملة الرخيصة، ولكن هذا الأمر لن يكون دقيقاً بعد اليوم. إذ تكشف افتتاحية مجلة «ذي إيكونوميست» لهذا الأسبوع أنّ الصين ستتفوق على الولايات المتحدة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025. وقالت: «ستتصدّر الصّين على الولايات المتحدة في مجال التقنية، ولا بد أن يكون الرد الأميركي تكتيكياً لمنع ذلك».
الصراعات الثنائية. العنوان العريض لعدد المجلة. صراع تقني بين الصين وأميركا، وآخر سياسي بريطاني - روسي، والثالث معركة إثبات وجود في البيت الأبيض.
أعادت واقعة الجاسوس الروسي سيرجي سكريبال، فتح ملف الجاسوسية بين القطبين الروسي - البريطاني الذي يذخر بمئات القصص والحكايات، وشهد الأسبوع الماضي تصعيداً في اللهجة بين ماي وبوتين. أيّد مقال في المجلة بعنوان «علاقة بريطانيا المسمومة مع روسيا»، رئيسة الوزراء البريطانية في محاولتها تضييق الخناق على أي نوع من التدخلات الروسية في بلادها.
«أميركا تقترب من حكم الرجل الواحد». هكذا علّقت المجلة على ما يحدث في البيت الأبيض، مستخدمة مصطلحاً جديداً أطلقته على خلفية إقالة ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي، بشأن الخلاف بينه وبين الرئيس ترمب على الملف النووي الإيراني الذي آل بوجهة نظرها، إلى «ريكست». وقد تخوّفت المجلة من نهج سياسة الإقالات التي يتّبعها ترمب للرّد على كل من لا يوافقه الرأي. بيد أنّها رحّبت بتعيين بومبيو لهذا المنصب، معتبرة أن العالم اليوم بحاجة ماسة لرجل دبلوماسي قادر على التحدث بسلطة وقوة، بلسان الرئيس الأميركي.
قد تختلف ملفات الصراعات الثنائية الثلاث، ولكن جميع شخصياتها تسعى لفرض قوة بلادها وسيطرتها عالمياً، سواء كان ذلك في الشأن السياسي أم الأمني أم التقني.
تزامنت الأحداث الثلاثة التي احتلت صفحات الـ«إيكونوميست»، وبين الاقتصاد وفرض النفوذ السياسي للاعبين الأربعة، لم تُشر المجلة إلى التأثيرات السلبية لهذه المعارك على الوضع الاقتصادي، في حال استطاعت الصين التفوق على الولايات المتحدة وتفّردت في القوى الذهنية واليد العاملة لتشكّل قوّة اقتصادية أحادية تجتاح الأسواق العالمية. لم تتخوّف من تفاقم الأزمة بين بريطانيا وروسيا لتصل إلى حد القطيعة وتكون صورة جديدة لحرب باردة بتصفية الجواسيس الروس الذين يقبعون في حماية بريطانيا. وإلى أين سيصل ترمب بإقالاته وتعييناته في فترة زمنية لم تتعد السنتين، وهل سيتمكّن من فرض سيطرته ليكون أول رئيس أميركي يقترب من الحكم منفرداً؟