«زين إف إم»... إذاعة متخصّصة لمخاطبة كرديات سوريا بصوت نسوي

«آرتا للإعلام والتنمية» أطلقت أول إذاعة كردية بشمال شرقي البلاد

فريق عمل إذاعة "أرتا" (الشرق الأوسط)
فريق عمل إذاعة "أرتا" (الشرق الأوسط)
TT

«زين إف إم»... إذاعة متخصّصة لمخاطبة كرديات سوريا بصوت نسوي

فريق عمل إذاعة "أرتا" (الشرق الأوسط)
فريق عمل إذاعة "أرتا" (الشرق الأوسط)

داخل استوديو مجهّز بمعدات إذاعية، وتحت شعار «زين»، في بلدة عامودا الواقعة بأقصى شمال شرقي سوريا، تعمل إذاعة «زين إف إم»، وتعني العبارة بالعربية «راديو إف إم المرأة».

الإذاعة، التي هي أحد مشاريع مؤسسة «آرتا للإعلام والتنمية»، تسعى إلى طرح قضايا مجتمعية بشكل يومي تهم شريحة واسعة من السوريات والفتيات. وما يميزها أن كادرها الإعلامي بالكامل من المذيعات والمقدمات والمراسلات، وكذلك، تعد أول تجربة إذاعية من نوعها على مستوى شمال شرقي سوريا، تبث موادها عبر موجات الـ«إف إم» ومنصاتها الرقمية.

«من خلال أثير (زين) وبرامجها نسعى إلى زيادة الوعي المجتمعي بحقوق المرأة، وتمكين النساء على الصعيدين العملي والمعرفي، حتى تلعب دوراً أكثر فاعلية بمختلف نواحي الحياة»... بهذه الكلمات بدأت ريزيار جنو، وهي مراسلة الإذاعة من عامودا – التي تقع على مسافة نحو 25 كيلومتراً غرب مدينة القامشلي، حيث خضعت هذه الإعلامية لتدريبات مكثفة في المركز التدريبي لمؤسسة «آرتا»، تلقت خلالها أساسيات العمل الإذاعي، وكيفية صناعة التقارير الميدانية، وإعداد البرامج الحوارية والتقديم.

ريزيار جنو (الشرق الأوسط)

جمهورها النساء والفتيات والشباب

انطلقت إذاعة «زين إف إم» من عامودا، ذات الغالبية السكانية الكردية في سبتمبر (أيلول) 2021، بوصفها أول تجربة إذاعية نسوية على صعيد المنطقة. وتأتي هذه التجربة بعدما شهدت سوريا منذ عام 2011 انطلاقة عدد من الإذاعات المستقلة ووسائل الإعلام الخاصة بعيداً عن رقابة السلطات السورية. وتعمل حالياً في شمال شرقي البلاد نحو 10 إذاعات محلية، تبث برامجها باللغات العربية والكردية والسريانية على أثير موجات الـ«إف إم»، ومواقع الإنترنت وصفحات «السوشيال ميديا» والمنصات الرقمية، وللعلم كانت اللغتان الكردية والسريانية محظورتين سابقاً على البث الإذاعي التابع لوسائل حكومة نظام دمشق.

المراسلة ريزيار جنو ذكرت أن «الشريحة المستهدفة بالدرجة الأولى من النساء والفتيات، وبشكل عام جيل الشباب»، وأردفت: «عندما نتجوّل بين الناس ونقول لهم إننا إذاعة خاصة بالنساء يستغربون ونشعر بصدمتهم، بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية... لكن من خلال حديث بسيط نتجاوز هذه التحديات».

بدورها، قالت المذيعة دلدا يوسف خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» إن فريق «إذاعة (زين) يعمل وفق رؤية الإعلام الحديث، وتلامس برامجه واقع المرأة في المنطقة خصوصاً، بما في ذلك قضايا العمل والانتهاكات المرتكبة بحقها في مناطق الحروب والنزاعات». وتابعت: «إنها إذاعة مجتمعية: بكادر نسائي، وتُعنى بقضاياهنّ... نحن نركز على قصص نجاح السيدات في مختلف المجالات، السياسي منها والاجتماعي وحتى الاقتصادي والفولكلوري، كما نغطي النشاطات التي تقوم بها الجمعيات والمنظمات المحلية».

وحقاً، بين المواضيع التي تتناولها الإذاعة قضايا خدمية إلى جانب طرح فقرات عن الجوانب المعيشية، وكذلك حلقات خاصة عن الصحة برفقة طبيب متخصص، والوقاية الطبية، والاستماع لخبراء وموجهين تربويين. وبالمناسبة، تقدم دلدا يوسف فقرات برنامجها بلغتها الكردية الأم، وعن دور الإذاعة وفاعليتها في مخاطبة الجمهور، أوضحت قائلة: «عبر تقارير مراسلاتنا نستمع بحرص للنساء وهمومهن الحياتية والمعيشية، وبدورنا نتولى نقل قضاياهنّ للخبراء وللجهات المعنية إذا كانت لديهنّ شكاوى، ونخاطب السلطات المحلية».

ولفتت هذه المذيعة الكردية، المنحدرة من عامودا، إلى أن إذاعة «زين إف إم» باتت منبراً إعلامياً، ووسيلة للتعبير عن السيدات والفتيات لسماع وإسماع آرائهنّ بصوتهنّ، وبالتالي، «هي فرصة للتحدث عن قضاياهن وأكثر العقبات التي تواجههن بصوت نسوي ومنبر يهتم بهنّ... إننا نسعى إلى رسم خريطة إعلامية جديدة لرفع الوعي النسوي، وانخراط أكبر للنساء بالمجتمع».

ما يجدر التطرق إليه، أن سوريا كانت بلد الإعلام الموجه بامتياز، إلا أن المشهد الإعلامي تغيّر بعد 2011 في عموم سوريا؛ إذ ظهرت كثير من الإذاعات الخاصة. وهنا شددت يوسف على أن أهمية إذاعة «زين إف إم» تكمن في «تجاوزها كلاسيكيات البث الإذاعي التقليدي، والتوجه نحو التخصص النوعي لا الكمّي، الأمر الذي يسهم في خلق فضاء سماعي أفضل للنساء السوريات عموماً والكرديات خصوصاً». ومن ثم نوهّت بأن هذه التجربة «تضيف نافذة إعلامية تدعم هذا التوجه للتعبير عن النساء في المنطقة عبر برامج تعكس واقعها، وتحمل أفكارهنّ، وتوفر مساحة لمناقشة مختلف المواضيع اليومية وتقديم كثير من الإرشادات والنصائح اللازمة».

نصف مليون متابع...

وآلاف المقاطع على صفحاتها

كما سبقت الإشارة، فإن إذاعة «زين إف إم» هي أحد مشاريع مؤسسة «آرتا للإعلام والتنمية»، التي تعدّ من بين أقدم المؤسسات الإعلامية المستقلة في سوريا، ذلك أنها بدأت عملها منتصف عام 2013، بعد بث إذاعة «آرتا» برامج بأربع لغات لأبناء المنطقة، هي الكردية والعربية والسريانية والأرمينية، على التردد 99.5. ولها صفحة رسمية على موقع «فيسبوك»، ولديها قناة ويب على موقع «يوتيوب» وغيرها من المنصات الرقمية.

كلمة «آرتا» تعني «المقدّس» بالعربية، وهي أول إذاعة انطلقت باللغة الكردية في سوريا. ويقول الإعلامي سيروان حاج بركو، المدير التنفيذي لمؤسسة «آرتا»، - وهو أيضاً من بلدة عامودا - إن أكبر التحديات التي واجهتهم كانت في بث الإذاعة بلغتهم الأم الكردية. وشرح في حواره مع «الشرق الأوسط» أنها كانت لغة غير معترف بها في سوريا، «الأمر الذي حال دون تطوّرها مع مرور الوقت، بسبب منعها من قبل السلطات السورية».

وأضاف حاج بركو أن غياب مرجع كردي وقاموس موحّد للغة «كان يجبر فريق العمل في (آرتا) و(زين) على خوض نقاشات يومية مستمرة لإنتاج البرامج الإذاعية بلغة بسيطة يفهمها المستمع من أجل خلق توازن بين اللغتين العامية المحكية والأبجدية الفصحى في الكردية». ثم لفت إلى أن فريق المؤسسة «لا يسعى إلى تصحيح أبجدية اللغة الكردية... بل إلى تقديم إعلام مجتمعي مسموع ومفهوم، فالصعوبات لا تزال موجودة... ونحن نعمل على تصحيحها من خلال جهود اختصاصيين ولغويين وأكاديميين».

خلفية عن «آرتا»

في الواقع، تعد إذاعة «آرتا» اليوم بين أكثر الإذاعات رواجاً في شمال شرقي سوريا؛ إذ يتابعها نحو 40 في المائة من مستمعي الإذاعات العاملة في المنطقة. ووفق مجموعة «نافانتي» الأميركية التي تتابع بث الإذاعات في محافظات حلب وإدلب والحسكة، تصدرت «آرتا» ترتيب الإذاعات المسموعة في هذه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري الحاكم منذ سنوات.

وحالياً، تضم مؤسسة «آرتا» إلى جانب إذاعة «آرتا» وإذاعة «زين إف إم»، إذاعة «صوت الفراتية» التي تبث برامجها من مدينة الرقة شمالاً، و«آرتا الهول» التي تبث أثيرها داخل مخيم الهول شرق سوريا. ويضيف حاج بركو شارحاً أن «الحرب وتقلبات المشهد الميداني بسوريا والتهديدات التركية بضرب هذه المناطق، كلها كانت تحديات تفرض علينا تقديم صحافة إذاعية مهنية». وشدد على أن تفاعل المستمعين على منصات الإذاعة والاتصالات اليومية التي تردهم تعطيهم دفعاً لتقديم المزيد، فـ«عندما تتكلم بلغة جمهورك وصوت منطقتك ستحظى باهتمام ومتابعة أكبر».

وحقاً، يقدّر عدد متابعي «آرتا» على صفحتها الرسمية بموقع «فيسبوك» نحو نصف مليون متابع، وهناك 110 آلاف متابع على قناة «يوتيوب» المنشور عليها أكثر من 4 آلاف مقطع فيديو وأغنية ولقاء مع فنانين كرد. ولدى هذه الإذاعة أكبر مكتبة موسيقية من نوعها تضم أقدم التسجيلات الصوتية لفنانين كبار من أكراد سوريا، مثل الراحل محمد شيخو وسعيد يوسف «أمير البزق» وعبد القادر سليمان وجوان حاجو ومئات الألبومات الغنائية النادرة.

بدوره، أوضح الصحافي ماهر قرنو، رئيس تحرير إذاعة «آرتا» أن كل أفراد الكادر الإعلامي «على الرغم من ظروف الحرب والتهديدات التركية ومنغصات الحياة اليومية... وبفضل إيمان جميع الزميلات والزملاء ومستمعي الإذاعة ومتابعيها، توصلنا لهذه النتائج... وبالفعل، وجود نصف مليون متابع ومئات المشاركات والتعليقات والرسائل التي تصل لغرفة الأخبار والمتابعة، يشكّل مسؤولية كبيرة نتحملها».

ثم لفت قرنو إلى أن العمل الإذاعي يختلف عن أمثاله في الإعلام المطبوع والمرئي وقوة جاذبية الصوت والكلمة المسموعة. وأردف أن فريق عمل «آرتا» اختار الدمج بين موجات البث والصحافة الرقمية ومنصات «السوشيال ميديا»، للإطلالة على الجمهور ومتابعي صفحاتها. وتابع قرنو قائلاً إن «استمرارية العمل كانت من بين أكبر التحديات التي واجهتنا طوال السنوات الماضية. واختتم كلامه بقول: «كانت خططنا أسبوعية وشهرية، أما الدورة الإذاعية فكانت 3 شهور فقط... كان حلماً، وقد تحقق بفضل تعاون الكادر الإعلامي وتعاون فريق العمل، وهذا أعده أكبر إنجاز حققناه».



هل تعيد التطورات الرقمية تشكيل أخلاقيات الإعلام؟

التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
TT

هل تعيد التطورات الرقمية تشكيل أخلاقيات الإعلام؟

التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)

بينما تتسارع التطورات الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي، وتلقي بظلالها على عملية إنتاج المحتوى الإعلامي، يبرز السؤال حول مدى تأثير ذلك على القواعد المهنية، وما إذا كان التحول الرقمي سيعيد تشكيل أخلاقيات الإعلام؟

وبينما اتفق خبراء على أن التحولات الرقمية ألقت بظلالها بالفعل على القواعد المهنية، شددوا على ضرورة إعادة هيكلة تلك الإرشادات لإعطائها قدراً من المرونة يمكّنها من التعاطي مع التطورات التكنولوجية المتسارعة.

دورية «كولومبيا جورناليزم ريفيو» التي تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا بنيويورك، قالت في تقرير نشرته أخيراً، إن «الوقت يتغير وكذلك القواعد الأخلاقية»، مشيرة إلى أن «الصحافة تحتاج إلى أدلة استرشادية أخلاقية جديدة للتعاطي مع التحديات التكنولوجية المتسارعة»، حيث تثير التطورات الرقمية «معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل».

الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، أكد أن «التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل أخلاقيات الإعلام بطرق عميقة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «أخلاقيات الإعلام التقليدية مثل الدقة والإنصاف والمساءلة، صُمِّمت لبيئة إخبارية بطيئة تعتمد على العامل البشري، في حين أدخل التحول الرقمي ديناميكيات جديدة في ظل زيادة حدة التنافس الإعلامي في السعي وراء السبق والخبر العاجل، ما يجعل النشر السريع يفوق الدقة والتحقق».

وأشار إلى أن «ظهور (القبائل الرقمية) أو (غرف الصدى) بات نتيجة مباشرة لطبيعة استهداف المستخدم بناء على بياناته وتخصيص محتوى لفئات معينة دون غيرها، ما يضع تحديات أمام مبدأ خدمة المصلحة العامة». ويقول إن «التقنيات الرقمية باتت تحجب الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال ما يتطلب معايير أخلاقية مهنية جديدة»، موضحاً أنه «في ظل تحكم الخوارزميات في نشر المحتوى فإن المسؤولية الأخلاقية تمتد لتشمل شركات التكنولوجيا إلى جانب الصحافيين».

حقاً، كان الاعتقاد السائد أن «تغيّر الزمن لا يستدعي تغيّر الأخلاقيات، فقواعد الإعلام مثل الصدق والشفافية والاستقلال ثابتة مهما تغيّرت صناعة الإعلام». بحسب «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، لكنها تشير إلى «تغير هذا الاعتقاد السائد، فالقواعد الأخلاقية القديمة تتطلب إعادة تقييم لمواجهة المعضلات الرقمية الجديدة».

وفي رأي الصحافي اللبناني المدرّب في مجال التحقق من المعلومات، محمود غزيل، فإن «التطورات التي حدثت في الإعلام وتقنيات النشر تركت أثراً واسعاً على الرسالة الإعلامية وطرق استهلاكها، والأهداف التي ترنو إليها الجهات الإعلامية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما شهده العالم في الأعوام الثلاثة الأخيرة، منذ توسع مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي مع الإطلاق الرسمي لمنصة (تشات جي بي تي) وانضمام العديد من حول العالم، ومن بينهم الصحافيون، إليها، واختبار مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي بمختلف أطيافه، جعلت العالم يقف للحظة لمراجعة قرارته وخطواته بما يتعلق بكيفية وشروط النشر».

وأضاف أنه «إلى جانب مشكلة توليد النصوص والمواد المكتوبة عن طريق الذكاء الاصطناعي، وما قد يعتريها من (هلوسة) معلومات ومصادر، هناك أيضاً تحديات أخلاقية مختلفة، من بينها استخدام الفيديوهات والصور المولدة بالذكاء الاصطناعي»، موضحاً أنه «إن كان بعض أهل الصحافة والإعلام يقعون في فخ عدم التمييز بين الحقيقي والمزور، فمن الطبيعي على القارئ والمتابع أن يرتكب الخطأ نفسه، ما يجعل هناك أزمة معرفة».

وأكد أنه «يتوجب على وسائل الإعلام التي تلجأ إلى التقنيات الحديثة من أجل توليد المشاهد البصرية بسياق رمزي أو أرشيفي، توضيح ذلك للقارئ». وقال إن «الشفافية يجب أن تكون موجودة، مع العودة لمبادئ الصحافة المطبوعة في وصف الصورة ومصدرها».

وأشار غزيل إلى أن المسؤولية النهائية تظل على كاهل الصحافيين المحترفين، فلا يُعدّ أي محتوى إخبارياً ما لم يخضع لتدقيق وتحرير بشري، أي أن الفكرة تبدأ بالصحافي وتنتهي معه».

نقطة أخرى تطرق لها الصحافي اللبناني في حديثه تتعلق بمبدأ «الخصوصية»، حيث أثّرت التطورات التكنولوجية على خصوصية البيانات و«أصبح الصحافي قادراً على جمع المعلومات عبر منصات التواصل دون الحصول على إذن صاحبها ما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ضرر معنوي ونفسي قد لا تكون القوانين المحلية حالياً قادرة على معالجته»، وشدد على «ضرورة التزام الصحافيين بمواثيق الشرف والقواعد الأخلاقية مهما بلغت التطورات التكنولوجية».

وتثير مسألة خصوصية البيانات كثيراً من الجدل في ظل محاولات دول عدة وضع قواعد وقوانين لحماية بيانات المستخدمين، في وقت ترى فيه منصات التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا في ذلك «تقييداً لعملها».

وفي هذا الإطار، أكد نائب رئيس جامعة «شرق لندن» بالعاصمة البريطانية، الدكتور حسن عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»، أن «التطورات التكنولوجية الرقمية أعادت بالفعل تشكيل أخلاقيات الإعلام»، مشيراً إلى أن «منصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وتقنيات التزييف العميق وغيرها أدت إلى تسريع وتيرة إنتاج وتوزيع المعلومات، تزامناً مع طمس الحدود التقليدية بين الصحافيين والمنصات والجمهور».

وقال إن «التحولات الرقمية فاقمت التحديات الأخلاقية المرتبطة بالدقة، والخصوصية، والمساءلة، والتحيز، لا سيما ما يتعلق بانتشار (المعلومات المضللة) و(غرف الصدى)، والتلاعب بالرأي العام»، مشدداً على أن «هذه التطورات المتسارعة تتطلب إعادة صياغة لأخلاقيات الإعلام، حيث لم تعد الأطر التقليدية كافية في منظومة تهيمن عليها الخوارزميات وصنّاع المحتوى»، مشيراً إلى امتداد المسؤولية الأخلاقية إلى «شركات التكنولوجيا وعلماء البيانات ومصممي المنصات».

ويضرب نائب رئيس جامعة «شرق لندن» عدداً من الأمثلة على «عدم قدرة الأخلاقيات المهنية على التعاطي السريع مع التطورات التكنولوجية، من بينها انتشار المعلومات المضللة خلال حرب غزة التي لم تتمكن المنصات من احتوائها ومعالجتها بالسرعة الكافية، وقضية الإعلانات السياسية الموجهة وقدرتها على التلاعب وتوجيه الرأي العام معتمدة على بيانات المستخدمين».

وفي رأي عبد الله، فإنه «لمواكبة التطورات الرقمية، يجب أن تتطور أخلاقيات الإعلام في ثلاثة اتجاهات رئيسية»، الاتجاه الأول يتعلق بـ«دمج الأطر الأخلاقية في مبادئ حوكمة التكنولوجيا، ما يعني إلزام المنصات بالشفافية بشأن الخوارزميات واستخدام البيانات».

أما الاتجاه الثاني، بحسب عبد الله، فيتعلق بـ«تعزيز التعاون المتعدد التخصصات بين الصحافيين، وخبراء الأخلاق، والتقنيين، وصناع السياسات». وثالثاً، يقترح عبد الله «المراجعة الأخلاقية المستمرة داخل المؤسسات الإعلامية، ودمجها بقدر من التنظيم القانوني، والمعايير المهنية، ومبادرات محو الأمية الإعلامية للجمهور، بحيث تصبح القواعد الأخلاقية الجامدة مرنة بدرجة تسمح لها بالاستجابة للتطورات المتسارعة».

ختاماً، فإنه وفق «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، فإن «القواعد المهنية الأساسية للإعلام لم تتغير، فالصحافة لا تزال تؤمن بضرورة خدمة المصلحة العامة بعدالة واستقلالية وشفافية ودقة، لكن طبيعة العمل في عالم سريع التطور يفرض معضلات أخلاقية، قد يساعد وضع قواعد مهنية جديدة في التعامل معها، وهي قواعد ستتغير مع الوقت».


تعويض «غوغل» لناشرين... هل يحد من أزمة تراجع الزيارات؟

شعار شركة «غوغل» في متجر «غوغل تشيلسي» بمدينة مانهاتن (رويترز)
شعار شركة «غوغل» في متجر «غوغل تشيلسي» بمدينة مانهاتن (رويترز)
TT

تعويض «غوغل» لناشرين... هل يحد من أزمة تراجع الزيارات؟

شعار شركة «غوغل» في متجر «غوغل تشيلسي» بمدينة مانهاتن (رويترز)
شعار شركة «غوغل» في متجر «غوغل تشيلسي» بمدينة مانهاتن (رويترز)

أبرمت «غوغل» سلسلة من «الصفقات النقدية» مع مؤسسات نشر بارزة، وقالت إنها «تستهدف الدفع للناشرين مقابل حقوق العرض الموسّع وطرق إيصال المحتوى». ورأى خبراء أن هذه الخطوة «تختلف عن صفقات الذكاء الاصطناعي التي عقدتها شركات مثل (أوبن إيه آي) و(مايكروسوفت) مع ناشرين في وقت مبكر، لأنها لم تُقدم بوصفها اتفاقات لترخيص المحتوى، بل بعدّها امتداداً لشراكات تجارية قائمة بالفعل».

وأكدت «غوغل»، في بيان صحافي خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أن هذه «الصفقات تأتي ضمن برنامج تجريبي جديد لاستكشاف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في جذب جمهور أكثر تفاعلاً».

في المقابل، يربط مراقبون هذه التحركات بمحاولة «تهدئة غضب الناشرين الذين يشكون من تراجع الزيارات (لمواقعهم)، خصوصاً مع تصاعد أزمة البحث دون نقر أو ما يُعرف باسم (الزيرو كليك)، الذي ترتب على إطلاق الملخصات المعززة بالذكاء الاصطناعي التي تقدم للمستخدم إجابات مباشرة دون الحاجة إلى زيارة الموقع الأصلي».

يقول المشرف على تحرير الإعلام الرقمي في قناة «الشرق للأخبار»، حاتم الشولي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخطوة بشكل أساسي، هي شراكة تجارية مدفوعة، خاصة أنها عبارة عن تجربة مع كبار الناشرين مثل (الغارديان) و(واشنطن بوست) وغيرهما، وهذا دليل على أن التجربة مبنية على استهداف جمهور أكبر ومخصص، وفي حال نجاحها ستتحول تدريجياً بكل تأكيد لمشاركة الإيرادات، وقتها ستوضع قواعد جديدة قد تغيّر من شكل العملية السارية حالياً».

وتوقّع الشولي أن «نتائج هذه الصفقات ستظهر في مقالات مختارة ضمن (غوغل نيوز)»، كما أنها ستظهر من خلال «تحسّن في ظهور هذه المقالات من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي فعلياً بدأت في بعض المناطق والأسواق تظهر على شكل ملخصات، لكن هذا منفصل عن مسار التجربة القائمة حالياً؛ ولكنه الأساس الذي انطلقت منه التجربة».

وحول مدى جدوى خطوات «غوغل» التعويضية، قال الشولي، المشرف على تحرير الإعلام الرقمي، إنه «من المستحيل أن تقدم (غوغل) أي ضمان في معدل الخوارزميات، لكونها متغيّرة بشكل دائم ويستحيل أن تحافظ على ثباتها. وعليه، لا يكون هناك أي التزام من طرف (غوغل) بضمان هذه العملية». لكنه تابع أن من «المرجّح أن تتجه الشركة نحو الضمانات المالية والتعويضات المتوقعة بناء على نجاح التجربة، وهذا سيكمن في تفاصيل العقود المبرمة بين (غوغل) وصُنّاع الأخبار، وهو أمر نادراً ما يتم الإفصاح عنه».

من جانبها، ذكرت «غوغل» أنها ضمن هذا البرنامج التجريبي «تعمل مع الناشرين على اختبار مزايا جديدة داخل أخبار المنصة، من بينها ملخصات للمقالات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تظهر على صفحات المنشورات المشاركة لتقديم سياق إضافي قبل النقر، إلى جانب موجزات صوتية لمن يفضلون الاستماع». وأكدت أن «هذه المزايا ستتضمن إسناداً واضحاً للمصدر وروابط مباشرة للمقالات».

وبينما عدّ بعضهم خطوة «غوغل» محاولة لـ«تعويض» الناشرين، رأى مدير «إدارة المحتوى الرقمي في سي إن إن الاقتصادية»، محمود تعلب، أن «النجاح الحقيقي في زيادة الزيارات يجب أن يقاس بمؤشرات أكثر من مجرد عدد الزوار». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «يجب أن تكون هناك ضمانات على ارتفاع نسبة الزيارات التي تؤدي إلى مشاهدة الصفحة الكاملة بدلاً من الزيارات القصيرة. كما ينتظر الناشرون وجود إعلانات أو اشتراكات بدلاً من الزيارات السريعة، وكذلك وجود نسبة أعلى من الزيارات من نتائج البحث التقليدي، وليس فقط من الملخصات أو إجابات الذكاء الاصطناعي».

ورغم أن تعلب عدّ خطوة «غوغل» رسالة «حُسن نية»؛ لكنه قال إن لم تتبعها خطوات تنظيمية تضمن حقوق المالك الأصيل للمحتوى «فلن تحقق المستهدف الحقيقي». وشدد على أن الضمانات يجب أن تشمل «التزاماً بعدم تقليل الزيارات بشكل مفاجئ نتيجة تغييرات خوارزمية دون إشعار مسبق»، كما من «المنتظر أن تضم آلية تقييم شفافة تربط التعويضات بحصص الزيارات الفعلية، كذلك شرط تعديل الدفع وفقاً لأثر التغييرات التقنية على الزيارات والإحالات». وأضاف: «يجب أن تكون عقود الناشرين مرتبطة بالأداء الحقيقي، وليس بنتائج ظاهرية أو مزاعم تحسين قد لا تتحقق».

وعن التأثير المتوقع من هذه الصفقات، يرى تعلب أن «من المرجح أن يكون التأثير في عملية البحث أولاً، وثانياً في (غوغل نيوز)، لأن هذه الأماكن هي التي ترتبط مباشرة بسلوك البحث التقليدي، وإحالات الزوار إلى موقع الناشرين. أما (ديسكوفر) فتظل خوارزميات التخصيص فيها أقل اعتماداً على النصوص الملخصة، وتظهر بشكل أكبر المحتوى الذي يتناسب مع اهتمامات المستخدم، لكن لا يمكن الاعتماد عليها بوصفها قناة رئيسية لتعويض الانخفاض».

وبحسب محمود تعلب، مدير «إدارة المحتوى الرقمي»، فإن «الخطوة التي تعلن عنها (غوغل) الآن ليست حلاً، بل تجربة أولى باتجاه توزيع القيمة وعلاقات الشراكة»، موضحاً أن «نجاحها يعتمد على مدى التزام (غوغل) بالتوزيع العادل للزيارات، وإدراج ضمانات أداء حقيقية في العقود، وإعادة التوازن بين التكنولوجيا ومصالح الناشرين الذين ينتجون المحتوى الذي تعتمد عليه تلك التكنولوجيا نفسها لتحقيق أرباحها».


«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE
TT

«نتفليكس» و«باراماونت» تتسابقان لشراء «ورنر بروس»

epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue.  EPA/HANNIBAL HANSCHKE
epa12579810 The app logos of Netflix, Warner Brothers and Paramount are seen on a smartphone display in Berlin, Germany, 09 December 2025. Following Netflix's 82 billion dollars offer, the next major bid for Warner Bros. has arrived: Paramount wants to raise 108 billion dollars for the company. Now, an expensive bidding war between the two giants could ensue. EPA/HANNIBAL HANSCHKE

تعيش هوليوود واحدة من أكثر لحظاتها اضطراباً منذ عقود، بعدما تحوّلت صفقة الاستحواذ على «ورنر بروس ديسكفري» إلى مواجهة مفتوحة بين عملاق البث «نتفليكس» من جهة، والتحالف الذي تقوده «باراماونت – سكاي دانس» برئاسة ديفيد إليسون (نجل مؤسس «أوراكل» الملياردير لاري إليسون)، المدعوم بثروات هائلة وشبكة نفوذ سياسية، من جهة أخرى.

ورغم أن ظاهر المعركة تجاري بحت، فإن جوهرها يتجاوز حدود صناعة الترفيه ليصل إلى توازنات القوة الإعلامية في الولايات المتحدة، وإلى مقاربات البيت الأبيض التنظيمية، وربما حتى إلى علاقة الرئيس دونالد ترمب بعدد من هذه المؤسسات.

Paramount, Netflix and Warner Bros logos are seen in this illustration taken December 8, 2025. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration

أهمية «ورنر بروس»

تعد «ورنر بروس» إحدى أثقل القلاع الثقافية والإعلامية في العالم. فإلى جانب تاريخها السينمائي العريق، تمتلك الشركة واحدة من أضخم مكتبات المحتوى التي تضم أعمالاً من «هاري بوتر» و«دي سي كوميكس» و«غيم أوف ثرونز»، إضافة إلى شبكة «إتش بي أو» ومحفظة تلفزيونية واسعة. والسيطرة عليها تمنح مالكها ثلاث ركائز جوهرية:

• محتوى ضخم عالي القيمة قادر على تغذية منصات البث لعقود مقبلة.

• حقوق بث وتوزيع دولية تتيح توسعاً كبيراً في الأسواق العالمية.

• تكامل رأسي كامل يجمع بين الإنتاج والتوزيع والبث، ويخلق قوة سوقية استثنائية.

من هنا، فإن فوز «نتفليكس» أو «باراماونت» بالاستوديو يعني تغيّراً جوهرياً في المشهد العالمي، وظهور كيان يتجاوز في وزنه معظم الشركات الإعلامية الحالية.

"باراماونت" تخوض سباقاً مع "نتفليكس" لشراء "ورنر بروس" (أ.ف.ب)

صفقة نتفليكس و«قلق» البيت الأبيض

أعلنت «نتفليكس» قبل أيام التوصل إلى اتفاق مبدئي لشراء معظم أصول «ورنر بروس ديسكفري» مقابل 83 مليار دولار (عرضت فيها 27.75 دولار للسهم)، مع إبقاء «سي إن إن» والقنوات الإخبارية والرياضية ضمن شركة مستقلة تدعى «ديسكفري غلوبال».

عدّ كثيرون الخطوة منطقية: توحيد أكبر منصة بث في العالم مع واحد من أضخم الاستوديوهات، ما يخلق عملاقاً يصعب منافسته. لكن العامل السياسي دخل ساحة المعركة بقوة. فقد صرّح الرئيس ترمب بأنه سيكون «منخرطاً» في تقييم الصفقة، ملمّحاً إلى أن الحصة السوقية لـ«نتفليكس» قد تشكل «مشكلة».

ورغم ثنائه على تيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك للمنصة، فإن تلويحه بالتدخل التنظيمي ألقى ظلالاً من الشك على الصفقة، خصوصاً أن عرض «نتفليكس» يجمع بين النقد والأسهم، ما يعرّضه لتدقيق احتكاري واسع.

باراماونت.. عرض «عدائي» ونقد أكثر

لم تتأخر «باراماونت – سكاي دانس» في الرد. فبعد ساعات من إعلان «نتفليكس»، أطلقت عرضاً عدائياً مباشراً للمساهمين بقيمة 108.4 مليار دولار، وبسعر 30 دولاراً للسهم، أي أعلى بكثير من عرض منافستها.

ويمتاز عرض «باراماونت» بأنه أكثر نقداً وتمويلاً مباشراً، مدعوماً من ثروة عائلة إليسون وصناديق «ريدبيرد» و«أفينيتي بارتنرز»، إضافة إلى ثلاثة صناديق سيادية عربية (السعودية، الإمارات، قطر) تشارك بتمويل بلا حقوق حوكمة. ووفقاً لمصادر في الشركة، فإن عرضها «أكثر يقيناً وسرعة في التنفيذ»، مقارنة بعرض «نتفليكس» الذي يتوقع أن يواجه تدقيقاً احتكارياً وتنظيمياً معقداً.

البعد السياسي للصراع

على الرغم من محاولة الطرفين الظهور وكأن معركتهما تجارية بحتة، فإن السياسة حاضرة بكل ثقلها. ويلعب جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب، دوراً محورياً بصفته شريكاً مالياً في عرض «باراماونت» عبر «أفينيتي بارتنرز». وتحدثت تقارير بريطانية عن وعود من «باراماونت» بإجراء تغييرات جذرية في «سي إن إن» في حال فوزها، وهو ما يمنح الصفقة بعداً سياسياً حساساً.

في المقابل، ينتقد ترمب «باراماونت» و«سي بي إس» التابعة لها بسبب خلافات مع برنامج «60 دقيقة». ومع ذلك، صعّد ترمب هجومه المباشر على «سي إن إن»، مطالباً بتغيير مالكيها كجزء من أي صفقة لبيع «ورنر». وقال في اجتماع بالبيت الأبيض: «لا أعتقد أنه يجب السماح للأشخاص الذين يديرون (سي إن إن) حالياً بالاستمرار. يجب بيعها مع باقي الأصول». كما أكد أنه سيشارك بنفسه في قرار الموافقة على الصفقة، في خروج غير مألوف عن الأعراف التنظيمية.

هذا التناقض يكشف عن صراع مفتوح على النفوذ الإعلامي، قد يؤثر على القرار النهائي أكثر من معايير الاحتكار ذاتها، رغم أن اكتمال أي من الصفقتين، سيؤدي إلى ولادة عملاق إعلامي فائق.

منصتان فائقتان

اندماج «نتفليكس ورنر بروس» سيخلق أكبر منصة بث ومكتبة محتوى في العالم، تفوق «أمازون برايم» و«ديزني» مجتمعتين في حجم الاشتراكات والمحتوى الأصلي والحقوق. أما اندماج «باراماونت ورنر بروس» فسيكوّن أكبر استوديو سينمائي - تلفزيوني متكامل، يضم «سي بي إس» و«باراماونت» و«إيتش بي أو» و«سي إن إن» (في حال لم تُفصل)، ما يجعله النسخة الحديثة من «استوديو هوليوودي شامل». وسيعد الكيان الناتج عن أي من الصفقتين الأكبر عالمياً في مجال الإعلام والترفيه، لكن بدرجات مختلفة: «نتفليكس» ستتربع على قمة البث، و«باراماونت» على قمة الإنتاج التقليدي والخبري.

لكن المخاطر كبيرة أيضاً. فوفق محللين، قد يبتلع الاستوديو إدارة «نتفليكس» ويستهلك طاقاتها، بينما يخشى البعض من تراجع نوعية المحتوى إذا خضعت المكتبة الضخمة لمنهج المنصة القائم على الكميات الكبيرة.

ويتفق خبراء على أن كلا العرضين يواجه عوائق تنظيمية ضخمة، لكن الخطر الأكبر ليس تنظيمياً، بل سياسي، كما قال وليام باير، المدير السابق لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. وقال لصحيفة «واشنطن بوست»: «المشكلة الحقيقية هي إن كانت القرارات ستُبنى على اعتبارات قانونية أم على مصلحة الرئيس».

بالنسبة لمحطة «سي إن إن» التي يناهضها ترمب علناً، فستكون مع عرض «نتفليكس»، جزءاً من شركة منفصلة لديها استقلال أكبر، بعيداً عن الصراع السياسي. وهو ما يعدّه كثير من العاملين فيها مخرجاً آمناً، بعد تخوفهم من احتمال أن تقود «باراماونت»، المتجهة نحو توجّهات محافظة، عمليات تغيير واسعة فيها. ومع ذلك، من الناحية الاقتصادية، سيكون مستقبل «سي إن إن» في شركة صغيرة تحدياً قد يقود إلى تقشف أكبر.

وفي النهاية، قد تكون القرارات السياسية هي العامل الحاسم في تحديد من سيضع يده على إرث «ورنر بروس» العريق.