اجتماع آستانة يضبط تفاهمات «الضامنين» في مناطق «خفض التصعيد»

لافروف حذر واشنطن من عواقب توجيه ضربة للنظام السوري

وزيرا الخارجية الإيراني والتركي خلال اجتماع آستانة أمس (أ.ف.ب)
وزيرا الخارجية الإيراني والتركي خلال اجتماع آستانة أمس (أ.ف.ب)
TT

اجتماع آستانة يضبط تفاهمات «الضامنين» في مناطق «خفض التصعيد»

وزيرا الخارجية الإيراني والتركي خلال اجتماع آستانة أمس (أ.ف.ب)
وزيرا الخارجية الإيراني والتركي خلال اجتماع آستانة أمس (أ.ف.ب)

اتفق وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران على تعزيز مسار آستانة، وعدم السماح بتقويضه رغم تداعيات الوضع الميداني وانهيار اتفاقيات وقف النار في بعض مناطق خفض التصعيد في سوريا. وجدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تحذير واشنطن من «عواقب كارثية» إذا فكرت في توجيه ضربة إلى مواقع حكومية سورية، واتهمها بالعمل على «دعم الإرهابيين وزعزعة سيادة ووحدة سوريا».
وعقد لافروف، أمس، جلسة محادثات مطولة مع نظيريه الإيراني محمد جواد ظريف والتركي مولود جاويش أوغلو، هي الأولى للوزراء الثلاثة منذ تدهور الوضع العسكري في منطقتي إدلب وغوطة دمشق اللتين كانت البلدان الثلاثة رعت اتفاقاً لوقف النار فيهما، وإدراجهما ضمن مناطق خفض التصعيد.
وسعت الأطراف الثلاثة إلى «ضبط أجنداتها» على ضوء المتغيرات الميدانية وفقاً لتعبير دبلوماسي روسي، رأى أن أهمية الاجتماع تكمن في التوافق على آليات التحرك المشتركة في المرحلة اللاحقة. بالإضافة إلى إعداد توصيات مشتركة لرفعها إلى قمة رؤساء البلدان الثلاثة المقررة في الرابع من الشهر المقبل في إسطنبول. وقال لافروف في وقت لاحق أمس: إن القمة الثلاثية ستبحث «التوافق على آليات جديدة لدفع التسوية السياسية في سوريا».
وبرز التوافق في المواقف حول الوضع في الغوطة الشرقية واضحاً خلال مؤتمر صحافي عقده الوزراء في ختام محادثاتهم. واتهم لافروف بلداناً غربية بالسعي إلى «حماية الإرهابيين في الغوطة الشرقية»، وجدد تحذير واشنطن من مغبة توجيه ضربة عسكرية لدمشق.
وقال لافروف: إن المناقشات التي تجري في الغرب حول الوضع الإنساني في الغوطة الشرقية عكست «قراءة أحادية للوضع تذكرنا بما جرى في حلب الشرقية في عام 2016، وثمة حرص واضح لدى بعض شركائنا الغربيين على حماية الإرهابيين، و(جبهة النصرة) في المقام الأول، من الضربات والحفاظ على قدراتهم القتالية، باعتبارهم يؤدون دوراً استفزازياً في مخططات للمخرجين الجيوسياسيين الغربيين، الذين يسعون وراء أي شيء ما عدا مصالح الشعب السوري».
وأكد لافروف، أنه رغم «الضجة المثارة حول الغوطة، ستستمر روسيا في دعم الحكومة السورية في جهودها الرامية إلى تأمين خروج المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى والمرضى من الغوطة»، مشيراً إلى «أن هذا العمل بدأ يأتي بثماره، بعدما غادر أكثر من 12 ألف مدني الغوطة خلال يوم أمس (أول من أمس)، إضافة إلى دخول قافلة إنسانية أممية إلى مدينة دوما، تحمل 137 طناً من المساعدات».
وكان لافروف شدد في مستهل اللقاء على أهمية لقاءات آستانة حول سوريا، وأشار إلى أنها أثبتت فاعليتها وساهمت في التمهيد للتسوية السياسية.
وقال: إن نتائج المحادثات حول التسوية السورية من خلال منصة آستانة لا تحظى بتأييد «أطراف ترغب في تقسيم سوريا إلى دويلات وإمارات» في إشارة مباشرة إلى واشنطن.
متهماً من وصفهم بأنهم «ينتهكون جميع قواعد القانون الدولي في سوريا بما فيها القرار 2254، اعتمدوا على ما يبدو نهج تقسيم سوريا، ويركزون على تغيير النظام فيها لكي تظهر على أنقاض هذه الدولة المهمة جدا في الشرق الأوسط، دويلات هزيلة تخضع للاعبين خارجيين».
وجدد لافروف رفض روسيا المطلق للتهديدات الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية لدمشق وتحت أي ذريعة، مؤكداً أن موسكو أبلغت واشنطن موقفها هذا عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية.
وعكس حديث لافروف أن أبرز محورين تسعى موسكو إلى تثبيتهما مع شريكيها التركي والإيراني هما المحافظة على مسار آستانة، وإطلاق العمل في اتجاه تنفيذ قرارات سوتشي حول تأسيس لجنة دستورية سورية. وأشار في المحور الأول إلى أن «محاولات النيل من هذا المسار تقف وراءها القوى التي يزعجها التعاون المستمر بين روسيا وتركيا وإيران، والتي تراهن على تقسيم سوريا وتحويلها إلى ساحة للفوضى واللعب الجيوسياسية».
وزاد: إن مناطق خفض التصعيد في سوريا التي حددها مسار آستانة لا تزال قائمة، مضيفاً: إن البلدان الضامنة «لم تبحث مسألة توسيع رقعتها أو إنشاء مناطق جديدة»؛ ما حمل إشارة ضمنية إلى عفرين التي لم يتم التوصل إلى اتفاقيات بشأن الوضع المستقبلي فيها. وتابع لافروف: إن «تمديد سريان مفعول اتفاقيات مناطق خفض التصعيد سيتوقف على سير التطورات على الأرض».
وشدد الوزير الروسي في المحور الثاني على أهمية المضي في مسار التسوية السياسة، التي «تشكل صياغة الدستور السوري الجديد منعطفاً حاسماً فيها». ولفت إلى وجود صعوبات في تشكيل لجنة الإصلاح الدستوري التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الحوار في سوتشي نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، لكنه أكد ضرورة تفعيل هذا العمل على تشمل اللجنة كل الأطياف السورية، وأن يتمكن السوريون من حل خلافاتهم فيها عبر التوافق ومن دون تدخل خارجي.
وجدد لافروف دعوة المعارضة السورية المسلحة إلى «فصل نفسها عن الجماعات الإرهابية»، وهو مطلب لقي تأييداً من نظيريه التركي والإيراني. إذ شدد جاويش أوغلو أيضاً، على أهمية الفصل، مؤكداً على ضرورة «تصفية الإرهابيين بكل ألوانهم».
داعياً في الوقت ذاته، إلى تجنب سقوط مدنيين خلال العمليات على الإرهاب.
وأشار ظريف إلى أهمية مسار آستانة في تقليص حدة التوتر في سوريا، ودعا إلى «مواصلة تنسيق الجهود من أجل محاربة الجماعات الإرهابية كخطوة أساسية في الطريق إلى الحل السياسي»، مشدداً على ضرورة أن «تبذل روسيا وتركيا وإيران كل الجهود اللازمة المشتركة حتى تحرير سوريا من الإرهابيين بشكل كامل».
تزامن اللقاء مع تأكيد الخارجية الروسية في بيان على نية موسكو «مواصلة تقديم كل أشكال الدعم للقوات السورية حتى القضاء نهائياً على الإرهاب في سوريا». وشددت على أن مكافحة الإرهاب «يجب أن تكون أمراً مشتركاً للمجتمع الدولي كله، وأن تطبيق المعايير المزدوجة في هذا الأمر، ومحاولات تقسيم الإرهابيين إلى سيئين وجيدين، واستخدامهم من أجل المصالح الجيوسياسية أمر مرفوض».
وشدد البيان على أن موسكو تعتقد أن عملية التفاوض في آستانة تتمتع بفرص كبرى لاستعادة السلام والاستقرار والأمن في سوريا الموحدة؛ ما يدفع البلدان الضامنة إلى تعزيز التعاون بينها لضمان «عدم تراجع هذه العملية، آخذين بعين الاعتبار مصالح كل السوريين».
إلى ذلك، نقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الروسية عن مصدر مقرب من مباحثات آستانة قوله: إن الجولة الجديدة من المحادثات الموسعة سوف تجرى في منتصف مايو (أيار) المقبل. مشيراً إلى أن اللقاءات الحالية اقتصرت على البلدان الضامنة التي بحثت على مستوى الخبراء ترتيب عقد الاجتماع الأول لمجموعة العمل التي تم تأسيسها في الجولة الأخيرة من المفاوضات في آستانة حول ملف المعتقلين والمخطوفين السوريين.
وتضمنت أجندة اللقاءات التقنية، حسب مصادر شاركت في الاجتماعات، مناقشة البيان الختامي، وتقييم ما حصل العام الماضي من اجتماعات للدول الضامنة في آستانة، وتناول موضوع مناطق وقف التصعيد والانتهاكات فيها، وبشكل خاص في إدلب والغوطة الشرقية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.