آلاف المدنيين ينزحون من الغوطة الشرقية بعد سيطرة النظام على حمورية

سقوط 70% من المنطقة... والمعارضة تحذّر من إبادة جماعية

مدنيون ينزحون من الغوطة أمس هرباً من القصف العنيف لطيران النظام ومدافعه على مناطقهم (أ.ب)
مدنيون ينزحون من الغوطة أمس هرباً من القصف العنيف لطيران النظام ومدافعه على مناطقهم (أ.ب)
TT

آلاف المدنيين ينزحون من الغوطة الشرقية بعد سيطرة النظام على حمورية

مدنيون ينزحون من الغوطة أمس هرباً من القصف العنيف لطيران النظام ومدافعه على مناطقهم (أ.ب)
مدنيون ينزحون من الغوطة أمس هرباً من القصف العنيف لطيران النظام ومدافعه على مناطقهم (أ.ب)

بسطت قوات النظام نفوذها على 70% من الغوطة الشرقية بعدما سيطرت على بلدة حمورية الخاضعة لفيلق الرحمن، ما أدى إلى أكبر موجة نزوح جماعية من المنطقة المحاصرة في وقت وصلت فيه قافلة مساعدة إنسانية إلى مدينة دوما التي كانت قد دخلت ضمن اتفاق «جيش الإسلام» وموسكو.
ودخلت قوات النظام، ليل أول من أمس (الأربعاء)، بلدة حمورية التي تعد من البلدات الرئيسية الواقعة تحت سيطرة «فيلق الرحمن» في جنوب المنطقة المحاصرة، ليعلن بعد ظهر أمس عن سيطرتها عليها بعد أيام من الغارات والقصف الكثيف.

ومنذ اللحظة الأولى لدخول قوات النظام، ليلاً، خرج الآلاف من المدنيين أمس باتجاه مناطق سيطرة قوات النظام في منطقة عدرا، حيث كانت حافلات وسيارات إسعاف بانتظار نقلهم إلى مراكز إقامة مؤقتة قرب دمشق. ووصف المتحدث باسم فيلق الرحمن وائل علوان ما يحصل في المنطقة بـ«الإبادة الجماعية» متهماً النظام باستخدام المدنيين دروعاً بشرية وإجبارهم على الخروج من المنطقة على وقع القصف المكثف واستخدام الغازات السامة.

وقال علوان لـ«الشرق الأوسط»: «النظام يقوم بإبادة جماعية في الغوطة تستهدف بجميع أنواع الأسلحة»، مضيفاً: «سيارات الإسعاف لا تستطيع الوصول إلى آلاف القتلى والجرحى الذين لا يزالون تحت الأنقاض، كما تُسجل حالات اختناق بين الأهالي والعائلات التي تختبئ في الأقبية نتيجة استخدام الغازات السامة». وقبل الإعلان عن سقوط حمورية، قال علوان إن النظام حاول صباحاً تنفيذ محاولات اقتحام عدة من الجبهات الشرقية لكنه فشل، مضيفاً: «يدّعون بتنفيذ هدنة في دوما بينما ما يحصل اليوم في مناطق الغوطة الأخرى هو كارثة إنسانية لم يشهد لها العالم قبل ذلك مثيلاً، متفوقين على أنفسهم بما قاموا به في حلب».
وحمل المدنيون وغالبيتهم من النساء والأطفال أغراضهم وحقائبهم، وخرج معظمهم سيراً على الأقدام ويجر بعضهم عربات أطفال، بينما استقل آخرون دراجات نارية وسيارات، عبر ممر من بلدة حمورية باتجاه منطقة عدرا، وفق ما أفاد مراسلان لوكالة الصحافة الفرنسية على جانبي المعبر.
وقال الناشط في «الغوطة» يوسف البستاني لـ«الشرق الأوسط»: «بعد دخول النظام حمورية لم يعد أمام المدنيين الذين وصلوا إلى مرحلة اليأس من خيار إلا تسليم أنفسهم له والهروب إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم في غياب أي اتفاق لحمايتهم أو ضمانة لهم»، محذراً من كارثة إنسانية قد تصيب مَن هربوا ومن لا يزالون داخل الغوطة.
وقدر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن عدد المدنيين الذين خرجوا من حمورية وبلدات مجاورة بينها كفر بطنا وسقبا وجسرين منذ ساعات الصباح بنحو 20000 مدني، مشيراً إلى انسحاب فصيل «فيلق الرحمن» من المناطق المحيطة بالممر الإنساني، وقال: «إنه النزوح الجماعي الأكبر منذ بدء قوات النظام هجومها على الغوطة الشرقية» في 18 فبراير (شباط).
ورجح متحدث باسم الجيش الروسي، وفق ما نقلت عنه وكالات روسية، خروج ما لا يقل عن 13 ألف شخص من حمورية نهاية أمس (الخميس). ومعظم المدنيين الذين خرجوا أمس، هم من بلدات حمورية وكفر بطنا وسقبا وجسرين، التي كانت تعد معاقل «فيلق الرحمن» في جنوب المنطقة المحاصرة.
وتشنّ قوات النظام منذ 18 فبراير حملة جوية عنيفة على الغوطة، ترافقت لاحقاً مع هجوم بري تمكنت خلاله، حتى أمس، من السيطرة على نحو 70% من مساحة المنطقة المحاصرة ومن تقسيمها إلى 3 جيوب. وتسبب الهجوم حتى الآن في مقتل 1249 مدنياً بينهم 252 طفلاً، وفق المرصد.
وفاقم الهجوم من معاناة 400 ألف مدني يقيمون في المنطقة وفق الأمم المتحدة، وتحاصرهم قوات النظام بشكل محكم منذ عام 2013، ما تسبب في نقص فادح في المواد الغذائية والأدوية واللوازم الطبية.
وأمس، دخلت قافلة مساعدات مشتركة بين الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري إلى مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية تحت سيطرة «جيش الإسلام».
وتضم القافلة 25 شاحنة تحمل مواد غذائية مخصصة لـ26100 شخص، وفق ما أفاد المنسق الإعلامي للجنة الدولية للصليب الأحمر بافل كشيشيك، لوكالة الصحافة الفرنسية. وقالت اللجنة على حسابها على «تويتر» إن المساعدات «جزء بسيط مما تحتاج إليه هذه العائلات». وكان لافتاً دخول رئيس اللجنة الدولية بيتر ماورير الذي يزور سوريا منذ أيام في عداد القافلة.
وبعد وصولها إلى دوما، وفي أثناء إفراغ حمولتها، سقطت قذائف هاون عدة قريبة، ما أدى إلى توقف العملية لنحو 20 دقيقة، قبل أن يتم استئنافها وفق ما أفادت الوكالة نفسها. ويأتي إدخال المساعدات إلى المدينة التي تشهد تراجعاً ملحوظاً في وتيرة القصف منذ مطلع الأسبوع، غداة إخراج دفعتين من الحالات المرضية مع مرافقيهم من المدنيين، بناءً على اتفاق بين جيش الإسلام والجانب الروسي بوساطة من الأمم المتحدة، بحيث تم منذ الثلاثاء إجلاء 220 مدنياً على الأقل بينهم 60 حالة مرضية، حسب المرصد، إلى مركز إيواء مؤقت قرب دمشق.
ويتضمن الاتفاق، حسب المرصد «بقاء جيش الإسلام في المنطقة على أن تدخلها شرطة عسكرية روسية مع رفع الأعلام السورية على المؤسسات الرسمية»، في وقت تستمر فيه المفاوضات بين وجهاء محليين وقوات النظام في حرستا.

 

الحرب السورية قتلت أكثر من نصف مليون شخص وهجرت الملايين

 



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.