ارتفاع حدة التوتر بين الحكومة التونسية ونقابة العمال

منظمات حقوقية دولية تدعو السلطات إلى وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب

TT

ارتفاع حدة التوتر بين الحكومة التونسية ونقابة العمال

في مؤشر على ارتفاع حدة التوتر بين الحكومة التونسية ونقابة العمال، رد يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، أمس، على تصريح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (رئيس نقابة العمال)، الذي دعا إلى أن تكون حكومته حكومة تصريف أعمال، بالقول إن حكومة الوحدة الوطنية «هي التي طرحت الإصلاحات الجوهرية، وهي ليست حكومة تصريف أعمال».
وأوضح الشاهد، خلال وضع حجر الأساس لمشروع تحلية مياه البحر في مدينة سوسة (وسط شرق)، أن القطاعات الاقتصادية المنتجة سجلت انتعاشا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، مبرزا أن الحكومة ماضية في عملها رغم الإكراهات المالية الناجمة عن تأزم ملف الصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية. وشدد على أن تحسن مؤشرات هذين الملفين ستؤثر بشكل إيجابي على تصنيف تونس من قبل هياكل التصنيف الدولية.
وفي المقابل، قال نور الدين الطبوبي، أمين عام الاتحاد العام للشغل، على هامش إحياء ذكرى وفاة الزعيم النقابي فرحات حشاد، إن المرحلة الحالية «تقتضي ضخ دماء جديدة في أجهزة الدولة، وبالتالي تشكيل حكومة سياسية محنكة، بإمكانها تجاوز المعوقات المحيطة بالبلاد، وفي مقدمتها الجانب الاقتصادي».
وتمسك اتحاد الشغل بتقييم عمل الحكومة، ومدى قدرة رئيسها على حل إكراهات المرحلة المقبلة، وهو ما يعني البحث عن «ربان جديد للحكومة»، حسبما جاء في تصريحات قيادات نقابية.
وكانت مجموعة من الأحزاب الموجودة خارج الائتلاف الحاكم، ومن بينها «حركة مشروع تونس»، التي يتزعمها محسن مرزوق قد دعت إلى ضرورة تحول حكومة الشاهد إلى حكومة تصريف أعمال، أو حكومة كفاءات، وذلك قبل فترة قليلة من موعد الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في السادس من مايو (أيار) المقبل، وأيضا قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبرمجة خلال السنة المقبلة.
في غضون ذلك، أكد الجيلاني الهمامي، القيادي في تحالف الجبهة الشعبية، (يساري معارض)، قرب إعلان الرئيس الباجي قائد السبسي عن تحول حكومة الوحدة الوطنية إلى حكومة تصريف أعمال. ورجح في تصريح إعلامي أن يكون هذا الإعلان خلال احتفال تونس بعيد الاستقلال، الذي يصادف العشرين من مارس (آذار) الحالي.
يذكر أن الأطراف الموقعة على «وثيقة قرطاج» اتفقت خلال اجتماع أول من أمس في قصر قرطاج على تشكيل لجنة رئاسية عليا، تتكون من ممثلين اثنين عن كل حزب سياسي، ومنظمة من الأطراف الموقعة على الوثيقة، وهي التي ستتولى تدارس الجوانب المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، قبل العودة مجددا إلى طاولة المفاوضات يوم الثلاثاء المقبل، وهو ما أرجأ الحسم في مصير حكومة الشاهد.
على صعيد آخر، دعت 14 منظمة حقوقية تونسية ودولية، وفي مقدمتها منظمتا «هيومان رايتس ووتش»، و«العفو الدولية» و«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان»، إلى «وضع حد لاستمرار حوادث الإفلات من العقاب السائد، وذلك في ارتباط بالانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن، والمرتبطة بحقوق الإنسان». وحثت رئاسة الحكومة ووزارتي الداخلية والعدل على «إرسال إشارة واضحة تذكر بأنه لا يمكن السماح، أو التسامح مع أي شكل من أشكال الإفلات من العقاب، وذلك في علاقة بأعمال التعذيب أو غيرها من ضروب سوء المعاملة»، ومع أي ممارسة تستهدف الضغط على المسار الطبيعي للعدالة، حسب ما ورد في بيان ختامي إثر اجتماعها في العاصمة التونسية أمس.
ودعت هذه المنظمات إلى التأكد من مثول أعضاء قوات الأمن، الذين يتم استدعاؤهم للاستجواب أمام المحققين والمحاكم في ظروف خالية من التهديدات والضغوط الأخرى، في إشارة إلى اقتحام قوات أمنية في 26 فبراير (شباط) الماضي، محكمة مدينة بن عروس، للمطالبة بإطلاق سراح خمسة من زملائهم، الذين تم اتهامهم بممارسة التعذيب في حق أحد المعتقلين.
وفي هذا الصدد، قالت آمنة القلالي، مديرة مكتب تونس لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، إن الأحداث التي عرفتها محكمة بن عروس التونسية «دليل على تفشي الإفلات من العقاب في تونس»، مؤكدة أن منظمات حقوق الإنسان ظلت منذ سنوات تدعو السلطات التونسية إلى وضع حد للإفلات من العقاب، لكن لم تسفر جل المحاضر الموثقة عن التعذيب، وغيره من ضروب سوء المعاملة على أيدي قوات الأمن، إلى إجراء محاكمات.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.