رغدة تبوني... تجمع الماضي بالحاضر عبر تصاميم تتحدى الزمن

تصميم يدمج ما بين عراقة التطريز الفلاحي والتقطيع بالليزر  -  فستان من المجموعة التي عرضت في «قصص من أرابيا»  -  التطريز الفلاحي كما ظهر في إحدى القطع العصرية  -  فستان تظهر عليه صورة زنوبيا مطبوعة بالليزر
تصميم يدمج ما بين عراقة التطريز الفلاحي والتقطيع بالليزر - فستان من المجموعة التي عرضت في «قصص من أرابيا» - التطريز الفلاحي كما ظهر في إحدى القطع العصرية - فستان تظهر عليه صورة زنوبيا مطبوعة بالليزر
TT

رغدة تبوني... تجمع الماضي بالحاضر عبر تصاميم تتحدى الزمن

تصميم يدمج ما بين عراقة التطريز الفلاحي والتقطيع بالليزر  -  فستان من المجموعة التي عرضت في «قصص من أرابيا»  -  التطريز الفلاحي كما ظهر في إحدى القطع العصرية  -  فستان تظهر عليه صورة زنوبيا مطبوعة بالليزر
تصميم يدمج ما بين عراقة التطريز الفلاحي والتقطيع بالليزر - فستان من المجموعة التي عرضت في «قصص من أرابيا» - التطريز الفلاحي كما ظهر في إحدى القطع العصرية - فستان تظهر عليه صورة زنوبيا مطبوعة بالليزر

«كل من يأتي لندن يحمل إليها جزءاً من ماضيه وحضارته». هذا ما قالته المصممة الشابة رغدة تبوني مضيفة: «وأنا اصطحبت معي زنوبيا».
رغدة عراقية. ولدت في العاصمة بغداد حيث عاشت حتى ربيعها التاسع، لتنتقل بعدها، مع عائلتها إلى العاصمة الأردنية. جرت العادة أن تزور رغدة وطنها الأم في صيف كل عام لكن الحرب أوقفت هذا التقليد. درست وعملت في الأردن، وكانت خلال سنواتها في عمان منفتحة على مختلف الثقافات العربية التي سكنت البلد من أردنية وفلسطينية وعراقية ومصرية وغيرها. شغفها بالموضة والأزياء، دفعها لاتخاذ قرار السفر إلى بريطانيا لإكمال دراستها العليا، قبل عامين ونصف العام. أعجبها التنوع الثقافي في لندن، وامتلكها شعور بمسؤولية تعريف الغرب على روائع الحضارة العربية. لذا قررت العام الماضي، إطلاق «زنوبيا»، للتعبير من خلال عن سحر الشرق ولتترك النسيج يتكلم بتصاميم يستطيع الغرب تذوقها.
تقول تبوني لـ«الشرق الأوسط»: «زنوبيا قريبة مني لأنّها تعبّر عن حضارات ومناطق مختلفة، وتعكس هويتي التي تأثرت بكثير من الثقافات العربية والتأمت أخيرا في لندن».
فهي ليست مجرد علامة أزياء، بل تحمل معاني كثيرة. وقع اختيار رغدة على ملكة تدمر لأنّها أقوى الملكات اللاتي حكمن بلاد الشام. وهي «تمثل المرأة القوية والواثقة من نفسها. فقد قادت شعبها بحكمة، وسعت إلى تحسين بلادها وتطويرها»، حسب ما قالت المصممة. وتتابع: «حكمت زنوبيا في زمن لم يكن للمرأة فيه حقوقها الكاملة، وسط مجتمع ذكوري. كان حكمها نادرا وأضحت رمزا للجمال والأناقة إذ كان الحرير في ذلك التاريخ، يمرّ من تدمر وكانت زنوبيا تتأنق بأجمل الأقمشة وعرفت باللون القرمزي».
تحت عنوان المرأة القوية والأنيقة، ابتكرت رغدة تصاميمها التي تأمل أن تكون «مصدر قوة وتميز لكل امرأة ترتديها». التصاميم تعكس الحضارات العربية الغنية بالثقافة التي غبّرت عليها النزاعات في المنطقة فتناساها العالم..لكنّ رغدة قررت أن تذكرهم بها.
آخر مجموعة للمصممة كانت «المجموعة الكلاسيكية» التي طرحتها في عرض «قصص من أرابيا»، ضمن أسبوع لندن للموضة الأخير. طغت الألوان الأساسية على القطع. بعضها كانت هادئة وناعمة تجللت بالأبيض، وأخرى قوية طغى عليها الأسود والأحمر القرمزي. التصاميم عكست أناقة امرأة من منتصف القرن الماضي، لكنّها تحدت الزمن لتصل إلى عصرنا في قمة جمالها، متحلية بتطريزات افتخرت بها الفلاحات.
«لكل تطريز معنى ومناسبة وهوية، ويتميز كل بلد عربي بألوان خاصة وأنواع تطريز معينة» تقول رغدة «التطريز الفلاحي مثلا طغى على هذه المجموعة وقد طرزت قطعة زنوبيا النقدية على بعض القطع في المجموعة». فالتطريز بالنسبة لها أساسي لا يمكن أن يغيب عن مجموعاتها لما يتضمنه من جماليات يعبق بها التراث العربي.
خلال عرضها الأخير، ظهر هذا التطريز طاغياً على «تايور» كلاسيكي باللون الأبيض، بينما جاء مزركشاً على قميص أسود بأكمام عريضة تميزت بقطع زنوبيا النقدية. وتزينت بعض القطع الأخرى كفستان قصير وقميص بأكمام طويلة، برسمة لزنوبيا تُجسد آخر نظرة موثقة لها على مملكتها تدمر.
لكن رغدة لم تكتف بهذا، فتصاميمها توسعت إلى حضارة بلاد الرافدين ومعالمها. تقول: «استوحيت بعض القطع من معبد بل الأثري وأعمدته في تدمر التي تظهر على فستان وعلى بذلة مكونة من قميص وبنطلون أو تنورة». وتتابع: «كما ألهمني المدرج الروماني وسط عّمان في تصميم إحدى الفساتين. بنطلون كحلي آخر ظهر في المجموعة يجسد المياه المتدفقة من حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع».
وحتى تليق المجموعة باسم ملكة تثير الكثير من الإعجاب والاحترام، استخدمت المصممة أقمشة تُعبر عنها، مثل الكريب الذي يرتبط بالنعومة والأنوثة والتويد الذي يرتبط بالقوة والثقة. كما وظفت تقنيات حديثة فيما يخص قص القماش وطباعة الرسوم بالليزر. فكما تدمج بين الشرق والغرب، تحرص أيضا أن يعكس تصنيعها هذا الانفتاح الثقافي. فهي ترسم وتضع اللمسات الأولية في مشغلها بلندن، لينفذها فريق متعدد الجنسيات في عمّان، حيث توجد شواغل التطريز والطباعة بالليزر.
من تابع تصاميمها في فعالية «قصص من آرابيا» يشعر بأنها تتوجه إلى كل الأعمار والمناسبات لأنها تجمع الأناقة بالعملية. وكما نسجت قصة زنوبيا في هذه التشكيلة فإنها تنوي أن تنسج قصصا أخرى في المستقبل، أغلبها بنفس السيناريو النسوي. فالقصص الإنسانية تشدها خصوصا تلك التي تتناول نساءً مؤثرات، وفي هذه الحالة فهي تحتفل بهن، أو أخريات تعرضن للاضطهاد وهؤلاء تحاول أن تمنحهن صوتا.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

لم تستغرق كاترانتزو طويلاً لتتأكد أن حمامات كاراكالا وزهرة الكالا بشكلها العجيب نبعان يمكن أن تنهل منهما.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)

المغنية أديل تُودّع لاس فيغاس بفستان من «كلوي»

اختتمت نجمة البوب البريطانية أديل سلسلة حفلاتها الموسيقية في لاس فيغاس، نيفادا، بالدموع. كانت آخِر ليلة لها على خشبة مسرح «الكولوسيوم» بقصر سيزار في لاس فيغاس،…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.