جنون الابتكار يعود إلى لندن

تصاميم تصرخ وتتمرد على المألوف لتصل إلى شرائح الشباب

ألكسندر ماكوين  -  إي.توتز  -  جي.دبيلو. اندرسن
ألكسندر ماكوين - إي.توتز - جي.دبيلو. اندرسن
TT

جنون الابتكار يعود إلى لندن

ألكسندر ماكوين  -  إي.توتز  -  جي.دبيلو. اندرسن
ألكسندر ماكوين - إي.توتز - جي.دبيلو. اندرسن

هناك فريقان في بريطانيا هذا الأسبوع. فريق مهووس بكرة القدم ويتابع مباريات كأس العالم في البرازيل بنهم، وفريق ليس لديه الوقت الكافي لمتابعتها، أو غير مهتم بها، لأنه يفضل عليها الموضة وفنونها. وإذا كان الفريق الأول محبطا بسبب أداء بريطانيا في البرازيل، فإن الثاني منتعش وكله آمال في موسم حافل بالفنون مع شيء من الجنون. منذ اليوم الأول لانطلاقته، نجح مصممو لندن الشباب في تكسير رمادية السماء بالكثير من الابتكار، في تصاميم يمكن تسويقها بسهولة لشريحة الشباب المواكب للصرعات أولا وأخيرا. أما الرجل العادي أو الكلاسيكي، فكان له نصيب، لكن مع خياطي سافيل رو والمصممين المخضرمين، مثل بول سميث أو بيوت أزياء مثل بيربيري وألكسندر ماكوين، تعرف أن لغتها يجب أن تكون عالمية. الشريحة الأولى، أي المصممين الشباب، استلهموا الكثير من ثقافة الشارع، مع ومضة حنين إلى الماضي حين كانت لندن تغلي بالإبداع وتُنعت بالجنون لجنوحها إلى السريالي ولو على حساب المضمون. والحقيقة أن المتابعين فوجئوا من جرعة الجرأة الزائدة في بعض العروض، لأن الاعتقاد السائد أن لندن روضت جنون شبابها وشطحاتهم المبالغ فيها، لكن ما تبين أنهم مسكونون بعظمة الإبداع، وإحداث الصدمة. وهذا ما طبع الأيام الأولى من الأسبوع، الذي تأرجح بين هذه الشطحات والرغبة في اختراق الأسواق العالمية ومخاطبة شرائح الشباب تحديدا، ولسان حالهم يقول بأن لندن لا تعني فقط «سافيل رو» وتقنيات التفصيل التقليدية التي لا يعلى عليها، بل أيضا موضة شبابية قد لا تعتمد بالضرورة على بدلات مفصلة أو مكونة من ثلاث قطع، لكن يمكن أن تشمل قطعا منفصلة تتمتع بروح «سبور» تعكس أسلوبهم وتعبر عن تطلعاتهم للوصول إلى شرائح واسعة. رغم الجنون والصرعات التي تجسدت في تنورات و«تي - شيرتات» تغطي نصف البطن وما شابه، أكدوا أنه لا خوف على لندن من جنوحهم لتأنيث خزانة الرجل بأي شكل، وأنهم أهل لترسيخ مكانتها بصفتها عاصمة للموضة الرجالية المبتكرة من الطراز الأول. لهذا، ليس غريبا أن الكثير منهم لا يزال يثير انتباه مجموعات عالمية مثل «إل في إم إتش» وغيرها ممن تستعين بهم لقيادة بيوت أزياء مهمة تملكها، وليس أدل على هذا من المصمم آيرلندي الأصل، جي دبليو أندرسون، الذي يعد من نجوم لندن الشباب، إلى جانب توليه مهمة المصمم الفني لدار «لويفي» الإسبانية. أندرسون، مثلا، قدم تشكيلة تختلف تماما عما يمكن أن يقدمه لـ«لويفي» التي كانت في يوم من الأيام الدار المفضلة لملوك أوروبا والطبقات الأرستقراطية. فهي هنا تضج بالحيوية وثقافة الشارع اللندني، تغلب عليها قمصان مقلمة وياقات على شكل ورود، وكنزات مطبوعة برسومات تحملك إلى أجواء البحر. لا شك في أنها لن تروق للكل، كونها جريئة وشبابية إلى حد يصعب على الكل أن يرى نفسه فيها، لكنه كان يدرك ذلك، مما يفسر تقديمه مجموعة أخرى مفصلة، تبرز قدراته في هذا المجال وترسخ مكانته كمصمم يتقن فنه. كانت هناك كنزات بألوان محايدة وأخرى على شكل سترات مفتوحة يمكن تنسيقها بسهولة مع قطع كلاسيكية أخرى للتخفيف من جرأتها الزائدة.
الأسترالي الأصل، ريتشارد نيكول، مصمم آخر أتحفنا في اليوم الأول من الأسبوع الرجالي بتشكيلة واضحة من حيث التصاميم والألوان، استحضرت إلى حد ما الموجة اليابانية التي اكتسحت الأسواق في العقد الماضي. استعمل فيها أقمشة خفيفة جدا والكثير من القطع المنفصلة. بعد عرضه، صرح المصمم الشاب بأن «الفكرة كانت أن أحافظ على بصمتي الخاصة التي يعرفني الناس من خلالها، لكن في إطار جديد»، مضيفا أنه أراد كل قطعة أن تدخل خزانة الرجل وتشكل جزءا مهما فيها، لأنها غير معقدة، ويمكن ارتداؤها بالطريقة التي تناسب الرجل، سواء نسقها مع حذاء رياضي أو مع سترة مفصلة على المقاس.
من جهته، قدم المصمم كريستوفر شانون، تشكيلة أكثر مرحا وشقاوة، وتكشف في بعض جوانبها أنها مسكونة ببعض الجنون الفني، لا سيما عندما تلعب على الجانب الذكوري وتجعله محط سؤال أحيانا. حتى الألوان هادئة، حقنها بطبعات متفجرة ولافتة للنظر، بحيث لا يمكن أن تمر مرور الكرام، ومن ثم تناسب شابا في مقتبل العمر يميل إلى الاستعراض وليس فقط التميز.
لكن، إذا كنت تعتقد أنها جريئة، فإنها حتما ستبدو معقولة بعد تشكيلة الهولندية أستريد أندرسون، التي كانت صادمة. فقد شطحت المصممة بخيالها لتعيد ترجمة فكرة الـ«سبور» وثقافة الهيب هوب بطريقة جد أنثوية، حيث اقترحت أن يلبس الرجل في ربيع وصيف 2015 ما يشبه الفساتين الطويلة المستوحاة من الكيمونو، و«تي شيرتات» قصيرة تبرز البطن وأخرى شفافة، و«شورتات» قصيرة من الساتان. كل ما في هذه التشكيلة يذكرنا بتلك التي قدمتها في الموسم الماضي، لربيع وصيف 2014، الأمر الذي يجعلنا نتساءل أنها لو لم تعرف نجاحا تجاريا لما عادت إليها لربيع وصيف 2015؛ فما لا يختلف عليه اثنان أن هناك فئة كبيرة من الرجال يحبون استعراض عضلاتها المفتولة بشكل علني ومكشوف.
وفي الوقت الذي قد تثير فيه هذه الصور حفيظة الزبائن الكلاسيكيين لجرأتها واستخدامها لغة لم يتعودوها، فإن الصورة الميدانية في قاعات العروض، تحكي قصة مختلفة تماما. فأغلبية الحضور هم من الشباب، الذين يتنافسون على جذب الأنظار، سواء من خلال الألوان المتضاربة أو التصاميم المبتكرة أو قصات الشعر الغريبة، فضلا عن الإكسسوارات التي من شأنها أن تجعل كل امرأة تحسدهم عليها وترغب فيها. بمجرد أن تنظر إلى هذا الحضور، ينتابك شعور بأن المصممين يعرفون تماما نوعية زبائنهم، وأنهم ليسوا في برج عاجي لا يسمع نبض الشارع وتطلعات الشباب.
فهذه الشريحة تؤكد أن عصر الرجل «الداندي» أو المتأنق الذي يهتم بكل تفاصيل مظهره قد عاد بقوة، وإن بصورة مختلفة تعبر عن ثقافة جديدة تشجع على التعبير عن الذات والأهواء بشكل علني ومقبول، في الغرب على الأقل.



دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
TT

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

في مجموعته من خط «الريزورت لعام 2020» أثار مصمم دار «كارولينا هيريرا» ويس غوردن موجة من الاستياء والغضب في المكسيك. اتُهم حينها بالسرقة الفنية والثقافية، لأنه استلهم من تطريزات تراثية مكسيكية بشكل شبه حرفي من دون أن يطلب الإذن من أصحابها ولا أشار إليهم. وصل الأمر إلى تدخل حكومي، جاء على لسان وزيرة الثقافة المكسيكية آليخاندرا فراوستو التي وجَهت رسالة تتهم فيها دار «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي وتطالبها بتفسير علني لاستخدامها رسوماً منسوخة من تراث الشعوب الأصلية المكسيكية، وما إذا كان هؤلاء سيستفيدون بأي شكل من الأشكال.

جاءت كل إطلالة وكأنها لوحة مرسومة بالأزهار والورود (كارولينا هيريرا)

كان رد المصمم سريعاً وهو أن فكرة الانتحال لم تكن تخطر بباله، وأن ما قصده كان تكريم الثقافة المكسيكية والاحتفال بها، مُعترفاً أنه لا ينفي أن «المكسيك بالفعل حاضرة بقوة في هذه المجموعة. لكن حرصي على إبراز هذا التراث هو دليل على المحبة التي أكنّها لهذا البلد ولإبداعاته الحرفية التي طالما أعجبت بها وكانت من أهم مصادر إلهامي».

ريزورت 2025

مرت أربع سنوات وأشهر عديدة، وها هو يؤكد أن قوله لم يكن لمجرد التبرير للخروج من ورطة غير محسوبة. هو فعلاً يحب الثقافة المكسيكية، وإلا ما عاد إليها في عرضه الجديد من خط «الريزورت لعام 2025». الاختلاف هذه المرة أنه اتخذ كل التدابير التي تقيه أي جدل أو هجوم. فالعرض كما تشرح الدار «رحلة من الاستكشاف تُعززها العلاقة الممتدة على مدى عقود طويلة بينها وبين المكسيك».

استلهم المصمم ألوانه من غروب الشمس في مكسيكو سيتي والطبيعة المحيطة (كارولينا هيريرا)

عُرضت التشكيلة في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي. اختار لها المصمم غروب الشمس توقيتاً، ومتحف أناهواكالي، مكاناً.

اختيار متحف «اناكاهوالي» مسرحاً للعرض له دلالته. فهو يحتوي على قطع أثرية تعود إلى ما قبل كولومبوس وتحيطه مناظر خلابة تشكلها النباتات المحلية مما جعله مثالياً لعرض يزخر بالتاريخ والفن والجمال. يُعلَق المصمم غوردن «إن مكسيكو سيتي لها مكانة رائدة كمركز عالمي للفنون والإبداعات المعمارية وتجارب الطهو والثقافة، فضلاً عن المهارة العالية التي يتمتع بها الحرفيون المحليون».

اختار المصمم مزيجاً من الألوان التي تتناغم مع بعضها رغم تناقضها (كارولينا هيريرا)

كان واضحاً أنه اتبع هنا مبدأ «ابعد عن الشر وغني له». اكتفى بألوان الطبيعة المستلهمة تحديداً من غروب الشمس والصخور الركانية في مكسيكو سيتي والمناطق المجاورة لها، و تعاون مع أربع فنانات مكسيكيات، ليُرسِخ احتفاءه بالمهارة الفنية والثقافة المكسيكي من دون أن يتعرَض لأي هجوم أو انتقاد.

وهكذا على طول الفناء الأمامي للمتحف الذي تم بناؤه على حجر بركاني منحوت، تهادت العارضات وهن يتألق في تصاميم تراقصت فيها الألوان الزاهية مثل الأزرق والأخضر العشبي، والعنابي، والأصفر الساطع، إلى جانب قطع بالأبيض والأسود. لم يخف المصمم ويس غوردن أنها لوحة رسمها وطرَزها بالتعاون مع فنانات مكسيكيات لهن باع وشغف في مجالات متنوعة، ساهمت كل منهن بضخها بالألوان والديناميكية الجريئة التي تتميز بها الفنون المكسيكية، وهن:

الفنانة ناهنو Nähñu

فنانات برعن في التطريز لهن يد في تشكيل مجموعة من التصاميم (كارولينا هيريرا)

وهي خبيرة تطريز تعود أصولها إلى نانت في تينانجو دي دوريا في ولاية هيدالغو. تفنّنت في ابتكار ثماني قطع قطنية مطرزة مع تدرجات لونية متباينة ظهرت في قمصان وفساتين وسراويل. وتعليقاً على هذا الموضوع، علَقت الفنانة: «تمنحني الأقمشة مساحة للتعبير عن أسلوبي الإبداعي وحالتي المزاجية في مختلف الأوقات. فعندما أشعر بالسعادة أستخدم ألواناً حيوية، بينما أعتمد الألوان الداكنة للتعبير عن شعوري بالحزن». وأضافت ابنتها بيبيانا هيرنانديز، التي ساهمت هي الأخرى في هذه الإبداعات: «نجحنا في هذا المشروع بالتعبير عن أسلوبنا المميز في عالم التطريز. فهو الذي يفسح لنا المجال لإبراز مواهبنا والتعبير عن مشاعرنا المختلفة في الوقت ذاته».

فيرجينيا فيرونيكا آرسي آرسي

من الطبيعة والثقافة المحلية استلهمت الفنانات المتعاونات تطريزاتهن (كارولينا هيريرا)

هي أيضاً فنانة متخصصة في التطريز. أبدعت للدار تطريزات مستوحاة من جمال الطبيعة المحيطة بمدينتها، سان إيسيدرو بوين سوسيسو، بولاية تلاكسالا، التي تشتهر بامتداد منحدرات جبلها البركاني المعروف باسم لا مالينشي.

اكتسبت فيرجينا مهارة التطريز من والدها وهي في سن الـ15، وتعهدت منذ ذلك الحين أن تحافظ على هذه الحرفة وتعمل على تطويرها كلغة فنية لما تُشكله من جزء هام من هوية المجتمع. وتبرز أعمالها في ثلاثة فساتين من الدانتيل المطرز.

جاكلين إسبانا

خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض كان حاضراً في هذه التشكيلة (كارولينا هيريرا)

مساهمتها تجلّت في تخصصها في خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض، والذي يشكل جزءاً رئيسياً من النسيج الثقافي في سان بابلو ديل مونتي بولاية تلاكسالا.

عشقت جاكلين هذا النوع من الخزف منذ طفولتها، فعملت على استكشاف مزاياه الإبداعية بعد إنهاء دراستها في مجال الهندسة الكيميائية. وقالت في هذا الصدد أن خزف تالافيرا «يشكل في منطقتنا إرثاً عريقاً نحرص باستمرار على الحفاظ عليه واستخدامه كزينة في المناسبات الخاصة فقط. ولذا، وقع عليه اختياري لاستخدامه في أعمالي الفنية عموماً، وفي هذه التشكيلة خصوصاً».

استلهمت الفنانة من الخزف ألوانه ومن الطبيعة المكسيكية أشكالها (كارولينا هيريرا)

كان دورها أن تبتكر تفاصيل ومجوهرات من الخزف المرسوم يدوياً لتزين بها قطع أزياء وأقراط، كما تشرح: «بصفتي متخصصة بخزف تالافيرا، ألتزم بالحفاظ على إرث هذا الخزف المتوارث عبر الأجيال، والاحتفاء بجوهره والعمل على تطويره من خلال وضعه في أروع الإبداعات».

ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»

تعاونت الدار مع ورشات مكسيكية لإبداع إكسسوارات لافتة بألوانها (كارولينا هيريرا)

تعاونت الدار أيضاً مع ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»، التي تتخذ من أواكساكا دي خواريز بمدينة أواكساكا مقراً لها. وتعتبر مركز الأعمال الحرفية في المكسيك، إذ تتعاون الورشة مع أبرز الفنانين لإعادة ابتكار بعض القطع التقليدية برؤية عصرية. لهذا المشروع عملت الورشة مع حدادين متخصصين في النحاس ومطرزين ورسامين لتزيين الخيكارا، وهي أوعية تقليدية مصممة من قشور القرع المجففة، تُستخدم فيها الألوان وفن التطريز وأنماط المقرمة وغيرها من المواد.

تقول مؤسسة الورشة نيبرا: «أستمد إلهامي من الطبيعة من حولي، بما تحمله من نباتات وأزهار حسب المواسم التي تظهر فيها، إضافة إلى ألوان غروب الشمس». لهذه التشكيلة، نجحت نيبرا وفريقها في ابتكار مجموعة من المجوهرات الملونة يدوياً تشبه أعمالها فن الخيكارا.

لمسات كارولينا هيريرا

حافظت التشكيلة على أسلوبها الراقص على نغمات من الفلامينكو (كارولينا هيريرا)

لم تكتف «كارولينا هيريرا» بهذه التعاونات. عرضت أيضاً مجموعة مصغرة من ألبسة الجينز بالتعاون مع شركة «فرايم دينم»، إلا أن مصممها وبالرغم من شغفه بالثقافة المكسيكية، لم يتجاهل جينات الدار الأساسية، التي ظهرت في أزياء المساء والسهرة. فهذه حافظت على أسلوبها المعروف بأناقتها الكلاسيكية الراقصة على نغمات من الفلامنكو، إضافة إلى تلك الفخامة التي تعتمد فيها دائماً على الأقمشة المترفة والأحجام السخية، والورود المتفتحة.