لماذا جاء التدخل في سوريا فادحاً بالنسبة لإيران؟

غابت الاستراتيجية وتعامل الإيرانيون مع الحرب بدور أقرب إلى الكشافة

متظاهرون معارضون للنظام في مدينة حماة (وسط سوريا) يمزقون صورتي حافظ وبشار الأسد في أبريل 2011 (أ.ف.ب)
متظاهرون معارضون للنظام في مدينة حماة (وسط سوريا) يمزقون صورتي حافظ وبشار الأسد في أبريل 2011 (أ.ف.ب)
TT

لماذا جاء التدخل في سوريا فادحاً بالنسبة لإيران؟

متظاهرون معارضون للنظام في مدينة حماة (وسط سوريا) يمزقون صورتي حافظ وبشار الأسد في أبريل 2011 (أ.ف.ب)
متظاهرون معارضون للنظام في مدينة حماة (وسط سوريا) يمزقون صورتي حافظ وبشار الأسد في أبريل 2011 (أ.ف.ب)

بعد سبع سنوات من المشاركة في الحرب السورية، ربما بدأت إيران تعيد النظر حيال مدى حكمة إقدامها على هذه المغامرة التي لا تبدو أي مؤشرات على قرب نهايتها. الواضح أن عناصر متعددة أسهمت في تحرك إيران نحو إعادة النظر في هذه الاستراتيجية الباهظة. يتمثل العنصر الأول في التأكيد الرسمي على الخسائر البشرية التي مُنيت بها إيران خلال الحرب. وتكشف الأرقام المعلنة أنه بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 و2017، فقدت إيران أكثر عن 2.100 شخص، بينهم 418 ضابطاً برتبة رفيعة، بينما أصيب أكثر عن 7.000 من «حماة الأضرحة» الإيرانيين. أما التقديرات غير الرسمية فيما يخص الخسائر في صفوف المقاتلين غير الإيرانيين، ومعظمهم لبنانيون وعراقيون وأفغان وباكستانيون، فتولت إيران تجنيدهم وتدريبهم، فتشير إلى وقوع آلاف عدة من الضحايا بينهم.
وتبعاً للتقديرات التي وضعها باحثون إيرانيون بناءً على إجراء مسح لـ«إخطارات الجنازات» التي نشرها الفرع اللبناني لجماعة «حزب الله»، الميليشيا التي تسيطر عليها طهران، ويقودها حسن نصر الله، فقد خسرت الجماعة 1.400 شخص على الأقل في خضم القتال الدائر في سوريا. ويتجاوز ذلك ضعف ما خسره «حزب الله» اللبناني في حرب عام 2006 في مواجهة إسرائيل.
من جانبها، تقدر مصادر استخباراتية غربية عدد المقاتلين الإيرانيين والآخرين الذين تقودهم طهران داخل سوريا بما يتجاوز 25.000 شخص. وعليه، من الواضح أن الخسائر البشرية التي تكبدتها طهران أكبر بكثير عن القياس العسكري الكلاسيكي لـ«الهلاك» الذي يجري استخدامه للإشارة إلى أردأ مستوى ممكن من الأداء العسكري. وتبعاً لهذا المقياس، كان ينبغي ألا تتكبد إيران والقوى الأخرى التي تتولى قيادتها داخل سوريا، أكثر من 2.500 قتيل بصورة إجمالية.
من جانبه، قال حميد زمردي، الضابط السابق بالقوات البحرية والمحلل العسكري: «تعتبر التجربة السورية بمثابة نموذج لسوء التخطيط وقيادة الهواة؛ ذلك أن أولئك الذين قرروا إشراك إيران فيما يدور بسوريا، لم يكونوا مدركين لما يرغبون في تحقيقه، وبالتالي عجزوا عن تحديد نمط القوات الواجب توجيهها لهذا الهدف والتكتيكات الواجب إتباعها». وتبعاً لآراء نقلت عن الجنرال حسين همداني، الذي قتل أثناء القتال داخل سوريا، فإن قرار التدخل الذي اتخذته طهران كان يرمي للحيلولة دون سقوط الرئيس السوري بشار الأسد. ومع ذلك، يكشف السرد الذي قدمه همداني عن أنه ورفاقه المقاتلين لم يخبرهم أحد قط بما يفترض منهم إنجازه. الأسوأ، أنه لدى وصولهم دمشق أدركوا أن الجيش السوري لم يكن متحمساً للتدخل الإيراني. وقال عن ذلك: «شيّد الجيش السوري جداراً حديدياً لحصرنا داخل مساحة مقيدة».

توثيق 10.000 ضريح
ونظراً لعجزه عن ضمان مكانة محورية في الاستراتيجية الأوسع التي صاغتها المؤسسة العسكرية السورية، اخترع الفريق الإيراني مبرراً لوجوده في سوريا عبر طرح نفسه من «حماة الأضرحة المقدسة». ومع هذا، لم يكن لدى أحد علم بعدد الأضرحة المقدسة داخل سوريا، أو السبب وراء حاجتها إلى حماية. الأهم من ذلك، أنه لم يكن ثمة مؤشر يوحي بأن أحداً يسعى لمهاجمة هذه الأضرحة في خضم حرب أكبر تسعى مختلف أطرافها نحو أهداف أكبر بكثير. من جانبهم، قضى الإيرانيون العام الأول من وجودهم داخل سوريا في العمل على وضع قائمة بالأضرحة، حتى وصلوا إلى رقم مذهل تجاوز 10.000، كان الكثير منها يخص شخصيات وردت أسماؤها بالعهد القديم. مع هذا، وحتى مع افتراض أن العناصر التي أرسلتها إيران لسوريا كانت تهدف بالفعل لحماية الأضرحة، فإن الحقيقة تظل أنها لم تكن مدربة على الاضطلاع بهذه المهمة التي تعتبر بصورة أساسية من أعمال الشرطة، وليس مهمة عسكرية. بصورة عامة، تسبب التدخل الإيراني في سوريا في أكبر خسائر عسكرية تمنى بها البلاد منذ حرب السنوات الثماني في مواجهة العراق. جدير بالذكر، أن التدخل العسكري الإيراني في سبعينات القرن الماضي في مواجهة متمردين تقودهم عناصر شيوعية في ظفار العمانية، أسفر عن مقتل 69 إيرانياً فقط. وتبعاً لما ذكره الجنرال علي خورسند، الذي تولى قيادة تلك الحملة التي نجحت في هدفها لأنها عملت «بدقة أشبه بدقة عمل الساعة»، فإنه: «علمنا ما ينبغي منا فعله، وكيف يمكننا تحقيقه وكيف يمكننا الخروج. الأهم عن ذلك، كنا مدركين من يتولى القيادة».

كذبة قاسم سليماني
أما في حالة المغامرة السورية، فمن الواضح أن المشاركة الإيرانية لم تقم على تلك العناصر، علاوة على افتقارها إلى هيكل قيادة واضح. من جانبها، حاولت وسائل إعلام غربية، وبخاصة أميركية، تصوير قاسم سليماني الذي يترأس «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، باعتباره القائد الأكبر للمغامرة الإيرانية داخل سوريا. وبالفعل، نشرت مجلات أميركية صوره على أغلفتها، وصورته قنوات تلفزيونية أميركية باعتباره الفارس الذي يمتطي جواداً أبيض.
مع ذلك، نجد أن سليماني لا يملك خبرة ميدانية كبيرة وهو غير قادر على صياغة الرؤية الاستراتيجية اللازمة لخوض صراع كبير. وتؤكد جميع المؤشرات أن سليماني رجل علاقات عامة موهوب، وقادر على السيطرة على الميليشيات والعملاء الذين تدفع لهم طهران داخل لبنان والعراق وغيرها. بيد أنه ليس مخططاً عسكرياً ولم يسبق لفيالق القدس التي يقودها والتي تفتقر إلى وحدات قتالية خاصة بها، أن أنجزت أي مهام تتجاوز مجالات الاستخبارات والأمن والتجسس والتجسس المضاد والدعاية. ونظراً لجهلها بطبيعة القوات الذين تتطلبهم المشاركة في سوريا، تركت طهران مهمة إرسال المقاتلين هناك إلى الاختيارات الشخصية لـ«متطوعي الشهادة» وما يفرضه الموقف على الأرض. وعليه، تعامل آلاف الإيرانيين ممن سبق لهم العمل في صفوف الحرس الثوري الإسلامي، والباسيج، والشرطة الإسلامية، وفرقة القبعات الخضراء الإسلامية، وعدد من الفرق الأخرى المتفرقة، مع دورهم في الحرب في سوريا، باعتبارها مهمة أشبه بمهام الكشافة. ومن بين الضباط الإيرانيين الذين قتلوا في سوريا، فإن 17 منهم على الأقل كانوا من القوات البحرية، كان بينهم ضباط يملكون خبرة في القتال تحت الماء، رغم عدم وجود عنصر مائي في الحرب السورية.
وكان من شأن الطبيعة المختلطة للقوات المشاركة في سوريا، أن أصبح من المستحيل بناء نظام قيادة وسيطرة متناغم، وبخاصة في إطار الحروب غير المتكافئة ضد «أعداء» يتبعون تكتيكات حروب العصابات داخل بلدانهم. إضافة لذلك، فإن المقاتلين الإيرانيين في سوريا لا يتحدثون العربية ولا يعلمون شيئاً عن الأرض التي يقاتلون عليها ولا ثقافة أهلها، وكثيراً ما تعرضوا للنبذ من قبل القوات السورية الحكومية. ومن بين الأمثلة المأساوية في الحرب السورية، رفض الفرقة الرابعة مدرعات من الجيش السوري التحرك لنجدة وحدة محاصرة من قوات القبعات الخضراء الإيرانية، التي تركت محاصرة ومعزولة. وفي خضم انسحابهم السريع، اضطر أفضل مقاتلي إيران إلى أن يخلفوا وراءهم جثث 13 من أقرانهم. وتكمن مشكلة أخرى في أن غالبية الإيرانيين من «حماة الأضرحة» من الضباط المتقاعدين وضباط صف، ليسوا في ذروة قوتهم الجسمانية، أو أنهم مقاتلون صغار في السن، لا يتمتعون بخبرة قتالية تذكر. كما أن التدريب القتالي الذي يوفره جنرال سليماني على امتداد ثلاثة أسابيع غير كافٍ لتدريب هؤلاء المقاتلين لأي مهام تتجاوز قيادة المركبات العسكرية والتعامل مع الأسلحة والذخائر بصورة أساسية.

التهميش الروسي لإيران
بوجه عام، تبقى المشكلة أن القوات الإيرانية لا تدري ما يتعين عليها فعله بخلاف قتل أكبر عدد ممكن من السوريين. وفي بعض الأحيان، تجد نفسها متورطة في مواجهات عسكرية كلاسيكية أمام «أعداء» مدربين على أساليب الهجوم والفر. وفي مواقف أخرى، تجد هذه القوات دورها مقتصراً على حماية بعض المواقع وتنظيم دوريات بها رغم كونها لا تحمل أي قيمة عسكرية. وكان من شأن صعود روسيا بدءاً من عام 2015 باعتبارها المنسق الرئيسي لأحداث الحرب داخل سوريا، التسبب في مزيد من التشويش والاضطراب لدى الإيرانيين، الذين أصبح دورهم هامشياً في القتال، وتضاءل نفوذهم بوجه عام على نحو بالغ.
إضافة إلى ذلك، لم توفر إيران قوة جوية في سوريا؛ الأمر الذي حرم قواتها هناك من الدعم الجوي، وبخاصة من قِبل المروحيات المقاتلة. ودائماً ما رفضت سوريا وروسيا إتاحة أصولهما العسكرية لخدمة الإيرانيين أو المرتزقة اللبنانيين أو غيرهم العاملين تحت إمرة طهران. من ناحية أخرى، فإنه في ظل نظام منغلق مثل النظام الخوميني بإيران، ليس من السهل دوماً التعرف على توجهات الرأي العام، لكن ثمة دلائل شفهية توحي بتنامي شعور السأم إزاء حرب لم يخطر أحد الإيرانيين قط بحقيقة ما تدور حوله، ناهيك عن طلب موافقتهم على خوضها.
واليوم، ثمة أحاديث تدور داخل طهران حول الحاجة إلى استراتيجية جديدة وهيكل قيادة جديد للحرب السورية، التي في أفضل الأحوال لا تحمل لإيران سوى فتات النصر.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.