قراءة في هجمات حركة «الشباب» الصومالية

عملية عسكرية واسعة لمواجهة التحركات المتنامية لجماعات التطرف

لقطة من شريط نشرته مواقع متطرفة للهجوم على قوات أميركية في النيجر (أ.ف.ب)
لقطة من شريط نشرته مواقع متطرفة للهجوم على قوات أميركية في النيجر (أ.ف.ب)
TT

قراءة في هجمات حركة «الشباب» الصومالية

لقطة من شريط نشرته مواقع متطرفة للهجوم على قوات أميركية في النيجر (أ.ف.ب)
لقطة من شريط نشرته مواقع متطرفة للهجوم على قوات أميركية في النيجر (أ.ف.ب)

نجحت حركة الشباب الصومالية، مع بداية 2018 في الظهور بمظهر القوة الإرهابية التي يصعب كسرها. فقد عادت هجمات هذا التنظيم لتمس مساحة واسعة من البلاد، وتخلف عشرات الضحايا من المدنيين والأمنيين والعسكريين. كما نجحت معركتها المستمرة في مقديشو، في إظهار ضعف الحكومة الجديدة في السيطرة الفعلية على أجزاء مهمة من العاصمة.
وكرد فعل على هذه العودة العنيفة، التي استهدفت كذلك قوات الاتحاد الأفريقي، تقود الحكومة المركزية وشريف حسن شيخ آدم رئيس ولاية جنوب غربي الصومال، وقيادات عسكرية من الجيش الصومالي، وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال مباحثات لإطلاق عملية عسكرية واسعة لمواجهة التحركات المتنامية لحركة الشباب؛ وتهم هذه العملية على الخصوص تأمين الطريق الذي تستعمله القوات الأفريقية، ويربط بين العاصمة مقديشو ومدينة بيدو الاستراتيجية بمحافظة باي، وصولا لمقر ولاية جنوب غربي الصومال. وتأتي هذه المباحثات للقيام بعملية موسعة ضد حركة الشباب، في الوقت الذي يفترض فيه تطبيق قرار الأمم المتحدة الخاص بانسحاب القوات الأفريقية (أميصوم) المتمركزة بالصومال، والتي تضم 22 ألف عسكري. وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر في فبراير (شباط) 2007 قرارا رقم 1744 / 2007 أكد فيه دعمه لبيان الاتحاد الأفريقي الصادر بتاريخ 19 يناير (كانون الثاني) 2007، والذي تقرر بموجبه إرسال قوات عسكرية أفريقية إلى الصومال تعوض القوات الإثيوبية؛ وأنيط بالقوة الأفريقية مهمة رئيسية، هي مواجهة حركة الشباب ودعم مؤسسات الدولة.
- الهجمات الجديدة
شنت حركة الشباب بزعامة أحمد ديري أبو عبيدة، في فبراير ومارس من سنة 2018 عدة هجمات عنيفة على المدنيين، ومؤسسات الدولة وشخصياتها السياسية والأمنية والعسكرية، كما أوقعت عدة خسائر في الأرواح والعتاد في صفوف القوات الأفريقية. وتشير واحدة من أحدث الدراسات البحثية الأميركية، التي نشرها الباحثان بالمؤسسة، جيسن وارنر وإيلين شابن عن مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت، أن تنظيم «الشباب»، شن منذ 18 سبتمبر (أيلول) 2006، إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2017، على الأقل 155 عملية انتحارية نفذها 216 من أعضاء التنظيم. بمعدل 4 عمليات في الشهر. وسيرا على هذا النهج نفذ التنظيم الإرهابي هجوما وحشيا بعمليتين انتحاريتين يوم 24 فبراير 2018 وأسفر عن سقوط 38 قتيلا.
وقد استهدف التفجير الأول نقطة مراقبة قرب مقر الحكومة، بينما استهدف تفجير ثان فندق «دوربين». وتجدر الإشارة أن تنظيم «أحمد ديري أبو عبيدة» استعمل في هذا الهجوم الأسلوب نفسه الذي نفذ به أكبر هجوم في تاريخ الصومال والذي شنته حركة الشباب في 14 أكتوبر 2017م بشاحنة مفخخة، وأسفر عن مقتل نحو 512 شخصا.
وفي أحدث العمليات الإرهابية، أدى انفجار لغم في سيارة للوزير عبد القادر عبد الرحمن، يوم 7 مارس (آذار) 2018، قرب قاعدة «بلي دوغلي» الجوية في محافظة شبيلي السفلى بولاية جنوب غربي الصومال؛ إلى مقتل وزير الدولة في وزارة الأمن بولاية جنوب غربي الصومال، عبد القادر عبد الرحمن والنائب في البرلمان المحلي لولاية هيرشبيلي أحمد عبدي فارح. ولم تستبعد الجهات الرسمية وقوف حركة الشباب خلف العملية.
وفيما يخص المواجهات اليومية بين مسلحي التنظيم الإرهابي، وقوات الاتحاد الأفريقي؛ شن «الشباب» في الأسبوع الأخير من شهر فبراير 2018، هجوما على وحدة عسكرية من الاتحاد الأفريقي متمركزة قرب مدينة بلعد على بعد 30 كلم شمال العاصمة مقديشو، وقتل 5 جنود برونديين واستولى على بعض أسلحة الوحدة العسكرية.
وفي سعي حركة الشباب لتقويض جهود أحد قادتها السابقين؛ أهدر التنظيم في النصف الثاني من فبراير 2018 دم المتحدث السابق باسمها ونائب زعيمها، مختار روبو أبو منصور، واعتبره مرتدا ومناصرا للكفار، وتوعده بالقتل؛ وكان أبو منصور قد انشق عن الشباب منذ 2013، انضم إلى صفوف الحكومة في أغسطس (آب) 2017.
وأشارت إذاعة محلية بمقديشو إلى أن روبو يزور في الأسبوع الثاني من مارس 2018 العاصمة الكينية نيروبي، للتنسيق والتباحث مع ضباط أميركيين في شأن بدء عمليات عسكرية تهدف إلى طرد حركة الشباب من ولاية جنوب غربي الصومال التي تسيطر عليها. ويحاول روبو أن يلعب دورا محوريا في هذه المواجهة المرتقبة، لعاملين أساسيين: أولهما كونه ابن الولاية ويعرفها جيدا، وثانيا للدور الذي يقوم به شقيقه على رأس جهاز المخابرات في ولاية جنوب غربي الصومال.
وفي إشارة دالة على ضعف القوات العسكرية المواجهة لتنظيم «الشباب»، كشفت مصادر محلية صومالية النقاب يوم 6 فبراير 2018 عن وصول أحمد ديري زعيم تنظيم «الشباب» المتطرف، إلى إقليم جدو بولاية جوبا لاند جنوبي الصومال. وهو ما يؤكد أن التنظيم قادر على التحرك في مناطق شاسعة، من الدولة، دون أن تتمكن لا الحكومة، ولا القوات الأفريقية «أميصوم»، من عرقلة ذلك التحرك.
- الخلافات والفساد
ويبدو أن عودة «حركة الشباب الصومالية»، تساهم فيه عدة عوامل داخلية سياسية. ومن ذلك على وجه الخصوص استمرار الخلافات بين الحكومة المركزية والولايات من جهة؛ وبين بعض الشخصيات السياسية، والأجهزة الأمنية من جهة أخرى. ورغم أن الصومال لا يزال دولة «فاشلة»، بمؤسسات هشة، فإن الخلافات والفساد المستشري في الإدارة تعمقان من الأزمة الأمنية، ويحولان دون تحقيق الاستقرار ومواجهة الإرهاب.
وفي آخر فصول هذه الخلافات بعثت لجنة الإشراف على تعديل وتطبيق الدستور في البرلمان الفيدرالي الصومالي بتاريخ 6 مارس الحالي رسالة سحب الثقة عن وزير الدستور في الحكومة الفيدرالية عبد الرحمن حوش جبريل؛ إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ورئاسة مجلسي الشعب والشيوخ للبرلمان. متهمة حوشي جبريل بعرقلة مسار تعديل الدستور، وعمل اللجنة الممثلة للولايات، وهو ما دفع اللجنة إلى اعتباره شخصا غير مرغوب فيه. وفي سياق آخر، ظهرت خلافات سياسية بين مكتب حسن علي خيري رئيس الوزراء الصومالي، وثابت عبده محمد الذي يشغل محافظ محافظة بنادر عمدة بلدية مقديشو، ولم يتم تجاوزها لحد الآن. وتشير عدة تقارير إلى أن هذه الخلافات تغذيها، الخلافات القبلية، والسياسية، كما تؤججها التدخلات الإقليمية والدولية في الشؤون الداخلية الصومالية. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الجديد حاول تطويق الخلافات بين المركز والولايات؛ ودعم المؤتمر التشاوري لرؤساء الولايات المنعقد في الثامن من أكتوبر بمدينة كسمايو العاصمة المؤقتة لولاية جوبالاند والذي خرج بقرار تشكيل مجلس تعاون الولايات؛ وفيه نُصبَّ عبد الولي محمد علي غاس رئيس ولاية بونتلاند رئيسا للمجلس، وعين محمد عبد وارى رئيس ولاية هير شبيلي نائبا له. وسجل البيان الختامي للمؤتمر أن مهمة المجلس المشكل هي العمل على تطوير مصالح الولايات وإجراء مصالحة مجتمعية بين الصوماليين، تقود البلاد لاستقرار سياسي دائم.
ويبدو أن هذا المؤتمر حسن من العلاقات الرابطة بين الولايات والسلطة المركزية؛ وشارك رؤساء الولايات في المؤتمر التشاوري الثاني، في مقديشو نهاية أكتوبر من عام 2017، بدعوة من الرئيس فرماجو. وفيه تم الاتفاق على ضرورة التوحد لمواجهة إرهاب «حركة الشباب»، واستمرار الجهود التشاركية لتعديل الدستور، ودمج القوات العسكرية في جيش وطني.
ورغم كل هذا فإن الولايات المتحدة التي تمول أيضا القوة الأفريقية المؤلفة من 22 ألف عسكري، شعرت بخيبة أمل من عجز الحكومات المتعاقبة عن بناء جيش وطني قادر على البقاء. ووفقا لمراسلات خاصة بين الحكومتين الأميركية والصومالية اطلعت عليها «رويترز» ونشرت مضمونها بتاريخ ديسمبر (كانون الأول) 2017؛ فقد جاء قرار التعليق الأميركي للمساعدات، بعد امتناع الجيش الصومالي أكثر من مرة عن تقديم بيانات بالأغذية والوقود.
وتجدر الإشارة إلى أن أميركا أنفقت على الصومال، نحو 66 مليون دولار ما بين 2010 - 2017، واضطرت لتعليق الإنفاق عدة مرات لثبوت عمليات فساد. ومن ذلك ما تشير إليه إحدى الوثائق الصومالية الخاصة بالجيش. حيث تشير الوثيقة أن أعضاء فرقة موسيقية عسكرية من 259 فردا يحصلون على رواتب مخصصة لجنود يقاتلون الإرهابيين. كما كشف النقاب عن تزوير السجلات الرسمية للجيش الذي يتألف رسميا من 26 ألف شخص، غير أن سجل منح الرواتب ممتلئ بالأسماء الوهمية لجنود، غير مجودين فعليا، ومتعاقدين وهميين، وموتى قد تكون أسرهم تحصل على رواتب. وكان فريق يضم مسؤولين أميركيين وصوماليين قد زار تسع قواعد عسكرية في شهري مايو ويونيو (حزيران)، قصد تتبع الإعانات الغذائية للجيش الصومالي؛ واكتشف الفريق التلاعب بتلك المساعدات، وكتب تقريرا يظهر الجيش الصومالي باعتباره جيشا منغمسا في الفساد وعاجزا عن توفير الغذاء والأجور والسلاح لوحداته المقاتلة في الميدان.
- خلاصة
لا شك أن الانسحاب التدريجي المقرر للقوات الأفريقية، سيزيد من متاعب الصومال في وقت تعود فيه حركة الشباب وهجماتها الإرهابية للواجهة. فمن المقرر أن تنهي بعثة الاتحاد الأفريقي المكونة من عسكريين من جيبوتي وبوروندي وكينيا وإثيوبيا وأوغندا عملياتها في البلاد بحلول 2020. ومن المرتقب كذلك أن تغادر أول دفعة من نحو ألف جندي أفريقي الصومال قبل نهاية 2018م.
وفي السياق نفسه جاءت مبادرة برلين بسحب المدربين العسكريين المتمركزين في الصومال بحلول أواخر مارس 2018؛ وقد تزيد هذه الخطوات من متاعب الصومال في مواجهة حركة إرهابية، عرفت كيف تتكيف مع ظروف الحرب داخل المدن، وفي المناطق الريفية الشاسعة التي تسيطر عليها، وتستخدمها قاعدة لهجماتها المتنوعة. ورغم أن الولايات المتحدة الأميركية رفعت مع بداية 2018، بشكل كبير من عدد أفراد وحداتها الخاصة المنتشرة في الصومال، لتصل 500 جندي؛ فإن استراتيجية اعتماد عدد صغير من عناصر القوات الخاصة أظهرت عجزها على مواجهة تنظيم حركة الشباب الإرهابية وتصطدم هذه الاستراتيجية، بواقع تستفيد فيه التنظيمات المتطرفة من تشابك الوضع القبلي والسياسي، وغياب جيش وطني منسجم، ومجهز وقادر على توفير الضروريات لأفراده.
- أستاذ زائر للعلوم السياسية
جامعة محمد الخامس الرباط


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.