قراءة في هجمات حركة «الشباب» الصومالية

عملية عسكرية واسعة لمواجهة التحركات المتنامية لجماعات التطرف

لقطة من شريط نشرته مواقع متطرفة للهجوم على قوات أميركية في النيجر (أ.ف.ب)
لقطة من شريط نشرته مواقع متطرفة للهجوم على قوات أميركية في النيجر (أ.ف.ب)
TT

قراءة في هجمات حركة «الشباب» الصومالية

لقطة من شريط نشرته مواقع متطرفة للهجوم على قوات أميركية في النيجر (أ.ف.ب)
لقطة من شريط نشرته مواقع متطرفة للهجوم على قوات أميركية في النيجر (أ.ف.ب)

نجحت حركة الشباب الصومالية، مع بداية 2018 في الظهور بمظهر القوة الإرهابية التي يصعب كسرها. فقد عادت هجمات هذا التنظيم لتمس مساحة واسعة من البلاد، وتخلف عشرات الضحايا من المدنيين والأمنيين والعسكريين. كما نجحت معركتها المستمرة في مقديشو، في إظهار ضعف الحكومة الجديدة في السيطرة الفعلية على أجزاء مهمة من العاصمة.
وكرد فعل على هذه العودة العنيفة، التي استهدفت كذلك قوات الاتحاد الأفريقي، تقود الحكومة المركزية وشريف حسن شيخ آدم رئيس ولاية جنوب غربي الصومال، وقيادات عسكرية من الجيش الصومالي، وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال مباحثات لإطلاق عملية عسكرية واسعة لمواجهة التحركات المتنامية لحركة الشباب؛ وتهم هذه العملية على الخصوص تأمين الطريق الذي تستعمله القوات الأفريقية، ويربط بين العاصمة مقديشو ومدينة بيدو الاستراتيجية بمحافظة باي، وصولا لمقر ولاية جنوب غربي الصومال. وتأتي هذه المباحثات للقيام بعملية موسعة ضد حركة الشباب، في الوقت الذي يفترض فيه تطبيق قرار الأمم المتحدة الخاص بانسحاب القوات الأفريقية (أميصوم) المتمركزة بالصومال، والتي تضم 22 ألف عسكري. وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر في فبراير (شباط) 2007 قرارا رقم 1744 / 2007 أكد فيه دعمه لبيان الاتحاد الأفريقي الصادر بتاريخ 19 يناير (كانون الثاني) 2007، والذي تقرر بموجبه إرسال قوات عسكرية أفريقية إلى الصومال تعوض القوات الإثيوبية؛ وأنيط بالقوة الأفريقية مهمة رئيسية، هي مواجهة حركة الشباب ودعم مؤسسات الدولة.
- الهجمات الجديدة
شنت حركة الشباب بزعامة أحمد ديري أبو عبيدة، في فبراير ومارس من سنة 2018 عدة هجمات عنيفة على المدنيين، ومؤسسات الدولة وشخصياتها السياسية والأمنية والعسكرية، كما أوقعت عدة خسائر في الأرواح والعتاد في صفوف القوات الأفريقية. وتشير واحدة من أحدث الدراسات البحثية الأميركية، التي نشرها الباحثان بالمؤسسة، جيسن وارنر وإيلين شابن عن مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت، أن تنظيم «الشباب»، شن منذ 18 سبتمبر (أيلول) 2006، إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2017، على الأقل 155 عملية انتحارية نفذها 216 من أعضاء التنظيم. بمعدل 4 عمليات في الشهر. وسيرا على هذا النهج نفذ التنظيم الإرهابي هجوما وحشيا بعمليتين انتحاريتين يوم 24 فبراير 2018 وأسفر عن سقوط 38 قتيلا.
وقد استهدف التفجير الأول نقطة مراقبة قرب مقر الحكومة، بينما استهدف تفجير ثان فندق «دوربين». وتجدر الإشارة أن تنظيم «أحمد ديري أبو عبيدة» استعمل في هذا الهجوم الأسلوب نفسه الذي نفذ به أكبر هجوم في تاريخ الصومال والذي شنته حركة الشباب في 14 أكتوبر 2017م بشاحنة مفخخة، وأسفر عن مقتل نحو 512 شخصا.
وفي أحدث العمليات الإرهابية، أدى انفجار لغم في سيارة للوزير عبد القادر عبد الرحمن، يوم 7 مارس (آذار) 2018، قرب قاعدة «بلي دوغلي» الجوية في محافظة شبيلي السفلى بولاية جنوب غربي الصومال؛ إلى مقتل وزير الدولة في وزارة الأمن بولاية جنوب غربي الصومال، عبد القادر عبد الرحمن والنائب في البرلمان المحلي لولاية هيرشبيلي أحمد عبدي فارح. ولم تستبعد الجهات الرسمية وقوف حركة الشباب خلف العملية.
وفيما يخص المواجهات اليومية بين مسلحي التنظيم الإرهابي، وقوات الاتحاد الأفريقي؛ شن «الشباب» في الأسبوع الأخير من شهر فبراير 2018، هجوما على وحدة عسكرية من الاتحاد الأفريقي متمركزة قرب مدينة بلعد على بعد 30 كلم شمال العاصمة مقديشو، وقتل 5 جنود برونديين واستولى على بعض أسلحة الوحدة العسكرية.
وفي سعي حركة الشباب لتقويض جهود أحد قادتها السابقين؛ أهدر التنظيم في النصف الثاني من فبراير 2018 دم المتحدث السابق باسمها ونائب زعيمها، مختار روبو أبو منصور، واعتبره مرتدا ومناصرا للكفار، وتوعده بالقتل؛ وكان أبو منصور قد انشق عن الشباب منذ 2013، انضم إلى صفوف الحكومة في أغسطس (آب) 2017.
وأشارت إذاعة محلية بمقديشو إلى أن روبو يزور في الأسبوع الثاني من مارس 2018 العاصمة الكينية نيروبي، للتنسيق والتباحث مع ضباط أميركيين في شأن بدء عمليات عسكرية تهدف إلى طرد حركة الشباب من ولاية جنوب غربي الصومال التي تسيطر عليها. ويحاول روبو أن يلعب دورا محوريا في هذه المواجهة المرتقبة، لعاملين أساسيين: أولهما كونه ابن الولاية ويعرفها جيدا، وثانيا للدور الذي يقوم به شقيقه على رأس جهاز المخابرات في ولاية جنوب غربي الصومال.
وفي إشارة دالة على ضعف القوات العسكرية المواجهة لتنظيم «الشباب»، كشفت مصادر محلية صومالية النقاب يوم 6 فبراير 2018 عن وصول أحمد ديري زعيم تنظيم «الشباب» المتطرف، إلى إقليم جدو بولاية جوبا لاند جنوبي الصومال. وهو ما يؤكد أن التنظيم قادر على التحرك في مناطق شاسعة، من الدولة، دون أن تتمكن لا الحكومة، ولا القوات الأفريقية «أميصوم»، من عرقلة ذلك التحرك.
- الخلافات والفساد
ويبدو أن عودة «حركة الشباب الصومالية»، تساهم فيه عدة عوامل داخلية سياسية. ومن ذلك على وجه الخصوص استمرار الخلافات بين الحكومة المركزية والولايات من جهة؛ وبين بعض الشخصيات السياسية، والأجهزة الأمنية من جهة أخرى. ورغم أن الصومال لا يزال دولة «فاشلة»، بمؤسسات هشة، فإن الخلافات والفساد المستشري في الإدارة تعمقان من الأزمة الأمنية، ويحولان دون تحقيق الاستقرار ومواجهة الإرهاب.
وفي آخر فصول هذه الخلافات بعثت لجنة الإشراف على تعديل وتطبيق الدستور في البرلمان الفيدرالي الصومالي بتاريخ 6 مارس الحالي رسالة سحب الثقة عن وزير الدستور في الحكومة الفيدرالية عبد الرحمن حوش جبريل؛ إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ورئاسة مجلسي الشعب والشيوخ للبرلمان. متهمة حوشي جبريل بعرقلة مسار تعديل الدستور، وعمل اللجنة الممثلة للولايات، وهو ما دفع اللجنة إلى اعتباره شخصا غير مرغوب فيه. وفي سياق آخر، ظهرت خلافات سياسية بين مكتب حسن علي خيري رئيس الوزراء الصومالي، وثابت عبده محمد الذي يشغل محافظ محافظة بنادر عمدة بلدية مقديشو، ولم يتم تجاوزها لحد الآن. وتشير عدة تقارير إلى أن هذه الخلافات تغذيها، الخلافات القبلية، والسياسية، كما تؤججها التدخلات الإقليمية والدولية في الشؤون الداخلية الصومالية. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الجديد حاول تطويق الخلافات بين المركز والولايات؛ ودعم المؤتمر التشاوري لرؤساء الولايات المنعقد في الثامن من أكتوبر بمدينة كسمايو العاصمة المؤقتة لولاية جوبالاند والذي خرج بقرار تشكيل مجلس تعاون الولايات؛ وفيه نُصبَّ عبد الولي محمد علي غاس رئيس ولاية بونتلاند رئيسا للمجلس، وعين محمد عبد وارى رئيس ولاية هير شبيلي نائبا له. وسجل البيان الختامي للمؤتمر أن مهمة المجلس المشكل هي العمل على تطوير مصالح الولايات وإجراء مصالحة مجتمعية بين الصوماليين، تقود البلاد لاستقرار سياسي دائم.
ويبدو أن هذا المؤتمر حسن من العلاقات الرابطة بين الولايات والسلطة المركزية؛ وشارك رؤساء الولايات في المؤتمر التشاوري الثاني، في مقديشو نهاية أكتوبر من عام 2017، بدعوة من الرئيس فرماجو. وفيه تم الاتفاق على ضرورة التوحد لمواجهة إرهاب «حركة الشباب»، واستمرار الجهود التشاركية لتعديل الدستور، ودمج القوات العسكرية في جيش وطني.
ورغم كل هذا فإن الولايات المتحدة التي تمول أيضا القوة الأفريقية المؤلفة من 22 ألف عسكري، شعرت بخيبة أمل من عجز الحكومات المتعاقبة عن بناء جيش وطني قادر على البقاء. ووفقا لمراسلات خاصة بين الحكومتين الأميركية والصومالية اطلعت عليها «رويترز» ونشرت مضمونها بتاريخ ديسمبر (كانون الأول) 2017؛ فقد جاء قرار التعليق الأميركي للمساعدات، بعد امتناع الجيش الصومالي أكثر من مرة عن تقديم بيانات بالأغذية والوقود.
وتجدر الإشارة إلى أن أميركا أنفقت على الصومال، نحو 66 مليون دولار ما بين 2010 - 2017، واضطرت لتعليق الإنفاق عدة مرات لثبوت عمليات فساد. ومن ذلك ما تشير إليه إحدى الوثائق الصومالية الخاصة بالجيش. حيث تشير الوثيقة أن أعضاء فرقة موسيقية عسكرية من 259 فردا يحصلون على رواتب مخصصة لجنود يقاتلون الإرهابيين. كما كشف النقاب عن تزوير السجلات الرسمية للجيش الذي يتألف رسميا من 26 ألف شخص، غير أن سجل منح الرواتب ممتلئ بالأسماء الوهمية لجنود، غير مجودين فعليا، ومتعاقدين وهميين، وموتى قد تكون أسرهم تحصل على رواتب. وكان فريق يضم مسؤولين أميركيين وصوماليين قد زار تسع قواعد عسكرية في شهري مايو ويونيو (حزيران)، قصد تتبع الإعانات الغذائية للجيش الصومالي؛ واكتشف الفريق التلاعب بتلك المساعدات، وكتب تقريرا يظهر الجيش الصومالي باعتباره جيشا منغمسا في الفساد وعاجزا عن توفير الغذاء والأجور والسلاح لوحداته المقاتلة في الميدان.
- خلاصة
لا شك أن الانسحاب التدريجي المقرر للقوات الأفريقية، سيزيد من متاعب الصومال في وقت تعود فيه حركة الشباب وهجماتها الإرهابية للواجهة. فمن المقرر أن تنهي بعثة الاتحاد الأفريقي المكونة من عسكريين من جيبوتي وبوروندي وكينيا وإثيوبيا وأوغندا عملياتها في البلاد بحلول 2020. ومن المرتقب كذلك أن تغادر أول دفعة من نحو ألف جندي أفريقي الصومال قبل نهاية 2018م.
وفي السياق نفسه جاءت مبادرة برلين بسحب المدربين العسكريين المتمركزين في الصومال بحلول أواخر مارس 2018؛ وقد تزيد هذه الخطوات من متاعب الصومال في مواجهة حركة إرهابية، عرفت كيف تتكيف مع ظروف الحرب داخل المدن، وفي المناطق الريفية الشاسعة التي تسيطر عليها، وتستخدمها قاعدة لهجماتها المتنوعة. ورغم أن الولايات المتحدة الأميركية رفعت مع بداية 2018، بشكل كبير من عدد أفراد وحداتها الخاصة المنتشرة في الصومال، لتصل 500 جندي؛ فإن استراتيجية اعتماد عدد صغير من عناصر القوات الخاصة أظهرت عجزها على مواجهة تنظيم حركة الشباب الإرهابية وتصطدم هذه الاستراتيجية، بواقع تستفيد فيه التنظيمات المتطرفة من تشابك الوضع القبلي والسياسي، وغياب جيش وطني منسجم، ومجهز وقادر على توفير الضروريات لأفراده.
- أستاذ زائر للعلوم السياسية
جامعة محمد الخامس الرباط


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».