«بوق» ترمب السابق: علينا أن نظهر للعرب أننا جادون في تحقيق السلام

شون سبايسر لـ«الشرق الأوسط»: لم يواجه أي سكرتير صحافي في البيت الأبيض ذلك القدر من الانتقادات الذي واجهته منذ اليوم الأول

TT

«بوق» ترمب السابق: علينا أن نظهر للعرب أننا جادون في تحقيق السلام

إنه أحد أشهر الشخصيات في الولايات المتحدة، وربما حول العالم، نظراً لدوره خلال عمله في منصب «بوق» الرئيس دونالد ترمب. وعلى رغم أن شون سبايسر غادر البيت الأبيض في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلا أن كثيرين ما زالوا يعرفونه بوصفه «السكرتير الصحافي» للرئيس الأميركي، وذلك بفضل انطباع الممثلة ميليسا مكارثي عنه في برنامج «ساترداي نايت لايف»، وأجل، بفضل قوله في يوم عمله الأول إن الحشود التي حضرت حفل تنصيب الرئيس ترمب كانت الأكبر في التاريخ، وهو أمر أثار انتقادات واسعة من مشككين في صحة هذا الزعم.
لكن المواطن الطبيعي شون سبايسر يختلف تماماً عن صورته المقلّدة في وسائل الإعلام: إنه رجل يقدّس الحياة العائلية، وهو أب لطفلين، وجار محترم. وإلى جانب تأليف كتاب «الإيجاز»، المقرر نشره في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وأسواق أخرى عالمية، اعتباراً من 23 يوليو (تموز) المقبل، فإن سبايسر يستجيب لمجموعة واسعة من العروض: حوارات مفتوحة، واستشارات للمؤسسات، وبرامج تلفزيونية.

قبل خدمته في منصب المتحدث الرسمي باسم اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، كان شون سبايسر يعمل مساعداً للممثل التجاري للولايات المتحدة للشؤون الإعلامية والعامة. وكان كثيراً ما يسافر في أنحاء العالم كافة. يقول سبايسر في مقابلة حصرية: «لقد زرت أكثر من 35 مدينة، وسافرت إلى دول مجموعة السبع الكبار، ومجموعة الثمانية (التي لا تزال روسيا عضواً فيها)». ويتابع أنه يدرك أهمية «الرسائل المستمرة المتواصلة من السياسة الأميركية إلى كافة أنحاء العالم»، مشيراً إلى أن لديه «انجذاباً وألفة، بخاصة حيال وسائل الإعلام الأجنبية، منذ أيام عمله الأولى لدى الممثل التجاري، وخلال أكثر من 18 عاماً في خدمة الشؤون العامة بالقوات البحرية الأميركية».
ويرى سبايسر أن شعار «أميركا أولاً» الذي يرفعه الرئيس ترمب لم يكن السبب الأساسي وراء تهميش بعض المواضيع التي تتعلق بتعامل الإدارة مع الإعلام الأجنبي.
يتحدث سبايسر عن أيام عمله الأولى في البيت الأبيض، ويقول: «أولاً وقبل كل شيء، كانت هناك طلبات كثيرة لإجراء مقابلات شخصية مع السيد الرئيس... الكثير للغاية من الطلبات... حتى على الصعيد المحلي. لا يجب أن ننسى أنه لم يُجر أي حديث إذاعي لفترة طويلة... لقد كانت أول مقابلة إذاعية له في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2017». ويتابع: «لم نقم بأي رحلات خارجية حتى فصل الصيف... كانت هناك رحلتان خارجيتان فقط (خلال فترة عمل شون سبايسر في البيت الأبيض): إحداهما كانت إلى المملكة العربية السعودية ومنطقة الشرق الأوسط، والرحلة الثانية كانت إلى مجموعة الدول السبع الصناعية».
ويوضح: «برغم ذلك، كان لزاماً عليَّ أن أخبر السيد الرئيس أن هذه الرحلات الخارجية سببت غضباً لدى وسائل الإعلام الأجنبية التي طلبت مقابلات حصرية قبل قيامنا بهذه الرحلات الخارجية. لقد شعروا بصفعة كبيرة موجهة إليهم (بسبب امتناع ترمب عن إعطاء المقابلات الخاصة). لقد كان شعار (أميركا أولاً) يتحرك بسرعة فائقة آنذاك». ويتابع الناطق الرئاسي السابق في البيت الأبيض: «إنه أمر صحيح أن الرئيس الأميركي انتخب اعتماداً على (رفعه) شعار (أميركا أولاً). وأعني بذلك أن صداقة الولايات المتحدة مع البلدان الأخرى لا تزال قائمة، لكن الأولوية (لترمب) كانت موجهة حيال العمالة الأميركية في المقام الأول».
التوتر بين واشنطن ولندن
ولكن ماذا عن التوترات التي شهدتها علاقة الولايات المتحدة ببعض أصدقائها بعد تولي ترمب السلطة؟ سألته عن التوتر الذي حصل مع المملكة المتحدة، وإرجاء الرئيس الأميركي زيارته لها، فأجاب: «ما يتناساه الناس في خضم الأحداث هو أن الأمر لا يتعلق بالتصريح الشخصي الذي أصدرته السيدة تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية (انتقادها إعادة نشر ترمب تغريدات لجماعة بريطانية عنصرية)، إذ إن العلاقات بين البلدين أعمق وأكبر بكثير من بعض التغريدات عبر الإنترنت... إن العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قوية وراسخة للغاية. ويحافظ الجانبان على الدوام على قوة العلاقات العسكرية، والتجارية، وغيرها من الأمور. إنها صداقة متواصلة ومستدامة على مختلف الصعد والمستويات».

إسرائيل وقرار نقل السفارة إلى القدس
وتبدو إسرائيل، في المقابل، الصديق الأكثر سعادة بين أصدقاء الولايات المتحدة بمواقف الرئيس ترمب، لا سيما إعلانه عزم الولايات المتحدة نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وهي الخطوة التي أدت بالجانب الفلسطيني إلى رفض الرعاية الأميركية (الحصرية) لأي مفاوضات تتعلق بعملية السلام. وعن هذا الموضوع يقول شون سبايسر: «أعتقد أنه فيما يتعلق بإسرائيل كان هناك الكثير من الكلام - على مدى عقود - بشأن قرار نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس... ولقد نفّذ الرئيس دونالد ترمب هذا القرار بالفعل! وينبغي على إسرائيل الإقرار بفضله في ذلك. فهذه الأوقات تتعلق بالأفعال أكثر مما تتعلق بالأقوال. لدينا رئيس أميركي ينفّذ ما تعهد به بالفعل. وإن كنا نريد تحقيق السلام حقاً، فعلينا القيام بشيء ما، دعونا نظهر للعرب أننا جادون للغاية في هذه القضية». ويتابع موضحاً: «مجرد اعترافنا بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل لا يعني أننا نُغفل أهمية هذه المدينة بالنسبة للديانات الأخرى».

العلاقة مع «الصديق التركي»
ولا شك أن الصداقة الأكثر تعقيداً هي صداقة الولايات المتحدة مع تركيا. فهذا الحليف العضو في «الناتو» لديه خط ساحلي بالغ الأهمية بالنسبة للقوات البحرية الأميركية، لكنه شرع في التعامل مباشرة مع روسيا وإيران، مما أسفر عن بعض التوتر في العلاقة مع الولايات المتحدة. وفي واقع الأمر، ارتفعت حالة عدم الثقة بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة (لأسباب مختلفة بينها الخلاف على الملف الكردي في سوريا، وقضية الداعية فتح الله غولن)، لدرجة أن الأتراك لم يعودوا يفكرون سوى في التواصل المباشر بين الرئيس دونالد ترمب والرئيس رجب طيب إردوغان، وذلك راجع بالأساس إلى الرسائل المختلطة غير الواضحة التي تأتي من مصادر أميركية متنوعة، بحسب ما يقولون. ويعلّق سبايسر على هذا الأمر بالقول: «أعلم ذلك، قد يبدو الأمر على هذه الشاكلة... ولكن هناك عدة حقائق مؤكدة يدركها مسؤولو الإدارة الأميركية عند الإدلاء بالتصريحات الرسمية على أعلى مستوى في البلاد. إنهم يعلمون أن تركيا والولايات المتحدة من الحلفاء في (الناتو). وهم يعلمون أن روسيا وإيران من الدول التي يتعين على الولايات المتحدة مواجهتها عسكرياً في المنطقة».
وانطلاقاً من الحديث عن العلاقات المعقدة للولايات المتحدة ببعض أصدقائها، يأتي الحديث عن العلاقة مع الصين، التي تعتبر ذات أهمية قصوى فيما يتصل بالتهديدات القائمة من جارتها كوريا الشمالية. يقول سبايسر: «إن أكبر شيء يمكننا فعله إزاء الصين هو وضع حد للديون المتزايدة! لا بد لنا من الاعتراف بأن الصين تزيد من قدراتها وإمكاناتها العسكرية أيضاً. أجل، لا بد أن ننتبه إلى ذلك جيداً. لكن المفتاح الرئيسي هو الاقتصاد. يتعيّن علينا إدراك كيف أن القوة الاقتصادية التي توفرها ديوننا تمنحهم الميزة المطلوبة لديهم. إنها رسالة من المهم للغاية أن نبعث بها إليهم».

التجارة الدولية
وبرز في الأيام الماضية ملف التجارة الدولية بعدما فاجأ الرئيس ترمب بعضاً من كبار مستشاريه الماليين وحلفائه الجمهوريين بإعلانه فرض تعريفات جمركية جديدة على واردات الصلب والألمونيوم، وهو أمر أثار حفيظة كثيرين ممن اعتبروه بمثابة إعلان حرب تجارية على الآخرين. ويقر شون سبايسر بأن قرار ترمب أثار بلبلة في أميركا نفسها، قائلاً: «بكل وضوح، هناك حالة من القلق العميق بشأن الوظائف في الولايات المتحدة مقابل العمالة الرخيصة خارج الولايات المتحدة. ولقد أجرينا هذه المناقشات عندما كنت أعمل في منصبي بالبيت الأبيض. ومع ذلك، لا بد أن نتوخى الحذر. لا ينبغي علينا إشعال الحروب التجارية مع الآخرين. فسوف تفرض الدول الأخرى التعريفة الجمركية على منتجاتنا بدورها، وإن ألحقنا بهم الضرر بفرض التعريفة الجمركية على (صادراتهم من) الصلب والألمونيوم، فسوف ينتقمون بفرض التعريفة الجمركية على المنتجات التي نصدّرها إليهم. إننا جميعاً أعضاء في منظمة التجارة العالمية، ومن الأفضل دائماً محاولة الحصول على أفضل الصفقات. وهذه الأمور لا تحدث هكذا بين عشية وضحاها». «بين عشية وضحاها» هو التوصيف الدقيق من جانب شون سبايسر لانتقاله من منصب المتحدث الرسمي باسم اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري إلى عالم المشاهير المحيطين بالرئيس دونالد ترمب. وهو كوكب مختلف بالكلية، حيث يُعرف اللاعبون فيه بأسمائهم الأولى على الصعيد العالمي. ولقد بدأ الأمر مع إيفانا (التي اخترعت «ذي دونالد»)، واستمر مع ميلانيا، وإيفانكا، وأوماروزا (صديقة ترمب التي انتقلت من برنامج «ذي ابرنتيس» إلى البيت الأبيض). أما شون سبايسر فتحوّل إلى شون «الحار!»، أو الشخصية ذات الشهرة العالمية في برنامج لم تتحدد قواعد العمل فيه بعد! يعلّق سبايسر على ذلك بالقول: «كلا، لم أجهّز نفسي أبداً لمثل هذا الأمر (عندما انتقل للعمل في البيت الأبيض). لم أفكر مطلقاً في أن أكون من المشاهير. لقد حدث الأمر بسرعة فائقة. في البداية، لم أكن أحب أن تصريحاتي الصحافية تُعرض وتُنشر في كل مكان حول العالم. ولا أعتقد أن أياً ممن شغلوا منصب السكرتير الصحافي للبيت الأبيض كانوا يهتمون بأن جلساتهم الإخبارية سوف تنشر وتذاع في كل مكان على سطح الكوكب».
ويضيف: «خلال الشهور القليلة الأولى، كنت غارقاً حتى أذني في العمل داخل البيت الأبيض، وبالتالي لم تكن لدي فكرة عن الأمر. ولكن بعد ذلك، اصطحبت أطفالي للتنزه، ثم بدأ الناس في التعرف عليَّ في الشوارع. كانوا يوقفونني في المتاجر ويطلبون من أطفالي أن يلتقطوا صوراً للناس معي. أعني - حتى ذلك الحين، عندما كان أحد المارة ينطق باسمي في الشارع، كنت ألتفت إليه على افتراض أنه يعرفني معرفة شخصية. ولكن وعلى نحو مفاجئ، بدا الأمر وكأن الجميع، بلا استثناء، على معرفة بي!! وكل منهم له رأيه الخاص في شؤون السياسة. لم يتعرض سكرتير صحافي للبيت الأبيض لذلك القدر من الانتقادات اللاذعة التي تعرضت لها من أول يوم لي في العمل». وقد تحوّل سبايسر في الشهور الماضية إلى مادة ثرية للكوميديا، خصوصاً بعد تقليد شخصيته في برنامج «ساترداي نايت لايف» من قبل ممثلة هوليوود الشهيرة ميليسا مكارثي. ويقول شون عن ذلك: «أعتقد أنك على حق. لقد ضحكت كثيراً على ذلك العرض ومشاهدة ميليسا مكارثي تفعل ذلك. وفي بعض الأحيان، كانت في ذروة أدائها الفني. وأستطيع أن أقول إنني لو أردت أن أضرب مثالاً عن مجمل تجربتي داخل البيت الأبيض فإن بشرتي - من كثرة السخرية والانتقادات - قد صارت أشبه بالدرع البشري».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.