العبادي يتمسك بحصر السلاح بيد الدولة

TT

العبادي يتمسك بحصر السلاح بيد الدولة

افتتح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمس، مؤتمر ومعرض الأمن والدفاع والصناعات الحربية العراقية الدولي في دورته السابعة تحت شعار «بوحدتنا انتصرنا... للبناء توجهنا».
وألقى العبادي كلمة الافتتاح في المؤتمر أشار فيها إلى أن «تطوير قدرات البلد التسليحية هو لتوفير الأمن الذي نحتاجه للاستثمار والبناء والإعمار وتوفير فرص العمل». مشدداً على «ضرورة تشجيع المنحى الوطني في مجال السلاح والتكنولوجيا»، داعياً إلى «الاستفادة من الطاقات الوطنية الهائلة لتطوير قدرتنا للمنظومة التسليحية وحماية المواطنين وتنمية الطاقات المحلية لدينا».
ولوحظ أن العبادي جدد تأكيده على «حصر السلاح بيد الدولة الذي يعد حماية للمواطن». ويأتي حديثه عن السلاح وحصره بيد الدولة بعد أيام قليلة من إصداره أمرا ديوانيا يتعلق بمقاتلي «الحشد الشعبي» ومساواتهم من حيث الحقوق والمخصصات المالية بنظرائهم في القوات الأمنية الأخرى كالجيش والشرطة. لكن أوساطا غير قليلة من قادة وأعضاء «الحشد الشعبي» تتحدث سرا وعلنا عن عملية «إجحاف» ألحقها الأمر الديواني بمقاتلين كان لهم دور مهم في مقاتلة (داعش) والانتصار عليه».
وفي هذا السياق، يستبعد المتحدث الرسمي باسم كتلة «صادقون» النيابية التابعة لـ«عصائب أهل الحق» ليث العذاري، أن يكون رئيس الوزراء يوجه كلامه بخصوص نزع السلاح إلى فصائل «الحشد الشعبي»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان يقصد فصائل الحشد في كلامه، فهي مؤسسة أمنية ودستورية. مرحلة استهداف الحشد صارت من الماضي، وأظن أن رئيس الوزراء يوجه كلامه إلى جهات أخرى».
وحول ما يتردد عن عدم قبول أوساط كثيرة في الحشد الشعبي ببنود الأمر الديواني الذي أصدره العبادي، يلخص العذاري أبرز الملاحظات المتعلق بهذا الأمر: «على العموم إصدار الأمر الديواني أفضل من عدمه. ووجهة نظري تعبر عن كتلة (صادقون) وليس عن بقية الفصائل، لكني أستطيع أن أسجل 5 ملاحظات أساسية على الأمر الديواني، وهي تكشف عن عدم القناعة التامة به». ويشير إلى أن الملاحظة الأولى تتعلق بـ«إصدار رئيس الوزراء أمرا ديوانيا وليس تعليمات. الأمر يمكن إلغاؤه في أي لحظة، خلافاً للتعليمات التي تصدر استناداً إلى قانون الحشد الدستوري التي أشار إليها. التعليمات لا يمكن إلغاؤها خلافاً للأمر الديواني».
ويرى العذاري أن الملاحظة الأخرى تتعلق بـ«تأخر إصدار الأمر وجاء نتيجة ضغوط جماهيرية ووطنية طالبت بالتظاهر الجمعة الماضي للمطالبة بحقوق المقاتلين في الحشد، لذلك أصدر العبادي الأمر ليلة الخميس الماضي. كذلك جاء الأمر أشبه بالمجاملة التي تسبق الانتخابات».
أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بعدم مساواة مقاتلي الحشد بنظرائهم من عناصر الجيش والشرطة، ذلك «لأن موازنة 2018 المالية وفي المادة 28 منها أشارت إلى إنشاء صندوق للتبرعات لتغطية نفقات الحشد، بمعنى أنها لا تساوي بينهم وبين منتسبي القوات الأمنية الأخرى، وليس من اللائق اعتماد الحشد على التبرعات وعدم تخصيص مبالغ محددة لهم في الميزانية». وهناك ملاحظة رابعة تتعلق بـ«بقاء مقاتلي الحشد بصفة متعاقدين وليس منتسبين؛ وذلك يعني عدم مساواتهم ببقية الجنود والعسكريين».
ويلفت ليث العذاري إلى أن الملاحظة الخامسة تتعلق بالعمر الذي حدده الأمر الديواني بالنسبة لمقاتلي الحشد، حيث «حدد القانون عمر 18 إلى 25 سنة فقط. ومعلوم أن ثلاثة أرباع مقاتلي الحشد تتجاوز أعمارهم الثلاثين».
وعلى رغم الملاحظات المذكورة، فإن العذاري يميل إلى الاعتقاد بأن فصائل الحشد «لن ترفض الأمر الديواني، لكنها ستسعى وتضغط في الأيام المقبلة باتجاه تعديله، أو الحصول على مكاسب أخرى لمقاتلين ضحوا كثيرا من أجل بلادهم».



تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
TT

تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

بعيداً عن تعثر مسار التسوية في اليمن بسبب هجمات الحوثيين البحرية، أشاع الإعلان الأممي اتفاقاً بين الحكومة والحوثيين حول المصارف والطيران أجواءً من الأمل لدى قطاع عريض من اليمنيين، مثلما زرع حالة من الإحباط لدى مناهضي الجماعة المدعومة من إيران.

ومع إعلان غروندبرغ اتفاق خفض التصعيد بين الحكومة والحوثيين بشأن التعامل مع البنوك التجارية وشركة «الخطوط الجوية اليمنية»، فإن المبعوث لم يحدد موعداً لبدء هذه المحادثات ولا مكان انعقادها، واكتفى بالقول إن الطرفين اتفقا على البدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خريطة الطريق.

غروندبرغ يسعى إلى تحقيق أي اختراق في مسار السلام اليمني بعد إعاقة الحوثيين خريطة الطريق (الأمم المتحدة)

بدت آراء يمنيين في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي متباينة في كل مضامين اتفاق التهدئة، باستثناء تمنياتهم بنجاح محادثات الملف الاقتصادي لأن من شأنها أن تعالج وفق تقديرهم جذور الأزمة الاقتصادية والانقسام المالي وانقطاع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين منذ ثمانية أعوام.

في المقابل، ناقضت تقارير يمنية نفسها، مثل ما ورد في تقرير لمركز صنعاء للدراسات كتبه نيد والي، ففي حين حاول توجيه السبب الأساسي للاتفاق نحو ضغوطات من دول في التحالف على الحكومة لصالح الحوثيين، عاد واقتبس من المبعوث الأممي قوله في رسالة لمجلس القيادة: «الانقسام الاقتصادي والمالي الذي تشهده البلاد ستترتب عليه تبعات خطيرة وربما مدمرة، وعزل البنوك وشركات الصرافة عن النظام المالي العالمي سيؤثر سلباً على الأعمال التجارية وعلى تدفق التحويلات المالية».

وكتب الباحث في التقرير نفسه: «عانى الاقتصاد اليمني من الشلل نتيجة عقد من الصراع، وأي ضغوط إضافية لن تجلب سوى أوضاع إنسانية وخيمة، ليس أقلها تعطيل القدرة على تقديم المساعدات. يتم تداول عملتين في الأسواق المالية اليمنية بسعري صرف متباينين، ورغم أن الانقسام الدائم في النظام المصرفي ومؤسسات الدولة قد يصبح أمراً لا مفر منه في نهاية المطاف، لا ينبغي التشكيك بأن تداعيات ذلك على الاقتصاد ستكون وخيمة وأليمة بصورة استثنائية».

وقالت مصادر غربية لـ«الشرق الأوسط»: «إن السعودية دعمت خريطة الطريق ومشروع إنهاء الأزمة اليمنية، والخلافات والعراقيل ليست طريقة للوصول إلى السلام في كل الأحوال».

ومن خلال تعليقات حصلت عليها «الشرق الأوسط» عبر استمزاج يمنيين في قطاعات تجارية وتربوية، تتجنب المعلمة نجاة التي اكتفت بذكر اسمها الأول الخوض في الجدال المتواصل بين المؤيدين والمعارضين لاتفاق التهدئة وتعتقد أن الذهاب للمحادثات الاقتصادية بنيات صادقة ونجاحها هو البشرى الحقيقية لمئات الآلاف من الموظفين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الذين حرموا من رواتبهم منذ نهاية العام 2016، ولكل سكان البلاد الذين يدفعون ثمن الانقسام المالي والمواجهة الاقتصادية.

وتتمنى المعلمة على ممثلي الجانبين الحكومي والحوثيين استشعار المعاناة الكبيرة للملايين من اليمنيين الذين يقاسون نتيجة الظروف الاقتصادية وتوقف المرتبات ووجود عملتين محليتين، والحرص على التوافق والخروج باتفاق على استئناف تصدير النفط والغاز ووضع آلية مرضية لصرف المرتبات، وإنهاء الانقسام المالي لأن ذلك في تقديرها سيكون المنفذ الحقيقي للسلام.

الرواتب وتوحيد العملة

يقول الموظف الحكومي رضوان عبد الله إن الأهم لديه، ومعه كثيرون، هو صرف الرواتب وإنهاء انقسام العملة، لأنهم فقدوا مصدر دخلهم الوحيد ويعيشون على المساعدات والتي توقفت منذ ستة أشهر وأصبحوا يواجهون المجاعة وغير قادرين على إلحاق بناتهم وأبنائهم في المدارس لأنهم لا يمتلكون الرسوم التي فرضها الحوثيون ولا قيمة الكتب الدراسية ومستلزمات المدارس ولا المصروف اليومي.

تعنّت الحوثيين أفشل جولات متعددة من أجل السلام في اليمن (إعلام محلي)

ويؤيده في ذلك الموظف المتقاعد عبد الحميد أحمد، إذ يقول إن الناس تريد السلام ولم يعد أحد يريد الحرب وإن السكان في مناطق سيطرة الحوثيين يواجهون مجاعة فعلية. ويزيد بالقول إن صرف المرتبات وتوحيد العملة أهم من أي اتفاق سياسي ويطلب من الحكومة والحوثيين ترحيل خلافاتهم السياسية إلى ما بعد الاتفاق الاقتصادي.

ولا يختلف الأمر لدى السكان في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية والذين يعبر أغلبيتهم عن سخطهم من الموافقة على إلغاء الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في حق البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يرى عادل محمد أن إنهاء انقسام العملة واستئناف تصدير النفط سيؤدي إلى وقف تراجع سعر الريال مقابل الدولار الأميركي وسيوقف الارتفاع الكبير في أسعار السلع لأن ذلك أضر بالكثير من السكان لأن المرتبات بسبب التضخم لم تعد تكفي لشيء.

ويتفق مع هذه الرؤية الموظف في القطاع التجاري سامي محمود ويقول إن توحيد العملة واستئناف تصدير النفط سيكون له مردود إيجابي على الناس وموازنة الدولة، لأنه سيحد من انهيار الريال اليمني (حالياً الدولار بنحو 1990 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة) كما أن الموظفين والعمال الذين تعيش أسرهم في مناطق سيطرة الحوثيين سيكونون قادرين على إرسال مساعدات شهرية، لكن في ظل الانقسام وفرض الحوثيين سعراً مختلفاً فإن ما يرسلونه يساوي نصف رواتبهم.

مصلحة مشتركة

يرى الصحافي رشيد الحداد المقيم في مناطق سيطرة الحوثيين أن التوصل إلى اتفاق في هذا الملف فيه مصلحة مشتركة وإعادة تصدير النفط والغاز سيسهم في عودة أحد مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة، كما أن استئناف صرف مرتبات الموظفين سوف يسهم في الحد من معاناة مئات الآلاف من الموظفين.

ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين تتهددهم المجاعة (الأمم المتحدة)

ويشدد الحداد على ضرورة أن يتوجه ممثلو الجانبين إلى هذه المحادثات بصدق ومسؤولية لمفاوضات تحسم هذا الملف، ورأى أن أي اختراق يحدث في هذا الجانب سيعزز بناء الثقة وسيقود نحو تفاهمات أخرى، و سيكون له انعكاسات إيجابية على حياة كل اليمنيين.

لكن الجانب الحكومي لا يظهر الكثير من التفاؤل ويعتقد اثنان من المسؤولين سألتهم «الشرق الأوسط» أن الحوثيين غير جادين ويريدون تحقيق مكاسب اقتصادية فقط من خلال هذه الجولة، لأنهم يريدون الحصول على رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم لامتصاص النقمة الشعبية الواسعة، ويرغبون في الحصول على حصة من عائدات تصدير النفط، دون أن يكون هناك مقابل أو تقديم تنازلات فعليه تخدم مسار السلام، فيما يتعلق بتوحيد العملة والبنك المركزي.

ووفق ما أكده المسؤولان فإن الجانب الحكومي الذي قدم الكثير من التنازلات من أجل السكان في مناطق سيطرة الحوثيين بحكم مسؤوليته عن الجميع، سيشارك بإيجابية في المحادثات الاقتصادية وسيكون حريصاً على إنجاحها والتوصل إلى اتفاقات بشأنها استناداً إلى مضامين خريطة طريق السلام التي كانت حصيلة جهود وساطة قادتها السعودية وعُمان طوال العام الماضي وحتى الآن.