كيف تتعامل الأجهزة السرية مع الجواسيس و«الخونة»؟

فحوصات في قضية سيرغي سكريبال الذي عثر عليه مسموماً في بريطانيا (إ.ب.أ)
فحوصات في قضية سيرغي سكريبال الذي عثر عليه مسموماً في بريطانيا (إ.ب.أ)
TT

كيف تتعامل الأجهزة السرية مع الجواسيس و«الخونة»؟

فحوصات في قضية سيرغي سكريبال الذي عثر عليه مسموماً في بريطانيا (إ.ب.أ)
فحوصات في قضية سيرغي سكريبال الذي عثر عليه مسموماً في بريطانيا (إ.ب.أ)

تثير قضية سيرغي سكريبال الذي عثر عليه مسموماً في بريطانيا الأحد، شكوكاً. فهذا العميل الروسي المزدوج حكم عليه عام 2006 بالسجن 13 عاماً لأنه قدم معلومات إلى البريطانيين، ثم استفاد من تبادل للجواسيس في 2010 بين موسكو ولندن وواشنطن. وتحوم شكوك كبيرة حول تورط روسيا التي تؤكد براءتها من تسميمه.
موسكو ردت بغضب على اتهامها بالوقوف وراء تسميم سكريبال، ورفض وزير الخارجية سيرغي لافروف الاتهامات، وقال إنها بغرض «الدعاية».
لكن بدا المذيع على التلفزيون الحكومي الروسي كيريل كليمنيونوف وكأنه يوجه تحذيراً مبطناً، إذ قال: «لا تختاروا إنجلترا بلد إقامتكم المستقبلي... سواء كنت خائنا محترفا لبلدك الأم، أو كنت تكره بلدك في وقت فراغك».
ويرتبط مصير العملاء المزدوجين وغيرهم من «الخونة» بطبيعة الأنظمة التي طالتها القضية، وحاجتها إلى «أمثلة» على ردودها، من أحكام السجن القاسية إلى الخطف والقتل.
ولا تخفي بعض الدول تصميمها حيال الذين تعتبرهم خونة، كما هو الحال في قضية الإسرائيلي موردخاي فعنونو الشهيرة، الذي كشف عن ترسانة إسرائيل النووية، ونشرت صحيفة «الصنداي تايمز» وثائق سلمها لها. وكانت الاستخبارات الإسرائيلية قامت عام 1986 بخطف هذا الخبير الفني في الذرة إثر كشفه أسرارا عن البرنامج النووي لإسرائيل، بعدما استدرجته عميلة في إطار علاقة عاطفية مزعومة. وقد نقل إلى إسرائيل وتمت محاكمته ووضع في عزلة تامة لأكثر من عشر سنوات. ومنذ الإفراج عنه عام 2004، ممنوع عليه الاتصال بصحافيين أجانب.
وقال ريمي كوفر، الخبير في عالم الاستخبارات ومؤلف كتاب «سادة التجسس» الصادر عن دار النشر الفرنسية بيران عام 2017، كما جاء في تحقيق لوكالة الصحافة الفرنسية حول الجاسوسية: «في الدول الاستبدادية أو الشمولية، يتبع أسلوب القوة: يحاولون استدعاء العملاء الذين يعتبرون خونة ويقومون بإعدامهم»، مشيرا إلى أن «هذا ما حدث لمئات العملاء السوفيات». وبين هؤلاء الكولونيل أوليغ بينكوفسكي. فهذا الكولونيل في الاستخبارات العسكرية السوفياتية قدم معلومات ثمينة إلى الغربيين عن ترسانة السوفيات خلال أزمة الصواريخ في كوبا. وقد أوقف عام 1962 وخضع للمحاكمة وتم إعدامه. وقال كوفر، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الشائعة التي تم تداولها داخل جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي)، أحرق (بينكوفسكي) حيا في فرن، وهذا الأمر أبلغ به المجندين الجدد»، موضحا أن «قسوة الوسائل نابعة من ضرورة الحفاظ على تلاحم داخل البلاد وأجهزتها».
ويورد مثالا آخر أحدث هو فلاديمير فيتروف الملقب بـ«فيرويل» (وداع). هذا الجاسوس الشهير لجهاز الاستخبارات السوفياتي سلم فرنسا مطلع ثمانينات القرن الماضي آلاف الوثائق عن التجسس السوفياتي، وأسماء نحو 500 جاسوس أو عميل «كي جي بي» في الغرب. وبعد كشفه أعدم رميا بالرصاص عام 1985، وأوضح ريمي كوفر أنه «في الأنظمة الديمقراطية، العقوبة أقل قسوة. هناك حدود مفروضة. هناك رأي عام تجب مواجهته». وفي القضايا التي تكشف علنا، تتم محاكمة «الجواسيس» في أغلب الأحيان وتصدر أحكام قاسية بحقهم.
وهذا ينطبق على الدريش إيمز الذي كان من عناصر وكالة الاستخبارات المركزية لأكثر من ثلاثين عاما، وبدأ نقل معلومات إلى السوفيات مطلع ثمانينات القرن العشرين. وكلفت خيانته حياة نحو 12 عميلا مزدوجا يعملون لحساب الأميركيين. وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1994.
هناك «جواسيس» آخرون حالفهم الحظ. فقد كان البريطاني أنتوني بلانت ضمن فريق من عملاء مزدوجين يسمى «مجموعة كامبريدج»، وتم اكتشاف تجسسه إبان الستينات. وقد اعترف بكل شيء لجهاز الاستخبارات البريطاني «إم آي 5». لكن هذا المؤرخ المهم للفن كان مستشارا للملكة. لذلك بقي عمله التجسسي من أسرار الدولة. وقال المؤرخ الفرنسي «في بلد في الشرق (أوروبا) كان يمكن أن يتعرض لحادث سير. لكن في حالته، بقي الأمر سرا حتى 1979 عندما انفجرت الفضيحة. اعتبر بلانت بعدها خائنا، وتوفي بشكل طبيعي». واعتبر آلان رودييه من المركز الفرنسي لأبحاث الاستخبارات أنه «بشكل عام، اليوم عندما يتم التعرف عن عميل فار تصدر مذكرة توقيف بحقه، وإذا تم اعتقاله يحاكم وعليه أن يمضي عقوبة». وأضاف هذا الضابط السابق في جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي أن «تصفية عميل منشق لم تعد واردة اليوم، باستثناء بعض الأنظمة الديكتاتورية مثل كوريا الشمالية».


مقالات ذات صلة

واشنطن: 8 شركات اتصالات وعشرات الدول تأثرت بالقرصنة الصينية

الولايات المتحدة​ علما الولايات المتحدة الأميركية والصين (أرشيفية - أ.ب)

واشنطن: 8 شركات اتصالات وعشرات الدول تأثرت بالقرصنة الصينية

قال مسؤول أميركي كبير للصحافيين، إن «كمية كبيرة» من البيانات الوصفية للأميركيين سُرقت في حملة تجسس إلكتروني.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا سكان يقفون بجوار منزلهم المتضرر بسبب ضربة صاروخية وسط هجوم روسي على مشارف أوديسا بأوكرانيا 28 نوفمبر 2024 (رويترز)

الحكم على امرأة بالسجن 15 عاماً في أوكرانيا لمساعدتها الجيش الروسي

حكم القضاء الأوكراني، اليوم الخميس، على امرأة من منطقة دونيتسك، الواقعة في شرق البلاد، بالسجن 15 عاماً بسبب تمريرها معلومات عسكرية حسّاسة لروسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
شؤون إقليمية كلمة «بيغاسوس» تظهر على هاتف ذكي موضوع على لوحة مفاتيح في هذه الصورة التوضيحية الملتقطة في 4 مايو 2022 (رويترز)

محكمة تايلاندية ترفض دعوى ضد شركة إسرائيلية تنتج برنامج «بيغاسوس» لاختراق الهواتف

ألغت محكمة تايلاندية دعوى قضائية رفعها ناشط مؤيد للديمقراطية قال فيها إن برنامج التجسس الذي أنتجته شركة تكنولوجيا إسرائيلية تم استخدامه لاختراق هاتفه.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
أوروبا أحد عناصر جهاز الأمن الأوكراني (قناة المخابرات الأوكرانية عبر «تلغرام»)

أوكرانيا توقف ضابطا كبيرا بتهمة التجسس لصالح روسيا

أعلنت أوكرانيا، الجمعة، توقيف ضابط يقود وحدة قوات خاصة في البلاد بتهمة نقل معلومات إلى روسيا حول عمليات عسكرية سرية تنفذها كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف)
شؤون إقليمية البرلمان التركي أقر قانوناً حول التجسس يثير مخاوف من استغلاله لقمع حرية التعبير (موقع البرلمان)

​تركيا: قانون جديد للتجسس يثير مخاوف المعارضة وأوروبا

يثير قانون وافق عليه البرلمان التركي يشدد العقوبات ضد من يثبت تورطه في جمع معلومات لصالح جهات خارجية مخاوف من جانب المعارضة والمنظمات المدنية والاتحاد الأوروبي

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.