كالفي: إرغام شخص على أن يتكلم لغتي عنف رهيب وفوقية

صاحب {أي مستقبل للغات} لـ«الشرق الأوسط»: حين تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي تصبح الإنجليزية خارجه

لويس جان كالفي   -  غلاف الكتاب
لويس جان كالفي - غلاف الكتاب
TT

كالفي: إرغام شخص على أن يتكلم لغتي عنف رهيب وفوقية

لويس جان كالفي   -  غلاف الكتاب
لويس جان كالفي - غلاف الكتاب

كيف نقرأ العولمة من جانبها اللغوي؟ ما هو مصير اللغات في عالم تحول إلى سوق مفتوحة كل شيء فيها يخضع للمصلحة ومنطق البيع والشراء؟ هل ستبقى الإنجليزية سيدة الألسن؟ وما الذي سيحل بالعربية وغيرها في خضم صراع الثقافات والقوى؟ على هذه الأسئلة ونقاط حساسة كثيرة يتحدث العالم اللغوي الفرنسي لويس - جان كالفي في كتابه الشيق «أي مستقبل للّغات؟ الآثار اللغوية للعولمة» الذي صدر مؤخراً عن «مؤسسة الفكر العربي» في بيروت، وترجمه الدكتور جان ماجد جبور. والكتاب بقدر ما هو أكاديمي علمي، سهل القراءة، كون الباحث يلجأ إلى أمثلة عملية ملموسة، لنفهم منه أكثر حال «سوق اللغات» التي أصبحت كسوق الأسهم، حيث «الإنجليزية هي ذات التسعيرة الأعلى» لكن معرفة لغات أخرى قد تشكل «ورقة رابحة جداً» لمتعلميها.
«لا شيء ثابتا أو أكيدا» يقول لنا كالفي في حوار أجريناه معه أثناء وجوده في بيروت، لإلقاء محاضرة وإطلاق الترجمة العربية لكتابه. «ولكن هذا لا يعني أن لغة أخرى ستحل مكان الإنجليزية غداً، ولا في القريب العاجل. حين يفكر الناس باللغات الأهم في العالم، إنما يفكرون باللغات التي لها العدد الأكبر من المتحدثين. تبعاً لهذا المقياس هناك الصينية والهندية مثلاً التي يتحدث بها ملايين الناس. لهذا لا يكفي عدد المتحدثين لإعطاء اللغات وزنها ومكانتها». ويضرب الباحث مثلاً «الفرنسية التي يقل عدد متحدثيها، لكنها لا تزال لغة رسمية في 36 بلداً في العالم، بينما لو أخذناها بمقياس اللغة الأم فهي تتراجع لتصبح الرابعة عشرة عالمياً. أما الإسبانية فهي اللغة الرسمية في 21 دولة، لكن إذا أخذنا في عين الاعتبار الدخل القومي والترجمات والوزن الاقتصادي، نكتشف أننا بحاجة فعلية إلى جداول وتصنيفات للّغات تبعاً لعناصر كثيرة، كي نفهم موقعها». وهو ما قام به كالفي بحيث نشر في كتابه مقياساً لغويّاً يتضمّن 12 عاملاً، بينها عدد المتكلّمين (كلغة أمّ أو كلغة ثانية)، عدد البلدان التي تكون فيها اللغة رسميّة أو وطنية، تدفّقات الكتب المترجمة منها وإليها، خصوبة الشعوب التي تتحدّث بهذه اللغات، الموقع الذي تحتلّه على شبكة الإنترنت، وغيرها من العناصر. وتحتلّ اللغة العربية المرتبة الثالثة كلغة رسميّة معتمدة في 21 بلداً من حيث الانتشار الجغرافي. إنما لو أخذنا عامل التعليم في جامعات العالم بأسره، فإن العربية تحتلّ المركز التاسع.
وحين نسأل كالفي عن التحولات التي يتوقعها للغة الإنجليزية يجيب: «هناك مؤشرات مهمة، حين ستخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي الدولة الوحيدة التي تعتمد الإنجليزية لغة رسمية دون سواها، نصبح أمام حقيقة جديدة. هو خروج هذه اللغة من الاتحاد، مما يجعل الإنجليزية تخسر شيئا من وزنها الجيوسياسي. وهذا مرجح وعلينا أن ننتظر لنرى».
يطرح كالفي أيضا جانبين، إيجابيا وسلبيا لانتشار لغة ما، لأنها حينها تتعرض لما يعتبره «انفجاراً لغوياً». فكلما اتسعت رقعة انتشار لغة تشعبت وتفرعت، كما هو حال الفرنسية حيث بات لكل بقعة جغرافية فرنسيتها. يشرح الباحث أن «الفرنسية في كندا غيرها في السنغال أو الكونغو، أو فرنسا نفسها. كما أن العرب لا يتكلمون نفس العربية في لبنان والمغرب والسعودية، وليست نفس الإنجليزية هي التي يتكلمها الناس في نيجيريا والهند وبريطانيا». هذا الانتشار قد يذهب باللغات على المدى الطويل إلى تفرعات غير متوقعة. «قد يقرر السنغاليون أن لهم فرنسيتهم وأن الأكاديمية الفرنسية لا سلطة لغوية لها على ما يعتمدونه في حياتهم. ومن الممكن، أن يقرر اللبنانيون ذات يوم، أنهم يريدون تعليم اللبنانية لأطفالهم حين يدخلون المدرسة وليس الفصحى، لأن هناك هوة بين اللغة التي يتعلمها الطفل في بيته وتلك المستخدمة في الإدارات والمكتوبة في الكتب والمعتمدة دينياً».
ربما أن واحدة من عورات نظريات كالفي أنه لا يرى كبير جسور بين العاميات العربية والفصحى، ويعتقد أن المشكلة الأكبر للأطفال العرب أنهم يتعلمون حين يدخلون المدرسة لغة لا يعرفونها. وهو مهتم بالتعددية اللغوية في بداية التعليم ويتابع التجارب ونتائجها.
خبراء يقولون إن تعليم الأطفال لغة أجنبية في عمر مبكر جداً قبل لغتهم الأم، يجعلهم غير قادرين في المستقبل، على إتقان أي لغة بشكل جيد ومتين لا لغتهم الأصلية ولا لغة أجنبية. يوافق كالفي شارحاً «هذا صحيح وثبت بالتجربة». ويروي بأن صفوفاً تجريبية في دول فرنكوفونية أفريقية افتتحت، لاختبار هذا الموضوع، بحيث يبدأ التعليم في السنة الأولى باللغة الأم الأفريقية، وفي السنة الثانية تشكل الفرنسية نسبة 30 في المائة و60 في المائة من البرنامج يبقى باللغة الأم، وفي نهاية المرحلة الابتدائية تصبح كل المواد بالفرنسية. ويتم المرور تدريجياً من اللغة الأم، لتصبح الفرنسية وحدها هي اللغة التي تدرس بها كل المواد. خلال سبع سنوات أجريت هذه التجربة وتمت مقارنة نتائج هؤلاء الأطفال بأقرانهم الذين تم تعليمهم بالفرنسية منذ الصفوف الأولى ليتبين أن الذين تعلموا بلغتهم الأم أولاً، ولو لفترة قصيرة جاءوا بنتائج أفضل بكل المواد بما في ذلك اللغة الفرنسية نفسها. وذلك لأنهم تعلموا الكتابة والقراءة باللغة التي يعرفونها أصلاً، بينما الطفل الذي ندخله إلى المدرسة ونبدأ نكتب له على اللوح أرقاماً وحروفاً وكلمات لا يفهمها فإن هذا سيشعره بالإرباك بدل الراحة.
ويخلص الباحث الفرنسي إلى القول إن «الشيء الأكيد اليوم أن إعطاء الأولوية والحصرية للغة الأم في البداية يعطي النتائج الأكثر نجاعة». يؤكد هذا العالم الذي كتب عن «اللغويات والاستعمار» و«المتوسط بحر لغاتنا»» أن في العالم نماذج تعليمية لغوية كثيرة جداً يمكن رصدها والإفادة منها. «ففي بلد صغير مثل لوكسمبورغ تستخدم اللغات الثلاث الألمانية، الفرنسية واللوكسمبورغية، كلغات رسمية، وتدرس في المدرسة مع بعضها. يمكن للتلميذ أن يدرس هذه السنة مادة الجغرافيا بالألمانية والرياضيات بالفرنسية، وتعكس اللغات في السنوات التي تليها مثلاً. والأمور تسير بشكل جيد. لا يوجد لديهم رسوب مدرسي مرتفع، والمواطنون يتحدثون جميعهم اللغات الثلاث».
انتزاع لغة شخص قد يعتبر اعتداء وعنفاً يمارس عليه. الجزائريون، مثلاً، يعتبرون أن فرنسا حين سلبتهم العربية ارتكبت عملاً عدوانياً. بالمقابل هناك نظرة أخرى يجيب كالفي: «الأديب الجزائري كاتب ياسين اعتبر أن الفرنسية بالنسبة له هي غنيمة حرب. وهناك كتاب أفارقة يعتبرون أنهم حين يكتبون بالفرنسية فإنما هم يصنعون فرنسيتهم الخاصة. أحياناً تصبح لغة مختلفة، هذا نراه في الكتب الفرنكوفونية الأفريقية، حيث تدخل عبارات محلية على النصوص، التي لا يفهمها سوى أهلها. فاللغة هناك لم تعد فرنسية تماماً».
> هل هو نوع من الثأر؟
- «أنا أسمي هذا نوعاً من التحايل. نعم الاستعمار الفرنسي، وضع العربية جانبا. لكن في الجزائر هناك الأمازيغ أيضاً الذين يعتبرون أن الفرنسية حمتهم من العربية. وهم يحبون ذلك. لكن الجزائريين العرب لهم وجهة نظر أخرى وهي محقة بالطبع، وهي أن الاستعمار حرمهم من لغتهم».
> إلى أين تذهب الفرنكوفونية؟ وهل تفقد من وزنها؟ أم تولد من جديد كما يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟
- «اليوم يوجد 67 مليون فرنسي ولكن لم يعد هناك 150 مليون إنسان يتحدثون الفرنسية في العالم. العدد يتضاءل تدريجياً. في بعض دول أفريقيا السوداء، الحكومات تواصل اعتبار الفرنسية لغة رسمية وتدرسها في المدارس. نسبة المواليد تجعل أنه بعد 40 سنة ستصبح الكونغو (زائير سابقاً) الدولة الفرنكوفونية الأولى في العالم من حيث عدد السكان، الذين سيفوق عددهم سكان فرنسا». الفرنكوفونية من وجهة نظر كالفي كلغوي لن تنجح إلا حين تصبح في خدمة اللغات الأخرى المحلية التي تعيش معها جنباً إلى جنب. «بالمعنى السياسي إذا كان على الأفارقة أن يموتوا جوعاً كي يتعلموا الفرنسية، أنا أفضل أن يعيشوا حياة كريمة ويفقدوا الفرنسية كلغة. لذلك فإن الهدف من التعلم هو النمو. اللغة هي وسيلة. فهل التطوير يمر باللغة الفرنسية؟ ليس بالضرورة. بالإمكان تعليم المهندسين بالفرنسية أو في فرنسا، وتعليم الممرضات باللغة المحلية في بلادهم، وهذا لن ينتقص من كفاءتهم. بالعكس هذا سيسمح لهم بالتواصل بشكل أفضل مع المرضى وتفهم مشكلاتهم. في عملية تعليم اللغات نحن بحاجة إلى كثير من البراغماتية. يفضل أن يعيش الناس دون أن يتكلموا الفرنسية على أن يستخدموها ليقولوا: أنا أموت جوعاً. على هذا الأساس يجب أن ترسم السياسات اللغوية».
> كيف يمكن تفسير أن دولاً أوروبية تتحدث لغات مختلفة توحدت، فيما تعيش الدول العربية التي تتشارك اللغة نفسها نزاعات دموية؟
- هذا أكبر دليل، في رأي كالفي، على أن اللغة المشتركة لا تمنع النزاعات، وأن الترجمة قد تكون وسيلة ممتازة للتقارب بين الشعوب، معتبراً أن تحدث المرء بلغته الأصلية حين يعبّر عن أفكاره، شرط مهم لإيصال ما يريد قوله بدقة.
«الاتحاد الأوروبي مكون من 28 دولة تتحدث 24 لغة مختلفة معتمدة جميعها بشكل رسمي، هذا مدهش فعلاً. في الأمم المتحدة 194 دولة ولم تعتمد سوى ست لغات رسمية. حين يكون هناك نقاش جاد في موضوع دقيق، يفضل أن يتحدث كل لغته، ويتم اللجوء إلى الترجمة، على أن يحاول كل التحدث بلغة الآخر. لأننا نكون متأكدين بأننا سنقول بدقة ما نريد ودون التباس. الترجمة هي المدخل إلى التعايش. الترجمة تجنبنا هيمنة لغة على اللغات الأخرى. في الاتحاد الأوروبي تتساوى اللغات جميعها، وهذا يعزز التساوي بين الدول».
عمل كالفي في الصين وقرأ «فن الحرب» لصاحبة لاو تسيه، ومنه استوحى فكرة «حرب اللغات» فالكاتب يقول: «حين أرغم شخصاً بشكل مباشر أو موارب أن يتكلم لغتي فأنا أمارس عليه عنفاً رمزياً وماديا رهيباً، لأنني أمارس عليه تلقائياً نوعاً من الفوقية. إذا كان يجب أن أناقش نظرية فلسفية باللغة الإنجليزية وأنا لا أجيدها كما خصمي الذي في مواجهتي، فهو حتماً سيتفوق علي، لأنني لا أملك أدواته كما يملكها هو».


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».