قس عراقي يدرب نازحين على حفظ كنوز ثقافية

TT

قس عراقي يدرب نازحين على حفظ كنوز ثقافية

تمكن الأب نجيب ميخائيل، من رهبنة الدومينيكان العراقية قبل ثلاثة أعوام، من إنقاذ كنوز ثقافية كانت على وشك الوقوع في أيدي «داعش» في شمال البلاد، واليوم يقوم بتدريب عشرات النازحين العراقيين على حماية هذا التراث الإنساني.
عند حلول الظلام ليل 6 أغسطس (آب) 2014، وفي حين كان المتطرفون على أبواب مدينة قرقوش المسيحية في شمال العراق، قام الأب ميخائيل (55 عاماً) بتكديس مخطوطات نادرة وكتب تعود للقرن السادس عشر، ووثائق غير منشورة في سيارته وتوجه بها إلى إقليم كردستان المجاور. وقال ميخائيل في اتصال هاتفي مع وكالة الصحافة الفرنسية: «من واجبي إنقاذ التراث الذي نملكه، وهو كنز كبير» مضيفاً: «لا يمكن إنقاذ شجرة دون أن تنقذ جذورها، إن الإنسان من دون ثقافة إنسان ميت».
وبالتعاون مع اثنين آخرين من رهبنة الدومينيكان، قام الأب ميخائيل الذي اختص بداية حياته في الحفر في قطاع النفط قبل أن يصبح رجل دين في سن الـ24، كذلك بنقل مركز ترقيم المخطوطات الشرقية إلى أربيل.
ويعمل مركز ترقيم المخطوطات الذي أنشئ عام 1990 بالتعاون مع الرهبان البنديكتين على استعادة وحماية المخطوطات، وتمكن من ترقيم ثمانية آلاف مخطوطة بينها كلدانية وأشورية وأرمينية الموجودة في الكنائس وقرى في شمال البلاد التي تعرضت للرطوبة ولضرر. ويقول الأب ميخائيل: إن «موقع المركز اليوم في أربيل يضم عشرة عاملين هم نازحون أصبحوا مهنيين يستقبلون باحثين من فرنسا وإيطاليا أو كندا للتشاور حول الوثائق».
جميع هؤلاء النازحين يحملون شهادات جامعية وفقدوا وظائفهم عند نزوحهم من مناطقهم، لكنهم أصبحوا بسرعة «يعملون من أجل المستقبل ويعرفون ذلك؛ لذا قدموا كل ما في قلوبهم لأجله»، كما يقول الأب ميخائيل، مشيراً إلى وجود «مسلمين بينهم يقومون بدورهم في حماية تراثهم».
ويوضح الأب ميخائيل أنه يضطر في بعض الأحيان إلى البدء من جديد مع فرق أخرى، قائلاً: «دربت قبل ذلك أربعة أو خمسة فرق مختلفة» لأن بعض النازحين عادوا إلى ديارهم بعد تقدم القوات الأمنية وتراجع الجهاديين.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017، أعلن العراق الانتصار على تنظيم داعش الذي استولى على مساحات شاسعة في البلاد في 2014، وقام بعمليات «تطهير ثقافي» عبر تدمير مواقع أثرية ورموز دينية مسيحية ومسلمة.
وعمد الأب ميخائيل إلى مضاعفة النسخ، فهناك نسخ أصلية أعيدت إلى أصحابها ونسخ رقمت ضوئياً، وأخرى ثبتت لدى الرهبان البنديكتين، مشيراً إلى أن ذلك «في حال حدوث أي شيء» من جديد. ويقول: إن «تنظيم داعش لم يختف، إن (داعش) في العقول وليس في الملابس؛ لذلك يجب ألا نعرض ما حفظناه للخطر».
وحتى عام 2007، كان هذا الكنز الثقافي محفوظاً في دير وكنيسة الساعة التي شيدت عام 1866، في الجانب الغربي من الموصل. وبينه 850 مخطوطة قديمة باللغات الآرامية والآرامية الشرقية الحديثة والعربية والأرمنية والإيزيدية والمندائية، وأرشيف ومراسلات بينها ما يعود لثلاث قرون خلت، إضافة إلى نحو 50 ألف كتاب، بينها باللغة اللاتينية والإيطالية تعود للقرن السادس عشر الميلادي.
وأطلق اسم الساعة على الكنيسة؛ لأن أجراسها تقرع كل ربع ساعة، وهي هدية قُدمت للآباء الدومينيكان عام 1880 من الإمبراطورة الفرنسية أوجيني دي مونيتو زوجة نابليون الثالث، مقابل خدماتهم للمدينة. وافتتح الدومينيكان 25 مدرسة للتعليم العام في محافظة نينوى، وجلبوا مطبعة على ظهر جمل عبر صحراء سوريا، كانت الأولى التي تدخل البلاد عام 1857، ولعبت هذه المطبعة دوراً في نشر كتب تعليم باللغة الآرامية المتداولة بين سكان المنطقة، إضافة إلى طباعة كتب لطقوس وتقاليد كالدانية وسريانية.
ومنذ عام 2004، تزايدت الهجمات ضد الكنائس في الموصل؛ ما أدى إلى مقتل أسقف وخمسة من الكهنة.
ويقول ميخائيل: «كنت على قائمة رجال دين (مستهدفين) للقتل».
ومن جديد، قرر الأب ميخائيل عام 2007 الانتقال إلى قرقوش البلدة المسيحية الكبيرة الواقعة على بعد 30 كيلومتراً عن الموصل، ويسكنها نحو خمسين آلاف نسمة. وفي 25 يوليو (تموز)، دفعت «الهواجس» هؤلاء الدومينيكان إلى الانتقال بالكامل إلى كردستان، ولم يتركوا وراءهم حينها سوى المكتبة التي انتهى بها المصير حرقاً على يد الجهاديين». وجاءت اللحظة المصيرية في السادس من أغسطس 2014 عندما اقترب تنظيم داعش وفر سكان قرقوش إلى كردستان. واستذكر ميخائيل قائلاً: «بمجرد أن أرى شخصاً لا يحمل بيده شيئاً، كنت أطلب منه إيصال بعض هذه الكنوز الثقافية إلى كردستان، وقد استعدتها كلها».
وفي 25 ديسمبر الماضي، عاد هذا الكاهن من جديد إلى الموصل لحضور أول قداس عيد ميلاد بعد رحيل الجهاديين عن المدينة، لكنه لم يجد هناك سوى الخراب. فقد اختفت الساعة وقطع البرج الذي كان يحملها، وتحول الدير إلى سجن ومركز للتعذيب ومعتقلات وورش لصناعة قنابل وأحزمة ناسفة، وكان هناك مشنقة معلقة في مكان المذبح. لكن الأب ميخائيل الذي يتقن العزف على آلة الأورغن والقيثار الكهربائي، يواصل تمسكه بالأمل قائلاً: «أنا متفائل (لأن) الكلمة الأخيرة ستعود للسلام وليس للسيف».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.