فنزويلا... بؤرة قلق أميركا اللاتينية

انتخابات رئاسية مقبلة وسط ارتفاع أعداد النازحين وتفاقم الأزمات الإقليمية

فنزويلا... بؤرة قلق أميركا اللاتينية
TT

فنزويلا... بؤرة قلق أميركا اللاتينية

فنزويلا... بؤرة قلق أميركا اللاتينية

تعيش فنزويلا المضطربة اليوم أجواء تأجيل بسيط أُقرّ قبل أيام للانتخابات الرئاسية المقدّمة عن موعدها الأصلي. إذ أعلنت اللجنة العليا للانتخابات الفنزويلية أخيراً تأجيل موعد إجراء الانتخابات من مايو (أيار) المقبل إلى يونيو (حزيران) المقبل، وهذا مع العلم أن السلطات اليسارية برئاسة الرئيس نيكولاس مادورو كانت قبلاً قد قدّمت موعد الانتخابات الذي كان يفترض أن يكون في ديسمبر (كانون الأول) المقبل مع نهاية فترة ولاية مادورو.
تصرفات مادورو ضربت عرض الحائط بالمبادرات الدولية ومطالبات المعارضة لإجراء الانتخابات في يونيو المقبل، كما جاءت مطالبات الرئيس نيكولاس مادورو بالإسراع بالعملية الانتخابية لتنسف جهود حل الأزمة في جمهورية الدومينيكان التي تحتضن محادثات المعارضة الفنزويلية وأطراف الحكومة برعاية إقليمية ودولية، ويتعقد المشهد وتعلن الدولة الحاضنة للمفاوضات على لسان رئيسها دانيلو مادينا تعليق المحادثات إلى أجل غير مسمى.
أخذت أزمة فنزويلا حيزاً كبيراً من جولة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في أميركا اللاتينية، وجعلته يتحدث عنها في كل محطاته التي شملت كلاً من المكسيك والأرجنتين والبيرو وكولومبيا، واختتمت بجامايكا.
هذه الأزمة أصبحت تلقي بظلالها على كل دول الإقليم، وبخاصة كولومبيا «جارة فنزويلا» إلى الغرب التي تشارك فنزويلا حدوداً تتخطى مئات الكيلومترات، وعبر هذه الحدود يتدفق يومياً آلاف النازحين والفارين من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بها.
هذا الوضع دفع كولومبيا، وأيضاً البرازيل (إلى الجنوب)، إلى تعزيز مراقبة حدودهما مع فنزويلا، ونشر آلاف عناصر الأمن والهجرة لضبط الحدود وحركة النازحين، ولا سيما، مع وصول معدلات التضخم في فنزويلا إلى أرقام قياسية تخطت 4000 في المائة، وخسارة «البوليفر» (العملة الفنزويلية) أكثر من 85 في المائة من قيمتها في دولة تعد من أغنى بلدان العالم بالنفط.
بالطبع اختيار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أساساً تقديم موعد الانتخابات من ديسمبر إلى مايو، ليس اعتباطياً، وبخاصة، أنه يأتي في وقت حساس. تحديداً، قبيل إعلان كوبا تولّي زعامة جديدة للجزيرة الشيوعية تحل محل عائلة كاسترو في الحكم، مع تنحي الرئيس الحالي راؤول كاسترو وابتعاده عن المشهد السياسي. والمعروف أن كوبا هي محرك اليسار الأميركي اللاتيني والدولة الداعمة لقيادة فنزويلا الحالية. كذلك، يتزامن التقديم بعد انعقاد «قمة الأميركتين» في البيرو، وهي القمة التي سيحضرها زعماء أميركا الشمالية والجنوبية بحضور الرئيس دونالد ترمب؛ ما سيمكن فنزويلا من الحضور بحلة جديدة وسط أزمتها السياسية الطاحنة.
المعارضة الفنزويلية اليمينية والليبرالية، من جانبها انتقدت التحركات الحكومية الأخيرة، ووصفت تقديم موعد الانتخابات من (ديسمبر إلى مايو - قبل التأجيل البسيط ليونيو) بـ«المناورة غير الشرعية»، من منطلق أن الفترة الرئاسية للرئيس مادورو ستنتهي في ديسمبر بنهاية العام الحالي. ومن ثم، فإنها ترى أن الغاية من تقديم الموعد مباغتة المعارضة، ومنعها من تنظيم صفوفها؛ ما يضعف إمكانية خوضها المعركة الانتخابية بالشكل المأمول. وبالفعل، أصابت خطوة السلطات اليسارية المعارضة بحالة من التوتر دفعتها للإقرار بأنها «تلقت ضربة أذهلتها»، على لسان كبير مفاوضي الفريق المعارض للحكومة خوليو بورغيس.

موقف أوروبي قاطع
نواب في البرلمان الأوروبي، من جهتهم، طالبوا بتوسيع العقوبات المفروضة على فنزويلا «لتطاول» الرئيس نيكولاس مادورو، وحذروا من أن الاتحاد الأوروبي لن يعترف بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة «إلا إذا كانت حرة».
وطلب النواب الأوروبيون خلال جلسة حضرها جميع الأعضاء في مقر البرلمان بمدينة ستراسبورغ (شمال فرنسا)، بتأييد 480 نائباً ومعارضة 51 وامتناع 70 عن التصويت، توسيع العقوبات المفروضة على أبرز المسؤولين الفنزويليين «بعد تفاقم الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية». وكان في طليعة المستهدفين بالعقوبات الرئيس مادورو ونائبه طارق العيسمي والمسؤولون العسكريون الرئيسيون.
وجاء في بيان للبرلمان: إن «الاتحاد الأوروبي لن يعترف بالانتخابات إلا إذا كانت حرة ومنصفة». كما أضاف البيان إن «الانتخابات الوحيدة التي سيعترف بها الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، بما في ذلك البرلمان، هي انتخابات تقوم على جدول زمني انتخابي واقعي، يتفق عليه في إطار حوار وطني بين كل الأطراف المعنيين والأحزاب السياسية، مع شروط مشاركة مماثلة للجميع تكون منصفة وشفافة».
ما تجدر الإشارة إليه أن الرئيس مادورو، وريث الرئيس اليساري العسكري الراحل هوغو تشافيز، مرشح في هذا الاقتراع. وكانت فيديريكا موغيريني، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، قد قالت أمام النواب الأوروبيين، إنه «يجب تحاشي فرض ظروف مفتعلة للحد من مشاركة الأحزاب السياسية». وعلى جانب آخر، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً أولياً بسبب تقارير تفيد بأن قوات الأمن في فنزويلا تستخدم العنف المفرط ضد المتظاهرين منذ عام 2017، وأعلنت المحكمة، التي تتخذ من لاهاي (هولندا) مقراً لها، أنها ستبحث في الادعاءات المتعلقة باعتقال الآلاف من أفراد المعارضة، بالإضافة إلى الانتهاكات التي يواجهونها خلال الاعتقال.

احتجاجات منذ سنة
تجدر الإشارة إلى أن فنزويلا تشهد احتجاجات منذ أبريل (نيسان) الماضي، حين تحرك الرئيس مادورو لتعزيز سلطاته. وكما سبقت الإشارة، رغم تمتع فنزويلا باحتياطيات نفطية تعد بين الأضخم في العالم بها، فإنها تعاني من التضخم ونقص السلع الأساسية. وفي تقرير صدر في أغسطس (آب) 2017، خلص مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أن استخدام قوات الأمن القوة المفرطة بهدف وقف المظاهرات وعنف الجماعات المسلحة الموالية لمادورو كان وراء سقوط 70 قتيلاً على الأقل. ومن ثم، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تقرر في مرحلة لاحقة، استناداً إلى المعلومات التي تم جمعها خلال التحقيق الأولي، فتح تحقيق رسمي بالواقعة.
بجانب هذا المشهد المعقد، تضاف حزمة العقوبات المفروضة على سلطات كاراكاس من كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إذ فرضت واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي عقوبات استهدفت قيادات بارزة في إدارة الرئيس مادورو كذلك طالت العقوبات قطاع النفط في البلاد، وبخاصة شركة النفط الوطنية. وهو ما دفع وزير الخارجية تيلرسون للقول إن الولايات المتحدة ستضع في اعتبارها تأثير أي حظر نفطي محتمل ضد فنزويلا، على دول أخرى في المنطقة. وأضاف تيلرسون، الذي كان يتكلم في مدينة كينغستون، عاصمة جامايكا - المحطة الأخيرة في جولته والدولة الوحيدة غير اللاتينية في برنامج جولته بأميركا اللاتينية، إن بلاده «ستأخذ في الاعتبار بشكل كامل التأثيرات على الدول الإقليمية، وسيصار إلى النظر في الإجراءات التي قد تتخذها واشنطن للتخفيف من الآثار السلبية». أيضاً، أشار تيلرسون إلى إنه بحث هذه المسألة مع رئيس الوزراء الجامايكي أندرو هولنيس. من ناحية أخرى، جاءت تصريحات تيلرسون بعدما كان قد أثار إمكانية فرض حظر نفطي على فنزويلا خلال زيارة للأرجنتين. وفي المقابل، قال الرئيس الفنزويلي مادورو، إن بلاده «ستواجه مثل هذا الحصار؛ لأن دولاً غير الولايات المتحدة مستعدة لشراء النفط منها».

واشنطن تزيد الضغط
كانت التركيز في محطات جولة تيلرسون في المكسيك والأرجنتين والبيرو وكولومبيا، وأخيراً جامايكا، على زيادة الضغط على فنزويلا. ومعلوم أن واشنطن تتهم السلطات اليسارية الحاكمة في العاصمة كاراكاس بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. وبجانب الموقف السياسي السلبي الأميركي أساساً من الحكم الفنزويلي، ابتداءً من الرئيس السابق الراحل تشافيز، والمستمر بعده في عهد خلفه مادورو، أسهم في معاناة فنزويلا الاقتصادية والسياسية تراجع أسعار النفط. كذلك، تتهم واشنطن وقوى المعارضة التي تدعمها واشنطن مادورو وحكمه – ومن قبله حكم تشافيز - بسوء الإدارة طال لسنوات. واليوم، أدى التضخم المتصاعد إلى نقص الغذاء والمعاناة المعيشية؛ ما دفع مئات الآلاف من الفنزويليين إلى عبور الحدود إلى كولومبيا.

روسيا والصين
تداعيات الأزمة الفنزويلية امتدت أكثر في الآونة الأخيرة، لتشمل علاقة كاراكاس مع كل من موسكو وبكين. إذ تتهم المعارضة اليمينية الفنزويلية المدعومة من واشنطن، حكومة الرئيس مادورو بالاستعانة بالصين لدعم الاقتصاد الفنزويلي. كذلك، تتهمها بشراء السلاح من روسيا بحيث تغدو فنزويلا محوراً إقليمياً أساسياً في القارة الأميركية للإقليم، يمكن أن يؤدي إلى احتكاك بين الصين والولايات المتحدة.
ولقد ردت وزارة الخارجية الصينية أخيراً على تهم المعارضة الفنزويلية، وكذلك اتهام وزارة الخزانة الأميركية لبكين بمساعدة حكومة مادورو «من خلال استثمارات غامضة قائمة على مبدأ النفط مقابل القروض»، فقالت: إن دعم الصين لفنزويلا «عاد على المواطنين الفنزويليين العاديين بالفائدة، ولاقى ترحيباً كبيراً». فلقد كان ديفيد مالباس، كبير الدبلوماسيين الاقتصاديين بوزارة الخزانة الأميركية، قد ادعى في خطاب ألقاه بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «أن تركيز الصين على السلع وصفقات التمويل الغامضة أضر بدول المنطقة بدلاً من أن يساعدها». وجاء انتقاد مالباس دور الصين في مساعدة سلطات كاراكاس بعد طرح وزير الخارجية تيلرسون «احتمال وقوع انقلاب عسكري» في فنزويلا.
غير أن المتحدث باسم الخارجية الصينية، تشينغ شوانغ، رد على المواقف الأميركية بالقول: إن «التعاون المالي بين الشركات والمؤسسات في البلدين يقوم على مبدأ تبادل المنفعة». وأردف المتحدث الصيني: إن «القروض تتماشى تماماً مع المعايير الدولية، وعادت بالنفع على شعب فنزويلا... وما قالته الولايات المتحدة لا أساس له ويتسم بانعدام مسؤولية شديد».
كذلك، أشار المتحدث الصيني إلى أن «التعاون بين الصين وفنزويلا ساهم في بناء أكثر من عشرة آلاف منزل منخفض التكلفة، وتوليد الكهرباء، وتوفير الأجهزة المنزلية لثلاثة ملايين أسرة فنزويلية منخفضة الدخل». واستطرد قائلاً: إن التعاون بين الصين وفنزويلا «دفع التنمية الاجتماعية الاقتصادية في فنزويلا إلى الأمام، وقوبل بالترحيب والدعم من كل المستويات في المجتمع». وضمن هذا الإطار، سبق للصين أن اتهمت من جانبها واشنطن بأنها «لا تحترم أميركا اللاتينية»، وذلك بعدما حذر الوزير تيلرسون دول أميركا اللاتينية «من الاعتماد الزائد على الروابط الاقتصادية مع الصين».

الهجرة أزمة لدول الجوار
أوضاع الشوارع والمباني في المدن الفنزويلية، وفق المصادر الغربية، موجع للغاية، وتزداد الأوضاع سوءاً يوماً بعد يوم. وقال أحد سكان العاصمة كاراكاس في مقابلة صحافية: «الحزن يعم الجميع هناك. لا أمل لأحد الآن، ولا يعرف أحد ما يجب القيام به. لقد سئم الجميع كل شيء، وخيبة الأمل منتشرة في كل مكان... يشعر الجميع بالضياع التام».
هذا المشهد يعبر عنه بوضوح منظر وصول الآلاف من رعايا فنزويلا في كل يوم إلى كولومبيا. بعضهم يبحث عن المواد الغذائية الأساسية أو عن الأدوية، وبعضهم الآخر يبحث عن مستقبل لحياته. لكن الواقع أنه، يستحيل الوقوف على الرقم الحقيقي للاجئين والنازحين الفنزويليين الذين يعيشون اليوم في المدن الكولومبية؛ إذ إن كثيرين منهم يعيشون هناك بصورة غير مشروعة أو بصفة مؤقتة.
وكالة «الهجرة في كولومبيا» تشير إلى أن عشرات الآلاف من رعايا فنزويلا يعيشون حالياً في البلاد. وتعكس هذه الأرقام حالة الدعم الاجتماعي التي توفرها الحكومة الكولومبية اليمينية للنازحين الذين يغادرون البلاد المأزومة، وهي السياسة التي تثير توتراً جديداً بين حكومتي البلدين. وبالمناسبة، كانت الولايات المتحدة أيدت تقديم الدعم المالي إلى كولومبيا لاحتواء الأزمة. غير أن كولومبيا ليست بالضرورة الوجهة الوحيدة للفنزويليين الراغبين بمغادرة بلدهم. فمن المقاصد الأخرى المفضلة للفنزويليين الولايات المتحدة وإسبانيا، ولا سيما بالنسبة لأولئك الذين لديهم صلات عائلية هناك. يضاف إلى ذلك، رصد ميل واضح للهجرة إلى الأرجنتين وتشيلي، في أقصى الطرف الجنوبي من قارة أميركا اللاتينية.

مادورو ابن «الطبقة العمالية»
- من هو الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وريث الزعيم اليساري السابق هوغو تشافيز؟
اسمه الكامل هو نيكولاس مادورو موروس، ويبلغ من العمر 55 سنة. وهو متزوج من سيليا فلوريس، التي هي أيضاً من وجوه الحركة التشافيزية وكانت مدعية عامة سابقة للجمهورية.
نشأ مادورو في حي تقطنه الطبقة الوسطى بالعاصمة كاراكاس، حيث ناضل في مرحلة الدراسة الثانوية، كما كان عازف غيتار في فرقة روك إبان فترة مراهقته. وفي المرحلة الجامعية، أمضى سنة في دراسة العلوم السياسية في كوبا. كما كان في شبابه سائق حافلات، كما كان قيادياً في نقابة مترو كاراكاس. ويقال إنه كان موضع سخرية في بداياته السياسية، لكنه حزم منذ 2013 تولى مقاليد الحكم في فنزويلا.
المحلل السياسي الأميركي مايكل شيفر، قال في معرض تقييمه تجربة مادورو وشخصيته: «كثيرون قللوا من شأنه، بل ثمة من نعاه سياسياً منذ أن أصبح رئيساً. لكن، على الرغم من تعدد المظاهرات المناوئة وشبه إفلاس البلاد وتدهور الشعبية، لا شيء كما يبدو يهز سلطته. وهذا، مع أنه لا يتمتع بجاذبية سلفه الراحل هوغو تشافيز ولا فصاحته».
من ناحية ثانية، يقول عنه فيليكس ساياس، مدير معهد ديلفوس للاستطلاعات: «مادورو شخص ماهر جداً في تحقيق التوازنات، ونجح في تقسيم السلطة داخل التيار التشافيزي الذي كانت له القبضة الحديدية في حكم البلاد إبان الرئيس الراحل تشافيز. هذا أكسبه السلطة اللازمة لفرض ترشحه للانتخابات الرئاسية». وأردف ساياس: إنه «يملك نوعاً من الجرأة السياسية. وبعدما رشحه الحزب الاشتراكي الموحد (الحاكم) رسمياً للانتخابات الرئاسية، من المتوقع أن يحكم نيكولاس مادورو في حال فوزه فنزويلا حتى عام 2025، وحين لا يكون في جولة ميدانية في العاصمة كاراكاس، فإنه يشاهد صباحاً عبر قناته على (يوتيوب) وبيده كأس من الشاي جلبته زوجته سيليا فلوريس، وهو يخاطب الفنزويليين».
ويتابع ساياس قراءته في شخصية الرئيس اليساري: «سلطته مصدرها تشافيز، الذي كان قد رشحه لخلافته قبل وفاته، إلا أننا الآن إزاء مادورو آخر مختلف... مادورو يدرك أنه أقوى؛ ولذا فهو هو أكثر شراسة». وحقاً، مع ظهور يومي وخطابات مطولة وتصريحات مناهضة للإمبريالية، يشبه مادورو كثيراً سلفه ومرشده تشافيز، الذي كان حكم فنزويلا بين 1999 و2013، إلا أن تصرفات مادورو دفعت رجال حقبة تشافيز لانتقاده ومن هؤلاء رافايل راميريز، سفير فنزويلا الأسبق لدى الأمم المتحدة، الذي أقيل من منصبه في ديسمبر 2017 من منصبه بتهمة الفساد. ومما قاله راميريز – الذي يدعي متابعون أن مادورو تخلص منه بعدما رأى البعض فيه منافساً محتملاً له: إن مادورو «أفرط في استغلال اسم تشافيز وصورته، لكنه مهما فعل فلن يشبه تشافيز».
مع هذا، فإن الرئيس اليساري الطموح والشعبوي عمل على تحسين صورته. فهو يصف نفسه دائماً بأنه رئيس «جاء من طبقة العمال»، ويقود سيارته الرباعية الدفع، ويسخر من لكنته حين يتحدث بالإنجليزية ويرقص «السالسا»، ثم إنه لا يكاد يغيب عن وسائل التواصل الاجتماعي.
وعنه قال مسؤول في القطاع الخاص، كان على اتصال به حين كان وزيراً للخارجية: إنه «يملك أسلوباً بسيطاً. وهو لا يفقد حسه الفكاهي حتى عندما تغرق البلاد. إنه خطيب جيد، لكنه ليس تشافيز».
جدير بالإشارة، أن مادورو تولى منذ 2006 وزارة الخارجية في عهد سلفه تشافيز، الذي عينه لاحقاً نائباً للرئيس في أعقاب بالانتخابات الرئاسية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2012، وعند وفاة تشافيز، أصبح مادورو رئيساً بالوكالة. ثم انتخب رئيساً.
هذا، وتشمل مسيرة مادورو أيضاً، توليه لفترة قصيرة رئاسة الجمعية الوطنية (البرلمان) في الفترة بين عام 2005 وعام 2006. وفي عام 1998 فاز بأول ولاية له نائباً في البرلمان تحت راية «حركة الجمهورية الخامسة» التي أسسها تشافيز الذي وصل إلى السلطة في العام ذاته. وكان الرجلان التقيا أيضاً في صلب «الحركة الثورية البوليفارية» التي أسسها تشافيز أيضاً، وقاد إبان رئاسته لها انقلاباً فاشلاً ضد الرئيس كارلوس أندرياس بيريز في 1992.



أبرز «وزراء الحرب» في تاريخ إسرائيل

غالانت (رويترز)
غالانت (رويترز)
TT

أبرز «وزراء الحرب» في تاريخ إسرائيل

غالانت (رويترز)
غالانت (رويترز)

برزت طوال تاريخ إسرائيل، منذ تأسيسها عام 1948، أسماء عدد من وزراء الدفاع؛ لارتباطهم بحروب كبيرة في المنطقة، لعلّ أشهرهم في الشارع العربي موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي إبان حرب 1973.

موشيه ديان

وُلد ديان في مستوطنة دغانيا ألف، بمنطقة الجليل الشرقي في شمال فلسطين يوم 20 مايو (أيار) عام 1915، وتوفي يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1981، بعد 10 أيام من اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، الذي انتصر عليه في حرب أكتوبر 1973. ولقد اشتهر موشيه ديان في المنطقة العربية بالقائد «الأعور»، نتيجة فقْده عينه اليسرى بحادث وقع في سوريا عام 1941، عندما كان قائداً لإحدى السرايا العسكرية التابعة لقوات «الهاغاناه»، وهي نواة تأسيس الجيش الإسرائيلي فيما بعد.

ديان

ديان لعب دوراً مهماً في حرب 1948، عندما قاد بعض العمليات العسكرية في سهل الأردن. ولكن، بعدما اعتبر ديان بطلاً لنصر إسرائيل عام 1967، فإنه تحمّل مسؤولية ما حدث في 1973.

آريئيل شارون

آريئيل شارون اسم آخر ارتبط بالحروب في المنطقة، وتولى لاحقاً منصب رئيس الوزراء.

شارون

شارون ولد عام 1928، وتوفي عام 2014، وهو أيضاً يعدّ واحداً من أبرز الشخصيات وأكثرها إثارة للجدل في التاريخ الإسرائيلي. فقد بدأ شارون اهتمامه بالعمل العسكري منذ بداية حياته، ومِثل موشيه ديان انتسب لـ«الهاغاناه»، وشارك في حرب 1948، وأسهم بارتكاب مجزرة دخلت تاريخ فلسطين في قرية قِبية بالضفة الغربية، إبان قيادته الوحدة 101 عام 1953. ويومذاك ذهب ضحية «مجزرة قبية» 70 فلسطينياً، معظمهم من النساء والأطفال، وكان لهذه الوحدة أيضاً دورٌ في أزمة قناة السويس عام 1956.

بعدها، شارك شارون في حربي 1967 و1973، وانضم لحزب «الليكود» ودخل الكنيست. ويذكر العرب بلا شك دوره في «مجزرة صبرا وشاتيلا» بالعاصمة اللبنانية بيروت، بعد تعيينه وزيراً للدفاع عام 1982.

أفيغدور ليبرمان

أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف، هو أيضاً واحد من أكثر الساسة الإسرائيليين شهرة وإثارة للجدل. ولقد عُيّن ليبرمان وزيراً للدفاع في مايو 2016 في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واستقال من منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018؛ احتجاجاً على موافقة حكومته على هدنة لإنهاء قتال اندلع في غزة. ليبرمان وُلد عام 1958 في كيشينيف (تشيسينو حالياً) عاصمة جمهورية مولدوفا (مولدافيا السوفياتية سابقاً)، وعمل في بداية حياته عاملاً في ملهى ليلي قبل أن يهاجر إلى إسرائيل عام 1978؛ حيث انضم للجيش الإسرائيلي، ومن ثم يؤسس حزب «إسرائيل بيتنا»، وبعدها تولى عدداً من المناصب الوزارية بالحكومات اليمينية.

موشيه يعالون

ربما يتذكّر البعض وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون، ويربط اسمه بالحرب على غزة عام 2014.

يومذاك كان يعالون وزيراً في حكومة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. وكانت حرب 2014 الأعنف على قطاع غزة، حتى الحرب الحالية التي اندلعت بداية الشهر الحالي.

تلك الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في يوليو (تموز)، عُرفت بعملية «الجرف الصامد»، واستمرت 51 يوماً، وراح ضحيتها 2322 فلسطينياً، إضافة إلى إصابة 11 ألفاً آخرين.

يعالون ولد عام 1950، وانضم للجيش في عام 1968.

يوآف غالانت

مع أن صدمة إقالة يوآف غالانت (66 سنة)، من منصبه الأسبوع الماضي، تزامنت مع انشغال أميركا والعالم بسباق البيت الأبيض، كان الرجل مدركاً أن «ساعة إقالته تأخرت»، وفق معلق إسرائيلي.

غالانت المولود في مدينة يافا عام 1958، دشن مشوار الـ37 سنة في الخدمة الإلزامية مع وحدة الكوماندوز في «الأسطول – 13» التابع للبحرية الإسرائيلية عام 1977، وبعد 6 سنوات من هذا التاريخ عمل حطاباً لسنتين في ألاسكا، قبل أن يعود إلى سلاح البحرية الإسرائيلية، ويتدرّج في القيادة حتى يتسلم في النهاية قيادة «الأسطول – 13».

دخل وزير الدفاع السابق غمار السياسية من مكتب شارون سكرتيراً له عام 2002، ثم ترأس القيادة الجنوبية للبلاد خلال ما تعرف بعملية «الرصاص المصبوب» عام 2005.

ولازمت العلاقة الملتبسة بين غالانت والسياسة وزير الدفاع المقال طوال مشواره، إذ أقاله نتنياهو من منصبه وزيراً للدفاع بعد عام من تعيينه في 26 مارس (آذار) 2023، وذلك إثر تصريحاته المثيرة للجدل حول قضية تعديل النظام القضائي، وفيما بدا أنها شعبية يتمتع بها غالانت، عاد إلى منصبه وزيراً للدفاع في 11 أبريل (نيسان) 2023 تحت وطأة ضغط جماهيري.

بعد هجوم السابع من أكتوبر، أطلق غالانت تحذيرات عدوانية بأنه «سيغير الواقع الراهن لأجيال» في غزة، واصفاً الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية». لكن علاقة نتنياهو مع غالانت شابتها سلسلة خلافات بشأن إدارة الحرب، واشتبكا بشكل علني على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية. وعقب إقالته - ووفق «يديعوت أحرونوت» - أرجع غالانت القرار لخلافات بشأن قضية التجنيد، فهو يرى أن كل من هو في سن التجنيد يجب أن يلتحق بالجيش، وآخر يتعلق بإصراره على إعادة المحتجزين الإسرائيليين في غزة بأسرع ما يمكن، و«هذا هدف يمكن تحقيقه بقدر من التنازلات وبعضها مؤلم»، إلى جانب سبب ثالث هو إصراره على تشكيل هيئة تحقيق رسمية فيما حدث بعد 7 أكتوبر 2023.