من التاريخ : كازان على جسر التاريخ

من التاريخ : كازان على جسر التاريخ
TT

من التاريخ : كازان على جسر التاريخ

من التاريخ : كازان على جسر التاريخ

شاءت الظروف قيامي بزيارة لمدينة «كازان» عاصمة جمهورية «تتارستان»، وهي جمهورية داخل روسيا الاتحادية تتمتع بخير كثير وثروات ليست فقط طبيعية ولكن ثقافية على حد سواء. وبمجرد أن تعانق هذه المدينة زائرها فإنه يشعر وكأنه يقف على جسر، ولكن ليس الجسر التقليدي بل جسر مختلف، فطبيعتها جسر، وثقافتها جسر، وشعبها جسر، فلقد ذكرني أول مشهد لها بمدينة جنيف السويسرية، فهي تحتضن بحيرة آية في الجمال تصل لثمانية كيلومترات في طولها، ويلتقي في نهايتها أو أولها نهر «الفولغا» الشهير وهو أطول الأنهار الأوروبية. من ناحية أخرى فهي جسر تاريخي لكونها منطقة تماس ثقافي بين الحضارة الإسلامية والقبائل الروسية والمغولية، فهي ساحة للمد والجذر بين ثلاث أمم، لكنها تعيش اليوم في هدوء عرقي وديني تُحسد عليه، ولو طبقنا نظرية صراع الحضارات (لصموئيل هنتنغتون) عليها لكان من المفترض أن تكون هذه المدينة مرتعا للصراعات العرقية والدينية ومشهدا لسيولة الدماء، ولكن هذا لم يحدث هناك، فالمآذن تعانق الكنائس، ولا تغيب عن العين حقيقة وجود وجوه وثقافة مختلطة تعكس روح هذه المدينة.
يمكن إرجاع تاريخ هذه الجمهورية إلى القرن السابع الميلادي، عندما هاجرت مجموعة من القبائل البلغارية إلى هذا الموقع وأسسوا دولة الـ«Volga Bulgaria»، حيث استطاعوا بناء دولة لهم تقوم على التجارة والزارعة والرعي، وكانت «كازان» أحد أهم مراكز هذه الدولة، وهي المدينة التي احتفلت منذ أيام قليلة بدخول الإسلام إليها عام 922 ميلاديا على أيدي أحمد بن فضلان، أحد الدعاة الذين أرسلهم الخليفة العباسي «المقتدر» ليفقهوا الناس بالإسلام وينشروا تعاليمه. لكن حقيقة الأمر أن الإسلام قد سبق هذه البعثة في هذه المنطقة، فنظرا لوجود مدينة «كازان» على أكبر نهر أوروبي وكونها من أكبر مراكز التجارة في شرق أوروبا وشمال القوقاز، فإنها استقبلت الإسلام من خلال التجار المسلمين، وبدا واضحا وجود أرضية خصبة لاعتناق هذا الشعب للإسلام، وهو ما تم بيسر نسبي.
وقد استمرت هذه الجمهورية لبعض الزمن حتى سقطت هذه الدولة في أيدي المغول عام 1238، حيث ضمت للإمبراطورية المغولية وأصبحت تابعة لها، وعندما تقسمت الدولة المغولية أصبحت هذه الدولة جزءا مما هو معروف بالقبائل الذهبية (Golden Horde)، أحد الأفرع الأساسية للدولة المغولية، وقد شهدت هذه الفترة استيطان الكثير من القبائل التركية والمغولية هذه المنطقة، وهو ما أضفى اسم «تتار» عليها، وقد استقلت هذه الجمهورية في منتصف القرن الخامس عشر بعدما سقطت القبائل الذهبية، وقامت على أنقاضها «إمارة كازان».
لم يكتب لهذه الإمارة أن تعيش طويلا، إذ سرعان ما بدأت موسكو تفرض سيطرتها على هذه المنطقة بالكامل بعدما اشتد أزر القياصرة، فانتهى الأمر بقيام القيصر «إيفان الرهيب» عام 1522 بغزو هذه المدينة وأعاد بناء مدينة «كازان» بعد تدميرها، وكان أول قرارات هذا القيصر محاصرة الإسلام، فأمر بهدم المساجد ولم يسمح ببناء غيرها، كما أنه وضع العديد من المعايير لكي تحافظ الطبقة الأرستقراطية التتارية على امتيازاتها، منها التحول للمسيحية والتعميد الجبري، كما أنه قام بنقل كل المسلمين إلى خارج المدينة في مستعمرات حولها، وأي زائر لهذه المدينة يستطيع أن يرى بقايا هذه المستعمرات بعدما جرت إعادة بنائها، وهي تعد في حقيقة الأمر رمزا لصمود شعب أمام محاولة طمس الهوية من خلال القيود المفروضة من الفاتح على الشعب المغلوب على أمره، وقد استمرت هذه القوانين حتى قامت «كاترينا الكبرى» برفع هذه المظالم عن المسلمين في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، لكن سرعان ما تعرض هذا الشعب لألوان أصعب من الكبت الثقافي لهويته على أيدي النظام السوفياتي الذي حظر الإسلام بوسائل قمعية متشددة لم تخف إلا مع سقوط الاتحاد السوفياتي.
ولا يمكن للمرء أن يعبر التاريخ في مدينة كازان دونما تأمل «جامعة كازان الفيدرالية» التي تعد رمزا آخر لعظمة هذه المدينة، فأبنيتها تكاد تكون متناثرة في كل بقاع المدينة، كما لو أن هذه المدينة مبنية لاحتوائها، فهذه الجامعة العريقة تعد من أقدم الجامعات، فهي ثاني أقدم جامعة في روسيا، تم إنشاؤها عام 1804 بقرار من القيصر الإسكندر الأول، وكانت مركزا لاستيعاب الكثير من العلماء والمفكرين الروس، فهي الجامعة التي تجمع فيها العلماء السوفيات من أجل صناعة القنبلة الذرية في عهد ستالين، وفيها درس أيضا الشاب «فلاديمير إيليتش أوليانوف» أو «لينين» قائد الثورة الروسية، وله تمثال كبير في المدينة وهو شاب يخطب، كما أن نفس هذه الجامعة استضافت أيضا الطالب «ليو تولستوي» أشهر الكتاب الروس على الإطلاق في ما بعد، لكن من المستغرب له أن الاثنين تم فصلهما، لينين لميوله الثورية بعد أربعة أشهر من انتظامه بالدراسة، أما «تولستوي» فقد تم فصله لضعف قدراته الأكاديمية ورسوبه المتكرر! وفي مُتحف الجامعة نجد رسالتين بخط تولستوي، ليس من أجل كتابة صفحة أدبية عظيمة، ولكن لاستجداء عميد كلية العلوم الشرقية ليمنحه فرصة أخرى قبل الفصل!
لكن هذا التداخل المستمر لكل من يجوب هذه المدينة لا يقف عند حد شكلها وأعراقها وثقافتها الممتدة، بل في معمارها أيضا، فداخل ساحة الكرملين بجوار القصر الجمهوري المهيب نجد برجا لا بأس به من الارتفاع في طراز معماري جميل اختلطت فيه الأسطورة بالمعمار بالتاريخ، فهو مائل بعض الشيء مثل برج «بيزا»، لكن ليس في حجمه على الإطلاق، ويقال إن «إيفان الرهيب» عندما فتح المدينة وجعلها حصنه الجنوبي ضد الدولة العثمانية، أراد الزواج من إحدى أميرات بيت حاكم الإمارة المهزوم، لكنها لم تكن راغبة في ذلك وفي الوقت نفسه غير قادرة على الرفض، وبالتالي طلبت منه أن يبني لها هذا البرج، وعندما اكتمل بناؤه وجاءت لحظة الحسم فلم تستطع الأميرة أن تفي بوعدها فآثرت الانتحار قفزا من أعلى نقطة به بدلا عن الزواج من القيصر، وهكذا يسهُل على المرء أن يقف تائها بين الحقيقة والأسطورة، وبالتالي يصبح هذا البرج رمزا إما للمعمار الجميل أو للطراز الثقافي المختلف، أو رمز الوفاء للحب إن كان موجودا من الأساس! والأمر في النهاية متروك للزائر أو للقارئ.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.