إيف سان لوران... الحاضر الغائب

أنطونيو فاكاريللو يتكئ على إرثه.. وجياكوموس يزور معشوقته مراكش

من عرض «سان لوران» - من عرض «سان لوران» - من عرض «جياكوموس»
من عرض «سان لوران» - من عرض «سان لوران» - من عرض «جياكوموس»
TT

إيف سان لوران... الحاضر الغائب

من عرض «سان لوران» - من عرض «سان لوران» - من عرض «جياكوموس»
من عرض «سان لوران» - من عرض «سان لوران» - من عرض «جياكوموس»

> تزامن أسبوع باريس لخريف وشتاء 2018 مع موجة صقيع تساقطت فيها الثلوج إلى حد تعطيل المواصلات، وتغلغل البرودة في الجسم، بحيث لم ينفع معها الفرو ولا الطبقات المتعددة من الكشمير؛ كل هذا لم يقف عائقاً أمام عشاق الموضة، فهم في العاصمة الفرنسية لمعاينة ثورات فنية، ومساندة مظاهرات نسوية وحركات استشراق من نوع جديد.
اللافت أن أنطوني فاكاريللو، مصمم «سان لوران»، لم يُعر بالاً لانخفاض درجات الحرارة، وأرسل عارضاته في فساتين قصيرة، بعضها من دون أكمام، وبياقات جد مفتوحة، وبعضها مطزر بالخرز والترتر، أو مطبوع بالورود. وكانت هناك قمصان شفافة وبنطلونات ضيقة من الجلد، إضافة إلى قطعة الدار المسجلة: جاكيت التوكسيدو. وفي حين بدا المصمم مستقصداً عارضاته، بإرسالهن في البرد في أزياء، رغم تصميمها المتقن الأنثوي، كانت تُرسل قشعريرة في الجسم، أرسل في المقابل العارضين في أزياء تقاوم البرد، بدفء أقمشتها التي تباينت بين الصوف والمخمل، وياقاتها العالية، وستراتها السميكة الدافئة.
لم يقم فاكاريللو بثورة بقدر ما أعادنا إلى الزمن الجميل بأسلوب عصري. وقد كانت ألوان الراحل إيف سان لوران المتوهجة، المستوحاة من دفء أفريقيا وتوابل مدينة مراكش، حاضرة كذلك ومعها حقبة الثمانينات، من خلال البريق والأكتاف الصارمة وبعض الأكمام المنفوخة.
المثير في العرض ليس الألوان أو التصاميم، لأننا تعودناها من الدار، بل جرأة المصمم وتحديه للموجة السائدة، في وقت يتجنب فيه أغلب المصممين مفاتن جسم المرأة بسبب الحملة ضد التحرش الجنسي، ورفض شريحة من النساء استغلال هذا الجانب بأي شكل من الأشكال، بما فيها الفني. لكن أنطوني فاكاريللو يعرف أنه سيكون محمياً باسم الدار التي يعشقها الكل، وفي الوقت ذاته لا بأس من العوم ضد التيار.
ومهما تعنت المصممون وقاوموا، فإن كل من يرحل منهم إلى المغرب، وتحديداً مراكش، يقارن بالراحل إيف سان لوران. فأسواقها وألوانها المتوهجة ترتبط في المخيلة بالمصمم الذي أحبها، وبادلته هي الأخرى الحب.
وفي تشكيلته للخريف والشتاء المقبلين، أخذنا جياكوموس إلى الأسواق المغربية، سواء من حيث الألوان الترابية أو التصاميم التي تباينت بين البنطلونات الطويلة والفساتين ذات الطيات والثنيات، أو المغزولة من الصوف فتعانق الجسم. وطبعاً كانت هناك أيضاً تنورات مستوحاة من السراويل الواسعة لتضيق عند الكاحل. واعترف المصمم الشاب بأنه تأثر بما رآه خلال زيارة إلى مراكش قام بها أخيراً، ولم يُخف أنه زار فعلاً متحف «إيف سان لوران»، ولم يستطع أن يقاوم دموعه من فعل تأثره بما رأى، لكنه نفى أن يكون التأثير قد وصل إلى الغرف من إرث المصمم الراحل «فالمسألة كانت شعوراً، لا أقل ولا أكثر».
وأضاف أنه بعد هذه الزيارة، تجول في أزقة المدينة وأسواقها الغنية، ليستشعر ألوانها والروائح التي تنبعث من التوابل، وكانت نيته أن يقدمها لنا في موسم الصيف المقبل، لكنه لم يستطع أن يقاوم إغراءها وهو يصمم تشكيلته للخريف والشتاء؛ تشكيلة عرضها في «لو بوتي باليه»، وكانت طبقاً غنياً أخذنا فيه في رحلة خيالية إلى مدينة قديمة من مدن المغرب ببلاطها الملون. وكانت الأزياء جريئة من دون ابتذال، قوية من دون أن تفقد نعومتها، والفضل يعود إلى تقنية الدرابيه التي استعملها في كثير من الفساتين والقمصان، بتفصيل محسوب دقيق، مثبتاً أنه أكثر من يُتقنها، رغم سنواته الـ28 فقط.


مقالات ذات صلة

2024...عام الإقالات والتعيينات

لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».