يعمل الفتور المتنامي في العلاقة مع واشنطن على دفع إسلام آباد لتوثيق علاقتها مع الصين، غير أن محللين قالوا إن باكستان تخشى الإفراط في اعتمادها دبلوماسيا على بكين، ولهذا فإنها تبحث عن حلفاء آخرين لتعديل كفة الميزان الاستراتيجي، في صراعها مع الهند خصوصا مع تدهور العلاقات بينها وبين واشنطن. المفاتحات الروسية تجاه باكستان تمد شريانا دبلوماسيا تشتد حاجة إسلام آباد إليه في وقت تواجه فيه خلافات متنامية مع القوى الغربية بسبب اتهامها بعلاقات متزايدة مع بالمتشددين. وبناء على ضغط من الولايات المتحدة وبدعم من بريطانيا وفرنسا وألمانيا قررت مجموعة العمل المالي الرقابية إعادة باكستان إلى قائمة المراقبة للدول التي لا توجد لديها وسائل رقابة كافية على تمويل الإرهاب، الأمر الذي قد يلحق الضرر بالاقتصاد الباكستاني الهش، كما قالت «رويترز» في تحقيقها. في يناير (كانون الثاني) علقت واشنطن مساعدات عسكرية لإسلام آباد قيمتها مليارا دولار. وباكستان واحدة من عدة دول سعت موسكو لاستمالتها بعد اختلافها مع واشنطن.
غير أن بيتر توبيتشكانوف، الباحث بمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، قال إن أهداف روسيا في الأمد البعيد من العلاقة من باكستان غير واضحة. وقال توبيتشكانوف: «ليست في غاية الشفافية. حتى في روسيا. فلا يوجد نقاش عام جاد ولا يوجد شرح تفصيلي للرأي العام الروسي عما تريده روسيا في باكستان».
وبالرغم أن التقارب بين موسكو وإسلام آباد ما زال في بداياته والصين هي التي تملأ الفراغ المتنامي الذي تخلفه الولايات المتحدة في باكستان فإن سلسلة من الصفقات في مجال الطاقة والتعاون العسكري تبشر ببث الحياة في العلاقات لروسية الباكستانية التي خمدت لعشرات السنين.
وقال خواجة آصف وزير الخارجية الباكستاني إن بلاده ارتكبت خطأ تاريخيا «بالميل 100 في المائة» نحو الغرب، وإنها تحرص الآن على بناء التحالفات مع قوى أقرب إليها جغرافيا مثل الصين وروسيا وتركيا. وقال لـ«رويترز»: «نحن نريد إصلاح الاختلال في سياستنا الخارجية على مدار 70 عاما. نحن لا نتخلص من تلك العلاقة (مع الغرب). بل نريد توازنا في علاقاتنا، ونريد أن نكون أقرب إلى أصدقائنا في منطقتنا». وقال وزير الدفاع الباكستاني خورام داستجير خان إن الجيش الباكستاني الذي اعتمد تاريخيا اعتمادا كبيرا على الأسلحة والطائرات الأميركية قد لا يكون أمامه خيار سوى زيادة المشتريات من دول مثل روسيا. وأضاف خان لـ«رويترز»: «هذه فرصة. على البلدين تجاوز الماضي من أجل فتح باب المستقبل». وقد تركز دفء العلاقات الدبلوماسية حتى الآن على أفغانستان حيث لروسيا علاقات مع حركة طالبان الأفغانية التي تقاتل القوات الأميركية ولها علاقات تاريخية مع إسلام آباد. وتقول موسكو إنها تعمل على تشجيع مفاوضات السلام. وقال رئيس الوزراء الباكستاني شاهد خاقان عباسي لـ«رويترز»: «توجد أرضية مشتركة بيننا في أغلب القضايا على المستويات الدبلوماسية... هذه علاقة ستنمو نموا كبيرا في المستقبل».
كذلك تشعر روسيا وباكستان بالانزعاج لوجود تنظيم داعش داخل أفغانستان، وتخشى موسكو أن ينتشر مقاتلو التنظيم صوب آسيا الوسطى بما يقربهم من عقر دارها. وخلال رحلة إلى موسكو قام بها الشهر الماضي وزير الخارجية الباكستاني خواجة آصف، أعلن البلدان خططا لإنشاء لجنة للتعاون العسكري للتصدي لخطر تنظيم داعش في المنطقة. كما اتفقا على الاستمرار في تدريبات عسكرية سنوية بدأت في عام 2016 وتبعها بيع أربع طائرات هليكوبتر هجومية روسية لباكستان، بالإضافة إلى شراء محركات روسية لمقاتلات سلاح الجو الباكستاني من طراز «جيه إف - 17» التي يتولى الجيش الباكستاني تجميعها على الأرض الباكستانية.
ويأتي احتضان روسيا لباكستان في وقت تضعف فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها التقليدية بسبب الحرب في أفغانستان، فيما يمثل تحولا صارخا عن الوضع في الثمانينيات عندما كانت باكستان تساعد في تهريب السلاح والجواسيس الأميركيين عبر الحدود لدعم المقاتلين الأفغان في كفاحهم ضد القوات السوفياتية. في الوقت الذي يضعف فيه النفوذ الأميركي في إسلام آباد تعمل روسيا خصم باكستان السابق على تعزيز العلاقات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية معها بما قد يقلب تحالفات تاريخية في المنطقة رأسا على عقب، ويفتح سوقا للغاز سريعة النمو أمام شركات الطاقة الروسية.
يقول مسؤولون بقطاع الطاقة في إسلام آباد إن روسيا وباكستان تتفاوضان على صفقات غاز محتملة تتجاوز قيمتها عشرة مليارات دولار. وقال آصف إن ما بين أربعة وخمسة مشروعات ضخمة في مجال الكهرباء «ستعزز علاقتنا بشكل أكبر». وفي الشهر الماضي عينت روسيا مجلسا شرفيا في إقليم خيبر بختون خوا الشمالي في باكستان حيث تجري شركاتها محادثات لبناء مصفاة لتكرير النفط ومحطة كهرباء. غير أن أكبر الصفقات تتركز على إمدادات الغاز والبنية التحتية في باكستان التي توجد بها واحدة من أسرع أسواق استيراد الغاز الطبيعي المسال نموا في العالم.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) وقعت باكستان وروسيا اتفاقا بين الحكومتين في مجال الطاقة يمهد السبيل لشركة «جازبروم» الروسية العملاقة للدخول في مفاوضات لتوريد غاز مسال إلى باكستان. ومن المتوقع استكمال المحادثات خلال ثلاثة أشهر. وقال مسؤول باكستاني إن «جازبروم» تعتبر من الشركات المرشحة لاقتناص صفقة طويلة الأجل لتوريد الغاز. وأضاف أن قيمة الصفقة قد تبلغ نحو تسعة مليارات دولار على مدار 15 عاما على أساس شحنتين كل شهر من الغاز الطبيعي المسال. كذلك فإن الثقة تتنامى في المضي قدما في مد خط لأنابيب الغاز تقيمه روسيا لمسافة 1100 كيلومتر من لاهور إلى مدينة كراتشي على البحر. وقد عطلت عقوبات أميركية على شركة روستيك الروسية العملاقة التابعة للدولة وكذلك نزاع على رسوم النقل بخط أنابيب يربط الشمال بالجنوب، هذا المشروع الذي تبلغ استثماراته ملياري دولار والذي تم الاتفاق عليه في عام 2015.
إسلام آباد تريد إصلاح «70 عاماً من الاختلال} في سياستها الخارجية
https://aawsat.com/home/article/1196626/%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A2%D8%A8%D8%A7%D8%AF-%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%A5%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%C2%AB70-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9
إسلام آباد تريد إصلاح «70 عاماً من الاختلال} في سياستها الخارجية
ترى في تقوية علاقاتها مع موسكو تعديلاً في الميزان الاستراتيجي
إسلام آباد تريد إصلاح «70 عاماً من الاختلال} في سياستها الخارجية
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة