تونس: جدل حول مصير أرشيف انتهاكات عهدي بورقيبة وبن علي

TT

تونس: جدل حول مصير أرشيف انتهاكات عهدي بورقيبة وبن علي

يحتدم في تونس جدل حول مصير أرشيف انتهاكات حقوق الإنسان التي سُجلت في عهدي الرئيسين الأسبقين للبلاد الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. فقد أبدت منظمات حقوقية وأخرى تعنى بالأرشيف قلقها إزاء عزم الهيئة المكلفة النظر في الانتهاكات السابقة، وهي «هيئة الحقيقة والكرامة»، تخزين أرشيفها لدى جهات أجنبية بعد نهاية عهدتها أواخر العام الحالي.
وتسعى «هيئة الحقيقة والكرامة» التي تنتهي مدتها القانونية في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2018، إلى البحث عن صيغة لحفظ الأرشيف الذي جمعته وضمان الاستفادة منه بعد تلقيها أكثر من 60 ألف شكوى ونحو 48 ألف عملية استماع من الضحايا المفترضين خلال الفترة التاريخية الممتدة من 1955 إلى 2013. ويعود تأسيس هذه الهيئة إلى عام 2014. وأدى أعضاؤها التسعة اليمين الدستورية أمام الرئيس السابق المنصف المرزوقي يوم 6 يونيو (حزيران) 2014، وتتولى حسب قانون العدالة الانتقالية، كشف الحقيقة عن مختلف الانتهاكات ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات وجبر الضرر ورد الاعتبار للضحايا لتحقيق المصالحة الوطنية. وتعرض آلاف التونسيين خاصة من معارضي نظامي بورقيبة وبن علي للتعذيب وانتزاع الاعترافات والتشريد والسجون والهجير القسري، واستغلت كل الأطراف السياسية الانفراج السياسي الذي حصل عام 2011 للمطالبة بمساءلة الجلادين السابقين ومحاسبتهم ودعوتهم إلى الاعتذار.
وتقدمت هيئة الحقيقة والكرامة، عبر موقعها الرسمي على الإنترنت، باقتراح يدعو لوضع الأرشيف الوثائقي والسمعي البصري الذي جمعته خلال السنوات الأربع الأخيرة لدى شركات مختصة في حفظ الأرشيف، ومن المحتمل أن تكون جهات أجنبية. وأثار هذا الاقتراح جدلا واسعا وسط المنظمات الحقوقية ومنظمات من المجتمع المدني رأت أن الفكرة «مخالفة للدستور».
وقال محمد الهادي الوسلاتي عضو «الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية» لـ«الشرق الأوسط» إن تخزين أرشيف الهيئة لدى جهة أجنبية يتعارض مع الفصل 24 من الدستور، وهو يتعارض مع ما نص عليه قانون العدالة الانتقالية التونسي نفسه. وأضاف أن 90 في المائة من أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة، يتعلق بمعطيات شخصية حساسة على غرار المعطيات المتعلقة بالجرائم والوضعية الجزائية للضحايا وحالتهم الصحية ومعتقداتهم، مشيرا إلى أن نقل هذه المعطيات خارج تونس مخالف للقوانين التونسية والمعاهدات الدولية. وينص القانون الدولي المتعلق بالمعطيات الشخصية، على أن نقل مثل هذه المعلومات لا يكون ممكناً إلا بتوفر شرط إخفاء هوية المعنيين وتحويلها إلى معطيات إحصائية.
بدوره، قال الهادي جلاب المدير العام لمؤسسة الأرشيف الوطني (مؤسسة حكومية)، إن الهيئة تسلمت جزءاً كبيراً من الوثائق من مؤسسة الأرشيف الوطني، وأعرب عن تخوفه من إمكانية تسريبه واستغلاله لأمور لا علاقة لها بالعدالة الانتقالية. كما اعتبر عماد الحزقي رئيس «هيئة النفاذ إلى المعلومة» أن حفظ أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة لدى جهة أجنبية مسألة غير مقبولة، ودعا الهيئة إلى التراجع عن فتح المجال أمام مؤسسات أجنبية.
وفي المقابل، أكدت «هيئة الحقيقة والكرامة» في بيان أن حفظ التسجيلات السمعية البصرية وضمان سلامتها هو من المسؤولية الحصرية للهيئة طوال عهدتها دون غيرها. وينص الفصل 68 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية الذي انبثقت عنه هيئة الحقيقة والكرامة، على أن «تختتم أعمال الهيئة بنهاية الفترة المحددة لها قانونا وتسلم كل وثائقها ومستنداتها إلى الأرشيف الوطني أو إلى مؤسسة مختصة بحفظ الذاكرة الوطنية تحدث للغرض»، وهو ما يمنع مبدئيا تخزين أرشيف ضحايا الانتهاكات التي عرفها الضحايا لدى مؤسسات أجنبية مهما كانت درجة تمكنها من حفظ الأرشيف.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.